الأحد 19 مايو 2024
خارج الحدود

أبو هاجر المغربي ينقل من داخل المعتقل كيف صور قطع الرؤوس لصالح تنظيم داعش

 
 
أبو هاجر المغربي ينقل من داخل المعتقل كيف صور قطع الرؤوس لصالح تنظيم داعش

كشفت الـ"واشنطن بوست"، في مقابلة أجرتها مع أعضاء سابقين في تنظيم داعش الإرهابي محتجزين في المغرب وحوارات مع مسؤولين أمنيين وخبراء في مكافحة الإرهاب، أن  تنظيم "داعش" يتوفر على آلة دعائية ضخمة ومتطورة جدا، مشيرة إلى أنه يولي أهمية كبرى لهذا للإعلام والدعاية من أجل إرعاب الأعداء واستقطاب متعاطفين جدد إلى صفوفه.

وذهبت الصحيفة الأمريكية إلى أن قادة الجهاز الإعلامي للتنظيم يحظون بمكانة متميزة، وتتم معاملتهم بنفس "مرتبة الأمراء العسكريين"، كما أنهم يتدخلون بشكل مباشر في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ويقودون جيشا يتكون من مئات المصورين والمنتجين والتقنيين، الذين يشكلون مع بعضهم طبقة تتمتع بأجور جيدة وامتيازات يحسدهم عليها مقاتلو التنظيم. وأكد أبو هاجر، أحد مصوري داعش المحتجز في سجن سلا، أن هذه "النخبة الإعلامية" تتمتع بمكانة متميزة تثير غيرة المقاتلين، وأنهم يتقاضون رواتب تصل إلى 700 دولار شهريا، أي 7 أضعاف رواتب المقاتلين، فضلا عن امتيازات السكن واللباس والأكل. وأضاف أن هؤلاء أهم من المقاتلين في التنظيم، ويملكون سيارات أفضل.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" ، في تقرير لها حول الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم "داعش" الذي أعده الصحافيان غريغ ميلر وسعاد مخنيت، أن أبو هاجر المغربي، المصور الذي عمل سنة كاملة لصالح تنظيم الدولة، تحدث عن آلة الدعاية التي تنقل الرعب إلى كافة أنحاء العالم، حيث كانت تصله في كل مرة ورقة تكليف بمهمة، توضح له المكان والزمان، دون إعطائه أية تفاصيل أخرى، وكانت المهمة أحيانا تصوير المصلين في المسجد، أو تبادل لإطلاق النار بين المسلحين، ولكنها في أحيان أخرى تكون تصوير حمام دم يحدث أمامه.

وقال أبو هاجر إن إحدى المهام التي كلف بها كانت الذهاب لمكان يبعد ساعتين عن مدينة الرقة (عاصمة دولة الخلافة)، وهناك اكتشف أنه كان واحدا من عشرة مصورين تمت دعوتهم، لتصوير اللحظات الأخيرة لحياة 160 جنديا سوريا تم أسرهم في سنة 2014.

وقال أبو هاجر: " أمسكت بكاميرتي، وهي من نوع كانون، بينما قام المسلحون بنزع ملابس الجنود، باستثناء سراويلهم الداخلية، وساروا بهم داخل الصحراء، وأجبروهم على الركوع، ونفذت المذبحة بالبنادق الآلية. ونشرت الصور التي التقطها أبو هاجر وغيره من المصورين في جميع أنحاء العالم، وشملت مقطعا مصورا بثه تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي وفي نشرات الأخبار الرئيسية بقناة "الجزيرة"وغيرها من الشبكات".

وذكرت الصحيفة أن مثل هذه التسجيلات تنتشر كالنار في الهشيم على شبكة الإنترنت، ويتناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وتبثها القنوات الإخبارية، وهذا بالضبط ما يريد تنظيم الدولة تحقيقه لخدمة أهدافه الدعائية.

وأضافت الصحيفة أن أبا هاجر، الذي يقبع الآن في أحد سجون المغرب، يمثل واحدا من عشرات المنشقين عن صفوف التنظيم من عدة دول، وقدّموا معلومات مفصلة حول أقوى آلة دعائية صنعتها جماعة إرهابية مسلحة.

وأشارت الـ"الواشنطن بوست" إلى أن ما كشفه هؤلاء أشبه ببرامج تلفزيون الواقع التي تصور حياة العصور الوسطى. فكاميرات طاقم التصوير كانت تتجول في دولة الخلافة كل يوم، وتصور مشاهد المعارك وقطع الرؤوس على الملأ بشكل يساعد المقاتلين ومنفذي عمليات الإعدام على تنفيذها (بشكل احترافي)، بينما يقومون بقراءة بعض الحروف المدونة على لوائح تلقين وضعت خلف الكاميرا.

