الجمعة 17 مايو 2024
سياسة

ندير إسماعيلي: الخطاب المزدوج في تعامل الاتحاد الأوروبي مع المغرب ناتج عن غياب رؤية سياسية ملتزمة للاتحاد

 
 
ندير إسماعيلي: الخطاب المزدوج في تعامل الاتحاد الأوروبي مع المغرب ناتج عن غياب رؤية سياسية ملتزمة للاتحاد

الخرجات التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية مؤخرا، على خلفية القرار السيادي الذي اتخذه المغرب بقطع اتصالاته مع الاتحاد الأوروبي بعد قرار محكمة العدل الأوروبية بحظر تعامل الاتحاد الأوروبي مع منتوجات المغرب القادمة من الأقاليم الجنوبية، مثيرة للاستغراب، لأنه كيف تفسر مساعي بلجيكا وألمانيا، والتي سارعت في تصريحاتها إلى التغزل وطبطبة المغرب، طالبة وده في الوقت التي تعتبر من الأعضاء الفاعلة في الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن بلجيكا هي حاضنة مقر الاتحاد وألمانيا مممولة رئيسية فيه، وبالتالي كان يمكن أن تشكل قوة ضغط ضد أي قرار من شأنه المساس بمصالح دولة شريكة كالمغرب.. كيف نقرأ تناقضات هذه الدول وتذبذب مواقفها وكأنها دول أجنبية عن الاتحاد بعيدة عنه كزامبيا أوالموزامبيق لا علاقة لها بالاتحاد ولا يربطها به إلا الخير والإحسان؟ "أنفاس بريس" طرحت السؤال على الدكتور إسماعيلي ندير، أستاذ القانون الدولي العام بكلية الحقوق مكناس، فكان رده كالآتي  :

"إن العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي محكومة بعوامل تاريخية من جهة، وعوامل عملية مصلحية مرتبطة بالظرف الدولي والتجاري والأمني من جهة أخرى.. وسمة هذه الروابط أنها لا تتميز دائما بالاستقرار نظرا للمصالح المتعددة للاتحاد الأوروبي في علاقاته مع أطراف وشركاء آخرين، والتي تسمح له بهوامش التصرف في تدبير سياسته الخارجية من أجل الحفاظ على نوع من الانسجام والتناسب لأعضائه، خصوصا ما يتعلق بالجانب الفلاحي والتجاري، وكذلك فيما يخص جوانب ذات الارتباط بقضايا الهجرة، وغيرها. اليوم الأزمة قائمة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، والتي وإن كانت في ظاهرها توحي بأنها ذات طابع مالي، فإنها تخفي طابعا اقتصاديا آخر وطابعا فلاحيا وإنسانيا، وكلها مرتبطة بالقضايا التي تثيرها الهجرة وما يرتبط بها من الحقوق الأساسية من حق اللجوء وحقوق الإنسان وغيرها، والتي يمكن أن تعصف طبعا باستمرار هيكلة وجهاز الاتحاد الأوروبي. بل ويمكن أن تكون لها آثار إلى حد ما ليست سيئة، ولكن من شأنها أن تعيق طبيعة العلاقات التقليدية ما بين دول الاتحاد وشركائها ومن بينها المغرب. وهذا الأخير بوصفه شريكا أساسيا ويتمتع بنظام خاص وتعامل خاص مع شركائه، وباعتباره طرفا لا مناص ولا محيد عنه في عدد من القضايا، وعلى رأسها محاربة الإرهاب، يجد نفسه (المغرب) أمام خطاب "مزدوج" في التعامل الأوروبي والسياسة الأوروبية، سواء تعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي كاتحاد وكوحدة سياسية، أو سواء مع بعض الدول أعضاء هذا الاتحاد.. هذا بالرغم من التصريحات ذات الطابع الديبلوماسي، والتي ما لبثت تؤكد على ضرورة تمتين وتقوية العلاقة مع المغرب.

هذا الخطاب المزدوج، في الحقيقة، هو ناتج عن وضعية أزمة التوافق داخل وبين أعضاء الاتحاد الأوروبي من جهة، وناتج كذلك عن غياب رؤية سياسية ملتزمة للاتحاد الأوروبي ولأعضائه تكون في مستوى انتظارات المغرب وفي مستوى الخدمات والسياسات التي ينهجها المغرب تجاه الاتحاد الأوروبي ككل أو تجاه بعض أعضائه في بعض القضايا الراهنة، وخصوصا كل من بلجيكا وألمانيا. فالاتحاد الأوروبي لا يمكنه ولا لدوله أن يستمر على هذا المنوال الذي يتميز باللغة المزدوجة، والتي في بعض الأحيان تمسك بقوة على المغرب في قضاياه الأساسية التي تعتبر مصيرية، خصوصا في قضية الوحدة المغربية. فالأمر يتعلق طبعا بأخلاقيات سياسية لبعض البلدان بالاتحاد الأوروبي وكذلك للوبيات التي يجب أن يتم التعامل معها بحذر من طرف الاتحاد الأوروبي وأعضائه، وخصوصا تلك الدول مثل: بلجيكا وألمانيا، والتي يلزم أن تكون مواقفها عملية ومنسجمة مع تصريحاتها السياسية، كي تتميز أولا بالوضوح، وثانيا بالمشروعية، وأن يتم التعامل مع المغرب على أساس قواعد المعاملة بالمثل وحسن النية... وهي القواعد والمبادئ المرسخة في القانون الدولي، لأن مثل هذا السلوك لبعض الأعضاء أو للاتحاد ككل أو لأحزابه، سوف يمس في العمق مصداقية السياسة الأوروبية وسياسة بلدانها، كما قد يعمل هذا السلوك أيضا على ضرب مناخ الثقة الحالي والمستقبلي.

ومن جهته على المغرب أن يقوم بدوره ويستعمل كل إمكاناته الوطنية والدولية حتى يفرض احترام اختياراته، ويحمل شركائه على أن يسلكوا نفس المنهج وأن يتحكموا شيئا ما في المستقبل، لأن أي تطور غير متحكم فيه سوف يكون مضرا لتلك القيم المشتركة التي تجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي، وتجمع المغرب ببعض دول الاتحاد كبلجيكا وألمانيا.