الثلاثاء 30 إبريل 2024
سياسة

عبد المالك احزرير: انتخاب المجالس المحلية والحهوية ومجلس المستشارين كان خارج المنهجية الديمقراطية

عبد المالك احزرير: انتخاب المجالس المحلية والحهوية ومجلس المستشارين كان خارج المنهجية الديمقراطية

جرت أمس الجمعة 2 أكتوبر 2015 محطة جديدة من محطات الاستحقاقات الانتخابية، وتتعلق بانتخاب مجلس المستشارين في صيغته الجديدة. "أنفاس بريس" أجرت حوارا مع الدكتور عبد المالك أحزرير، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بمكناس، حول الغرفة الثانية ومهامها، على ضوء تقليص عدد أعضائها من 270 إلى 120، وتخفيض مدة ولايتهم من 9 إلى 6 سنوات.. في ما يلي نص الحوار:

+ جرت انتخابات مجلس المستشارين وفق الصيغة الجديدة التي جاء بها دستور 2011 بتقليص عدد أعضاء المجلس إلى 120 عوض 270، وتخفيض مدة الولاية من 9 إلى 6 سنوات. لكن ما هي المستجدات على مستوى المهام الموكولة للمجلس؟

- أود في البداية أن أشير إلى أن نظام المجلسين أثار نقاشا أكاديميا استغرق أكثر من نصف قرن، ساهم فيه رجال القانون ورجال السياسة وعلماء الاجتماع، لأن هذا النظام ما هو في الحقيقة إلا مأسسة وتدبير "الموزايك" الاجتماعي واختلاف الإرادات والمصالح في "المجتمعات المعقدة". ولا أحد ينكر دور الغرفة العليا التي أرست توازنا سوسيولوجيا في كل الأنظمة السياسية التي عرفها العالم المعاصر. هذه الغرفة هي تعبير لمأسسة إعادة إنتاج طبقات النبلاء والأعيان وعلية القوم التي لم يدفنها التاريخ رغم أن الأحداث تجاوزتها. فلم تستطيع فرنسا تجاوز تناقضات الثورة الفرنسية إلا بمأسسة التعايش بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وذلك بخلق غرفة للمحافظة على الرمزية التاريخية للطبقات التي أشرت إليها. ومثال ذلك مجلس الشيوخ بفرنسا أو اللوردات بإنجلترا.. ولا بأس أن نذكر المغرب كذلك خاصة في التجربة البرلمانية الأولى، لأن نظام الغرفتين حافظ على براديغم الأعيان. لكن سيطرة هذه النخب المحافظة تلاشت مع الزمان لتحل محلها نخبة تتكون من الطوائف المهنية le corporatisme أي هيمنة أصحاب المصالح على هذه الغرفة التي اكتسحت رقعة لا بأس بها على حساب التمثيلية التي هي أساس سيادة الشعوب .

فحينما نخصص لمجلس المستشارين 270 مقعدا في التجارب البرلمانية السابقة، فهذا يعبر بدون شك على سيطرة المصالح التي أصبح لها مشرعا مع التقلص العددي بين مشرع المصلحة العامة والمشرع الخاص بالمهنيين. وهذا يخالف منطق الأشياء. وأعتقد أن الحركات الاحتجاجية والانتقادات الموجهة لهذه الغرفة من طرف أحزاب المعارضة الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم  قبل التناوب كان له الأثر في التقليص العددي لهذه الغرفة. ولا نستغرب أن دستور 2011 أعطى لغرفة المستشارين مناقشة المواضيع ذات الطابع المهني والاجتماعي (الفصل 78). لكن مازال للمستشارين الحق في مساءلة الحكومة بواسطة ملتمس الرقابة (الفصل 106) وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق (الفصل 67).. وتحديد هذا المجلس في 120 عضو يتدخل مسار في منطق عقلنته.

+ بعض المحللين يرون أن مجلس المستشارين، بالنظر لتركيبته المكونة أصلا بصفة غير مباشرة من المجالس المنتخبة ومن الغرف المهنية ورجال الأعمال وممثلي المأجورين من النقابات، ينبغي أن تنحصر مهمته في دوره التمثيلي، ويترك الجانب السياسي لمجلس النواب، حيث النقاش بين أحزاب الأغلبية والمعارضة.. ما هو رأيك في هذا الطرح؟

