الأحد 19 مايو 2024
مجتمع

المصطفى حمزة: ملف تدبير الجفاف بالمغرب لن يكتب له النجاح إلا إذا احترمت وزارة الفلاحة هذه التوصيات

 
 
المصطفى حمزة: ملف تدبير الجفاف بالمغرب لن يكتب له النجاح إلا إذا احترمت وزارة الفلاحة هذه التوصيات

استضافت "أنفاس بريس" الأستاذ الباحث المصطفى حمزة، ابن منطقة أحمر، المتمكن من تاريخ وجغرافيا المنطقة، لمناقشته حول أنجع الطرق والسبل لترجمة الأهداف المتوخاة من تخصيص ما يفوق 5 ملايير درهم لمكافحة تداعيات "الجفاف" وتقديم المساعدة للفلاحين عبر التراب الوطني سواء من خلال حماية الثروة الحيوانية أو تأمين عيش الفلاح البسيط ورعاية محيطه الاجتماعي ماديا ومعنويا. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته معه حول هذا الموضوع:

+ هل مازال الوقت كافيا لربح رهان مكافحة تداعيات عجز التساقطات المطرية في ظل شبح الجفاف الذي بشرنا به وتنبأ له المتخصصون في سلسلة تقلبات المناخ؟؟

- بطبيعة الحال ما زال الوقت كافيا لتجاوز ظاهرة الجفاف، خاصة إذا تساقطت الأمطار بكميات وافرة خلال هذه الفترة.. وهو ما يؤكده العديد من الفلاحين الذين يرون بأن إمكانية الزراعات (المازوزية) ما زالت متوفرة، ويستشهدون بالكثير من السنوات التي عرف فيها المغرب انحباسا للمطر في بداية الموسم الفلاحي، مما فوت على الفلاحين إمكانية الزراعات (البكرية).. لكن خلال شهري يناير وفبراير تهاطلت الأمطار بكميات وافرة مما سمح للفلاحين بالقيام بزراعات مازوزية، كانت نتيجتها سنوات فلاحية جيدة.

التساقطات إذا ما تهاطلت ستساهم كذلك في توفير الكلأ للماشية، خاصة أن نسبة مهمة من القرويين أصبحوا اليوم يعتمدون على تربية الماشية كمصدر أساسي لعيشهم، كما تفيد التساقطات في تغذية الفرشة المائية والرفع من منسوب الآبار وملأ المطافي... وبذلك يمكن تجاوز شبح الجفاف .

+ لماذا كلما لاح شبح الجفاف نسارع من أجل القيام بمثل هذه المبادرات الداعمة للفلاحين بالعالم القروي رغم أن وزارة الفلاحة عملت على مخطط أخضر منذ مدة طويلة؟ أين يكمن الخلل؟

- بداية، علينا أن نعرف بأن الدولة المغربية لها دراية واسعة بالمجال الذي تدبره.. فغير خاف على الدولة بأن مناخ المغرب هو مناخ جاف، وأن الجفاف خاصية مميزة للمناخ المغربي.. فعلى رأس كل عشر سنوات أو خمسة عشر سنة، يعرف المغرب سنة أو عدة سنوات عجاف، مما يؤدي إلى الكثير من الجوائح، كما أن الدولة لها إلمام واسع بانعكاسات الجفاف على الثروة الحيوانية والنباتية والبشرية... ومن هنا فهي عبر التاريخ دائمة التدخل من أجل التخفيف من وقع الجفاف والجوائح.

داخل هذا السياق العام، ينبغي أن نضع مبادرة الدولة الداعمة للفلاحين بالعالم القروي.. أما المخطط الأخضر فهو مخطط طموح، وأهدافه واضحة، ونتائجه في حال تحقيقها جد إيجابية ومفيدة للمغرب.. لكن مشكل هذا المخطط، هو جهل الفلاحين القرويين به وبأهدافه.. وأكثر من ذلك، فمن اقترح عليه غرس أرضه بأشجار الزيتون وغيرها من المغروسات، يتخوف من هذا الإجراء ومن أعضاء الجمعيات التي لم يساهم هي الأخرى في تأسيسها ومعرفة مهامها وأدوارها...

ومن هنا فالخلل، في نظرنا ونظر الفلاحين القرويين، سببه هو غياب ثقافة التشارك ما بين الوزارة والفلاحين.. فالإنسان الذي لا نشركه في نقاش أمر يهمه، وهذا يؤكد مجموعة من الفلاحين، عادة ما يكون ضعيف الاستجابة، وذلك لعدة اعتبارات منها الموضوعي والذاتي، «فمن يضمن لي أرضي عندما يغرسها شخص آخر ويتكفل بالعناية بها إلى حين» وهذه عينة من أسئلة الفلاحين.