ونقلت الصحيفة عن أبي هاجر أن عناصر الجيش الإعلامي للتنظيم يعدون أكثر أهمية من العسكريين؛ لأنهم يمتلكون القدرة على تشجيع من هم في الداخل على القتال، وتشجيع من هم في الخارج على الانضمام للتنظيم. مضيفة ان الكاميرات وأجهزة الكومبيوتر وغيرها من أجهزة تصوير المقاطع المصورة تصل تباعا في شحنات منتظمة من تركيا، وتسلم إلى قسم الإعلام الذي يديره غربيون، منهم أمريكي واحد على الأقل.

واعتبرت الصحيفة الأمريكية أن قوة هذه الآلة الدعائية تجاوزت حدود مناطق سيطرة التنظيم، حيث أن هجمات باريس الأخيرة تم تنفيذها من قبل متعاطفين ينتمون الى الشعب الافتراضي لتنظيم الدولة، وقد نجحوا في تنسيق مخططاتهم عبر الإنترنت. مشيرة إلى أن عبد الحميد أباعود، العقل المدبر "المزعوم" لهجمات باريس الذي قتل في مداهمة للشرطة الفرنسية، ظهر عدة مرات في أشرطة الفيديو التي ينشرها التنظيم، وهو ما يعني أن التسجيلات والبيانات التي ينشرها التنظيم باستمرار لا تهدف فقط إلى نشر الرعب في صفوف المواطنين، بل تمكن أيضا من استقطاب متابعين من كافة أنحاء العالم.

وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يجدوا حتى الآن طريقة فعالة لمواجهة دعاية التنظيم، وحتى البرنامج الذي صممته وزارة الخارجية الأمريكية للحد من فاعلية رسائله، لم يكن أكثر من مجرد إعادة لأفكار تمت تجربتها في السابق ولم تنجح، فأنصار التنظيم تعوّدوا على الالتفاف على حملات الحجب والغلق على مواقع فيسبوك وتويتر.

وأضافت أن واشنطن التي وقفت عاجزة عن مجاراة تنظيم الدولة على شبكة الإنترنت، لجأت إلى القوة لاستهداف مهندسي هذه الدعاية، حيث أدت الغارات الأخيرة إلى مقتل عدد من إطارات الجهاز الإعلامي للتنظيم، من بينهم جنيد حسين، الخبير البريطاني في الكمبيوتر. وقد وصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، جيمس كومي، وحدات دعاية داعش بأنها أهداف عسكرية، في إشارة إلى مدى قوته ودوره الحيوي في نجاح التنظيم. وحسب تصريح أدلى به كومي الشهر الماضي في اجتماع عقد بواشنطن "أنا متفائل أن الإجراءات التي قام بها زملاؤنا للحد من تغريدات داعش سوف يكون لها تأثير كبير" مضيفا "لكن دعونا ننتظر لنرى ما سيحدث".

ونقلت الصحيفة عن أبي هاجر قوله إن التنظيم يعتمد برنامجا واضحا لتقييم وتدريب الوافدين الجدد، وقد تم إرساله عند وصوله إلى فريق الإعلام، حيث قضى شهرين من التدريب العسكري، ثم تدرب لمدة شهر على العمل الإعلامي، تعلم خلاله كيف يقوم بالتصوير، وكيف يقوم بالتركيب ووضع المؤثرات، وكيف يحصل على الصوت والصورة المناسبين، ثم أعطيت له كاميرا من نوع كانون، وهاتف جوال سامسونغ، وبطاقة اعتماد في قسم الإعلام في الرقة. كما مكنه التنظيم من منزل كبير بحديقة يعيش فيه مع عائلته (عادت زوجته وأولاده إلى المغرب)، وأعطيت له سيارة من "تويوتا هيلوكس".

ولاحظت الصحيفة أن الاستراتيجية الإعلامية للتنظيم تنطوي على مفارقة عجيبة، فهو يفرض رقابة دقيقة على تصوير ونشر أشرطة الفيديو، ثم يطلقها بشكل فوضوي على الإنترنت ويتركها في عالم افتراضي تسوده الفوضى والصدفة. كما أنه ينشر أشياء متناقضة، حيث يسعى أحيانا لإظهار أن الناس تحت حكمه يعيشون حياة وردية، وفي أحيان أخرى يتباهى بقسوته وسفكه للدماء.

وخلصت الصحيفة إلى أن هذه الرسائل المتناقضة موجهة إلى مجتمعات منقسمة، فمشاهد الرعب تهدف لإخافة الخصوم، ومشاهد الحياة المثالية تهدف لاجتذاب المسلمين الذين يعانون من الفقر والتهميش والظلم في بلدانهم.