- كما سابقا، إن مجلس المستشارين اكتسح مع الزمان رقعة كبيرة في الحقل السياسي على حساب ممثلي الأمة الحقيقيين الذين تم انتخابهم بالاقتراع المباشر، وهذه الآلية هي جوهر السيادة والتشريع. فبعد خطاب 9 مارس 2011 أصبح المشهد السياسي ينم على وعي مجتمعي، هناك تغييرات جوهرية فرضت على الفكر البرلماني أن يتغير ويحدد آلية اشتغاله، لأن من ضمن الانتقادات الموجهة لمجلس المستشارين هو تأزيم مهام النخبة السياسية الموجودة في مجلس النواب، إلى درجة تساءل فيها أحد الباحثين المهتمين بقضايا البرلمان عن أهمية صناديق الاقتراع بدخول المهنيين عبر النافذة، لأنه في التجارب السابقة لا وجود لتراتبية بين الغرفتين، بل كلاهما يتمتع بنفس الاختصاصات على المستوى الرقابي والتشريعي والديبلوماسي بعد أن خصص المشرع الدستوري غرفة "لثلث الناجي".

+ نظرا لما تعرفه انتخابات مجلس المستشارين التي وصفها البعض بانتخابات الكبار من تعقيدات، ما هو الحل في نظرك لتجاوز المسطرة المتبعة غير المباشرة التي قد تشجع على استعمال المال والضغط والتحريض وغيرها من الممارسات، التي قد تنتج خريطة سياسية بعيدة عما تفرزته صناديق الاقتراع؟

- للأسف، فإن الاستحقاقات الأخيرة سيكون لها الأثر السلبي ليس فحسب على أداء المجلس بل على وجوده. لقد نزل الأعيان والتجار بكل ثقلهم لانتزاع مقعد في مجلس المستشارين، وازدادت المضاربة في الأصوات لشراء عدد من الناخبين الكبار، المنافسة ازدادت مع تقليص المقاعد. ولقد انجرت للأسف الأحزاب إلى هذه المهزلة فهي على اطلاع بما يجري من صفقات وتوثيق لعمليات الشراء لصالح من يدفع أكثر. وبالفعل، فإن استعمال المال سيفرز خريطة سياسية بعيدة كل البعد عن صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين .

الأحزاب عوض أن تسهر على تأثيث هذه المؤسسة التشريعية بنخب جديدة ونشيطة، اكتفى بعضها، للأسف الشديد، للمراهنة على تكوين فرقها، والبعض الآخر راهن على الحصول على رئاسة هذه الغرفة، ولا أحد يفكر في فعالية هذه المؤسسة ومدى قدرتها للتجاوب مع مجلس النواب لمواجهة التحديات الكبرى. إن زمن تأثيث المؤسسة التشريعية بمن هب ودب قد ولى، والأحزاب تتحمل هذا العبث. فانتخابات 4 شتنبر أكدت أن هناك عطبا في حياتنا السياسية. وما نأسف عليه أن العمليات الانتخابية كانت موضوعا للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن ما يقع اليوم في انتخاب مجالس الجهات ومجلس المستشارين يوقظ العقل السياسي المغربي، لأن بناء المؤسسات المحلية والجهوية ومجلس المستشارين كان خارج المنهجية الديمقراطية، إذ ابتعدنا بالتحالفات غير المنطقية عن الصناديق.. لندرك أن النخبة عاجزة بفعل الزبونية ونفوذ العائلات وتدخلات الناخبين الكبار بشتى الوسائل لإضعاف المسار الديمقراطي ولجعل هذه المؤسسات التمثيلة كما لو أنها ازدادت وهي ميتة بلا روح .

بالفعل إن هذا السلوك الانتخابي لا منطق له. فما معنى أن تنقلب الموازين ويصبح "المكردعين" يدخلون من النوافذ. إنه العبث. هذا السلوك هدد تماسك الأغلبية وميثاقها، لأن الناخبين الذين صوتوا على حزب رئيس الحكومة، مثلا، وجدوا أنفسهم أمام دلالة انتخابية لا تعبر صراحة عن تصويتهم لهذا الحزب. وبالتالي فمنطق الأغلبية لم يفعل. وهذا الشيء طبيعي لأن الأحزاب المؤلفة لهذه الأغلبية تختلف تماما من حيث المذهب، والبرامج والمرجعيات. وكما كتب أحد المهتمين في إحدى الافتتاحيات بأن هذا السلوك سيعطي الضوء الأخضر للأغلبية الصامتة لتتوسع في الانتخابات المقبلة، وبالتالي ستتصلب ظاهرة العزوف ويصبح خطاب إدماج الشباب في الحياة السياسية بلا معنى ولا آفاق .