وإلى جانب غياب ثقافة التشارك، هناك ضعف التواصل، إن لم نقل انعدامه في بعض الأحيان، ما بين المسؤولين عن القطاع الفلاحي محليا وإقليميا وجهويا، والفلاحين القرويين، مما يجعل مهام هذه الفئة جد محدودة ، ومردودية العمل الفلاحي جد ضعيفة.

وإذا ما أضفنا إلى هذه العوامل، البنية العقارية التي ما زالت سائدة بالمغرب والتي تشكل عرقلة أمام تطور القطاع الفلاحي وضعف التقنيات الفلاحية المستعملة، وتعامل السلطات الوصية مع الفلاحين بكل من أراضي الجموع وأراضي الكيش، ورفضهم لكل المبادرات التي يقبل عليها الفلاحين بما فيها غرس الأراضي وحفر الآبار... من أجل تطوير القطاع ، نفهم مدى المعاناة التي ما زال يعرفها هذا القطاع.

+ ما هي السبل والإجراءات الكفيلة بضمان تعميم ما يفوق 5 ملايير درهم على كافة المناطق العميقة بالوطن لمكافحة ظاهرة الجفاف واستبعاد شبح الجوع عن الإنسان والحيوان والأرض؟

- يجب أن نعترف بأن الدولة على علم بالمساحات المزروعة بحكم الإمكانات التي تتوفر عليها، وبحكم التقارير اليومية التي تتوصل بها.. ومن هنا فأول إجراء ينبغي القيام به هو تعويض كل من قاموا بزراعة حقولهم مع بداية الموسم الفلاحي، بكل من المناطق الساحلية للسهول الأطلنتية، وبعض المناطق من السهول الداخلية (أحمر والرحامنة)، وتخصيص تعويض للفلاحين الذين لم تسمح لهم الظروف المناخية بزراعة أراضيهم. هذا إلى جانب توفير ودعم مواد العلف ومراقبتها، ومد الجماعات والدواوير بالماء الصالح للشرب، وتشجيع الفلاحين على التعاطي للزراعات الشجرية كنشاط زراعي بديل مع توعيتهم بأهمية هذه الزراعات...

+ هل من بديل عملي لحماية الثروة الحيوانية في ظل شبح الجفاف المخيف بصفتكم ابن بادية أحمر وتطلعون على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للساكنة؟

- بالنظر للاهتمام الذي بدأ يوليه الفلاحون لقطاع تربية الماشية، وبالنظر لظاهرة الجفاف التي تعرفها المنطقة منذ السنة الماضية، وما ترتب عنها من تراجع للمساحة الرعوية وتراجع لقطيع الماشية  وارتفاع تكاليف تربية الماشية، بفعل الزيادات المضطردة في أثمنة الأعلاف بفعل الاحتكار وزيادة في أثمنة صهاريج المياه، فإن الدولة مطالبة بتزويد الكسابة بالمواد العلفية بأثمنة تشجيعية، وتوفير المياه للماشية.

+ ما هي في نظركم المناطق الأكثر تضررا من الجفاف، والتي تستحق أن تبرمج على رأس لائحة التدخل السريع لإنقاض الفلاحين الصغار والبسطاء من شبح الجفاف؟ وما هي متطلبات هذه الفئة من الفلاحين؟

- المناطق التي ينبغي أن تحظى بالأولوية هي المعروفة بإنتاج الحبوب بما فيها السهول الأطلنتية، والسهول الداخلية، سهل تادلة وسهل الحوز، مع استثناء المناطق السقوية.

+ ما هي المؤسسات والقطاعات المختصة طبعا في المجال الفلاحي والزراعي والتي يمكن لها اليوم أن تلعب أدوارا طلائعية في مكافحة الجفاف على مستويات  الدعم، التأمين، التواصل، التأطير....؟

- بطبيعة الحال المؤسسة الرئيسية المخول له السهر على مكافحة آثار الجفاف بالمجتمع برمته هي الدولة، وهذا معروف تاريخيا.. وعملية تصريف الإجراءات المتخذة تتم عبر مجموعة من القنوات من بينها الوزارة المسؤولة عن القطاع والمؤسسات والقطاعات التابعة لها، وهي متعددة ومنتشرة عبر التراب الوطني.. ووزارة الداخلية باعتبارها وصية على أكبر جزء من الأراضي الفلاحية بالمغرب: أراضي الجموع وأراضي الكيش والأراضي المخزنية.

هذه المؤسسات هي المخول لها قانونيا القيام بتقديم الدعم، وتعويضات التأمين، والتواصل مع الفلاحين وتأطيرهم. ولتدبير الملف بشكل جيد، ينبغي إشراك الفلاحين والكسابة المتضررين، وإبعاد كل من لا علاقة لهم بالقطاع الفلاحي وهموم الفلاحين.