السبت 18 مايو 2024
كتاب الرأي

رشيد لزرق: "العدالة والتنمية" مدعو في مؤتمره القادم للفصل بين المجال الدعوي والمجال السياسي 

 
 
رشيد لزرق: "العدالة والتنمية" مدعو في مؤتمره القادم للفصل بين المجال الدعوي والمجال السياسي  رشيد لزرق

المتتبع للعدالة والتنمية، وللتطورات الأخيرة يستشف أن الحزب دخل في منعطف مفصلي يفرض عليه الوضوح السياسي الذي يستوجب الاجتهاد في تطوير أطروحته السياسية بغية ضمان التحول نحو حزب مدني كغيره من الأحزاب الديمقراطية، بما يتطلب من تبني خطاب عقلاني متحرر من هواجس الهيمنة التي كانت تسكن الرعيل الأول المؤسس للجماعة.

ويمكن أن يكون المؤتمر القادم للحزب مؤتمر تقييم التجربة الحكومية والاستفادة من النقائص التي اعترضت التجربة الأولى، والتي طبعها نزوع نحو التصادم واستعمال لغة المزايدة عوض لغة المقارعة ورفع الصوت عوض الخطاب الهادئ.

لقد جسدت مرحلة بنكيران صدمة للحزب الذي لم يكن مهيئا لها، سياسيا ومشروعيا، لهذا طغى على المرحلة ما يمكن أن نسميه بـ "الفقر الفكري".

و قد مكنت مواجهات حادة عرفها الحزب وتم التعتم عليها عبر تصديرها للخارج، من إلغاء المخيال الشعبي، عبر لعب دور المفعول به سياسيا ومهاجمة من سبقوه في هذا المنحى.. وإن تمكن بنكيران من الفوز في الانتخابات، بالنظر لضعف المعارضة وعدم مصداقية قيادتها، فإنه لم يتمكن من إدارة التحالفات بواقعية، إذ أبقى على نفس أسلوب المزايدة. من هنا نلاحظ كيف أن بعض وسائل الإعلام جعلت من بنكيران ”ظاهرة  سياسية"، وأظهرته كقوة مما ولد لديه تضخم الذات، معتبرا نفسه حاجة وطنية لا غنى عنه، واتجه إلى إدارة مفاوضات تشكيل الحكومة بأسلوب إذعان ورفع الصوت، الأمر الذي خلف تغذية النعرات السياسية بين مختلف الأحزاب فيما بينها، محاولا تطبيق منهج فرق تسد على الحكومة.. هذا المسار أدى إلى انحباس سياسي لمدة تزيد عن نصف سنة، رهنت البلاد والعباد، ولم ينته إلا بعزله وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له كرئيس للحكومة.. وهذا الأخير، وإن كان قد نجح بداية  في تشكيل الحكومة، فإنه وجد نفسه محاصرا بين رغبة بنكيران في الرد على ما اعتبره خصومه "إهانة العزل"، وبين مستلزمات الانخراط الحكومي، وهذا ما جعل حكومته تعرف تخبطا وارتباكا حقيقيا في التعاطي مع الأزمات، و بدأ ذلك واضحا في  كيفية  التعاطي مع أحداث الحسيمة.

لهذا فإن الحزب الفائز مدعو خلال مؤتمره القادم أن يكون مؤتمر الوضوح وما يفرضه ذلك من ضرورة الفصل بين المجال الدعوي والسياسي، وضرورة ممارسة نقد ذاتي يقوم على تقييم التجربة الحكومية، والإجابة عن الأسئلة الحارقة، والتحديات الوطنية التي تفترض حكومة فاعلة وبرلمانا قويا، يقوم بينهم تعاون لاستكمال المخطط التشريعي، الذي يبقى لا مناص منه لاستكمال البناء المؤسساتي.

إن الإجابة عن هذه التحديات تقوم برجال دولة وقيادة واعية ومسؤولة عبر الوضوح السياسي وبمسؤولية الخطاب، كما أن التكتل الداعم لتمديد بنكيران، والذي يحاول إظهار انسياقه الأعمى وراء الرجل والدفع به إلى ذراع الحكومة ومواجهة المؤسسات هو ما خلق حالة توجس لدى أتباعه، وشيطنة المناوئين سواء من الداخل أو من الخارج أو الخارجيين، علما أن فئة المؤيدين للتمديد ليست فئة منسجمة، بل هي متعددة، وانشغالاتها مختلفة.. ولهذا نستنتج أن المرحلة الأخيرة أنتجت أربع فئات:

- الفئة الأولى: بالفعل قلقة ومنشغلة بتحقيق مشروع الجماعة الأم في تحقيق "التمكين" مهووسة بالمحافظة على الامتياز الانتخابي، تسكنها الرغبة في السيطرة، هذا الهوس يجعلها لا تتفهم التكتيكات السياسية القائمة على ضرورة التحلي بالواقعية المرحلية التي يفرضها التدافع السياسي.

- الفئة ثانية: لها تطلع في اتجاه ضمان تموقع تنظيمي وإحساس بالغبن لعدم تحقيق طموحاتها الشخصية خلال حكومة بنكيران، لاسيما وأنها ترى فئة أقل منها قدرة وعطاء، استفادت من مكاسب عبر وجودها في الحكومة أو التعيين في مناصب سامية.

- الفئة الثالثة: أو من تسمي نفسها بيساريي بنكيران مجموعة لها بعد انتهازي، فشلت في أحزابها للوصول إلى الحكومة، وفئة أخرى أحادية الفكر تظن أن الديمقراطية تكون بأضدادها.

- الفئة الرابعة: متمثلة في باقي القيادات الشعبوية التي شرعنت وصولها إلى زعامات الأحزاب المعارضة لحكومة بنكيران بقدرتها على مجابهة الطاقة الشعبوية الهائلة لرئيس الحكومة المعفي، وهي فئة كانت تتمنى في سريرتها استمرار عبد الاله بنكيران أمينا عاما للحزب الحاكم لتقتات من استفزازاته ومزياداته؛ حاولت لعب أدوارا، ولو ثانوية، تشرعن تحت مسمى الفاعلية، لاستيلائها على قيادات الأحزاب وتعطيل اشتغالها وتنفير مناضليها وإقصاء كفاءاتها، من أجل تثبيت أبنائها والعمل على اتباع أجندة التوريث الحزبي للأبناء والأقرباء والأصهار وتجار التمصلح والاسترزاق من الباحثين عن الحماية السياسية.

ونخلص إذن إلى أن الحكومة الحالية جعلت العديد من القيادات تشن هجوما على التحالف الحكومي، بدعوى خضوع العثماني للأغلبية الحكومية، رغم ما  تعلمه هذه القيادات قبل غيرها من مرحلة حرجة، بسبب الإكراهات الدولية والإقليمية، والتي تستدعي حكومة قوية وفاعلة، وأسلوبها هذا قوى الاستقطاب داخل الأغلبية، الأمر الذي يذكي الخلافات ويجعلها قابلة في أي وقت للانفجار من الداخل.. وهو اتجاه لا يخلو من خطورة في إدخال البلاد في انحباس سياسي، في وقت من المفترض فيه أن تدخل في مسار تنموي ينهض بالاقتصاد الوطني .