لم تعش قواعد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكذا قيادتها، من يوم غير منسي، أكثر من الأربع وعشرين ساعة الأخيرة، فبمجرد نشر "أنفاس بريس" لخبر التحاق حسن الدرهم، عضو المكتب السياسي، بحزب التجمع الوطني للأحرار، وتناقلته باقي المواقع الإلكترونية، حتى بدأت الهواتف ترن هنا وهناك، الجميع يتساءل عن صحة الخبر من عدمه، ورغم أن الخبر نشر بصيغة يقينية، وتضمن استقالة النائبة البرلمانية رقية الدرهم من جهة الصحراء، ورئيس جهة مكناس تافيلالت سعيد اشباعتو وعضو المكتب السياسي، فإن النقاش انصب فقط على استقالة حسن الدرهم لما يمثله هذا الأخير من ثقل في جهات الصحراء الثلاث، بلغ حد تكذيب الخبر من قبل أعضاء في المكتب السياسي لحزب "الوردة"، مؤكدين أن الخبر عار من الصحة وانما هو من الأكاذيب والشائعات المغرضة التي تريد زعزعة التنظيم الاتحادي، مستدلين بأن حسن الدرهم حضر منذ يومين في إفطار نظمه المكتب السياسي، ولم يطرح موضوع استقالته لا من قريب ولا من بعيد، حتى أن بعضهم قال بأن "حسن الدرهم هو سليل أسرة اتحادية"، وكأن ذاكرة المتتبعين مثقوبة، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن التجمع الوطني للأحرار كان هو الحزب الأم لحسن الدرهم، وهو ما عبر عنه هذا الأخير في اتصال هاتفي مع موقع "أنفاس بريس"، بأنه عاد لبيته الأصلي.. ومع ذلك استمر مسلسل التشكيك فيما نشرته "أنفاس بريس"، حتى نشر مضامين المكالمة الحصرية للمعني بالأمر مع "أنفاس بريس"، ومع ذلك تحدثت حنان رحاب، عضو المكتب السياسي لحزب عبد الرحيم بوعبيد، عن ما اعتبرته "أوامر عليا انصاع لها من أتوا في الزمن البئيس، ومؤامرات من هذا القبيل لن تنال من عمر مناضلين يقاس عمر حزبهم بعمر هذا الوطن"، وذلك ضمن تدوينة لها في صفحتها على الفيسبوك.. وهو ما يدل على أن الصدمة كانت قوية، وصفها أحد القياديين في الحزب الاتحادي، بأنها ضربة موجعة للتنظيم خصوصا في الأقاليم الصحراوية، لما يتمتع به الدرهم من نفوذ على عدد من الحزبيين، "صدقني لحد الساعة ليس هناك من يخلف الدرهم، فقد أوتينا على حين غرة، ولم نكن على استعداد لهذه الخطوة المفاجئة"، تحدث قيادي اتحادي فضل عدم ذكر اسمه مع "أنفاس بريس"، مضيفا "أعتبره سلوكا غير نضالي ولايمت للأخلاق الاتحادية بصلة، ما أقدم عليه الدرهم، عشية الانتخابات الجماعية، في ظل توالي الضربات للبيت الاتحادي، من انسحاب العشرات نحو تأسيس حزب البديل الديمقراطي، إلى النتائج المزورة التي حصل عليها الصف النقابي الاتحادي، إلى الهجوم الإعلامي على الرموز الاتحادية وشن حملات تشكيكية يكون لها أثر في صفوف القواعد، وغيرها من الضربات، وكأن هناك من يدفع في اتجاه تقوية أحزاب بعينها على حساب حزب قدم الغالي والنفيس لدمقرطة البلاد"..
فهل كان حسن الدرهم مناضلا اتحاديا حين غادر قبل سنوات حزب "الحمامة"، ليلتحق بحزب "الوردة"؟ أليس هو نفس الشعور و"المؤامرة"، الذي تحدث عنها حزب أحمد عصمان البارحة، يتحدث بها اليوم حزب عبد الرحيم بوعبيد اليوم؟ أليس هو حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تماطل في الدفع بمقترحه ضمن مذكرته قبل سنوات حول مدونة الانتخابات، والقاضي بضرورة مرور سنة على التحاق النواب الرحل بالحزب الجديد ليحصل على تزكيته في الانتخابات القادمة؟ ألم تكتشف أجهزة الرصد المبكر التابعة للاتحاد الاشتراكي أن حسن الدرهم شخصية متقلبة، وبأن ما يربطه بهذا الحزب أو ذاك "غير الخير والإحسان"، ما دام أن له نفوذ شعبي يسانده بأي "دراعة حزبية"، ارتداها، وفي أي دائرة ترشح ضمن نفوذ الأقاليم الصحراوية؟ ألم يصرح الدرهم في عدد من المناسبات أن العمل الحزبي أنهكه أسريا وصحيا، و"مافيه غير صداع الراس، وتوف" على حد قوله، وعبر في العديد من المناسبات الخاصة عن رغبته في الاعتزال السياسي، والتفرغ لمشاريعه الاستثمارية عبر ربوع البلاد؟ ألم تنشر الأخبار تلو الأخبار أن حسن الدرهم سيغير الوجهة نحو الأحرار أو الأصالة والمعاصرة، فمهما كانت هناك أخبار ضمن الشائعات فلا نار بدون دخان، بل هي تدخل أحيانا ضمن قياس ردة الفعل؟ ما الذي ربحه حزب الاتحاد الاشتراكي من انضمام الدرهم له في هذه السنوات، فهو "ينتخب" عضوا في المكتب السياسي لكل المرحلة الأخيرة، دون أن يكلف نفسه تتبع مراحل المؤتمرات الوطنية للحزب؟ ومع ذلك فهو كثير الغياب في حضور لقاءات المكتب السياسي، بل حتى اسمه كثيرا ما طرح ضمن لائحة المتغيبين في دورات مجلس النواب، وينأى بنفسه عن الاصطفاف في هذا التيار أو ذاك ضمن حركية البيت الاتحادي..
ألم تكن كل هذه الإشارات رسائل واضحة للقيادة الاتحادية، بضرورة البحث عن بديل لحسن الدرهم؟ أم أن هذا الأخير كان هو المتحكم الفعلي في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالحزب في الأقاليم الصحراوية؟ ألم تكن هناك انتقادات متوالية لحزب عبد الرحمان اليوسفي بأنه أصبح سوقا انتخابويا يقبل بالأعيان من أجل مقعد برلماني أو أكثر فقط لاغير؟
بالمقابل ماذا استفاد حسن الدرهم من قضائه لكل هذه السنوات التي اعتبرها بعض المقربين له "سنوات الضياع" في البيت الاتحادي؟ أين كان حزب الاتحاد الاشتراكي عندما خاض الدرهم ما عرف حينها بمعركة "التراب" مع حمدي ولد الرشيد رئيس بلدية العيون باسم حزب الاستقلال، ويتعلق الأمر باتهامات وجهها الدرهم لغريمه ولد الرشيد في التلاعب في تسليم واستحواذ بقع أرضية بعشرات الهكتارات في مدينة العيون؟ إلى درجة أن بعض الاتحاديين أسر حينها بالقول أن المعركة تدخل ضمن صراع "صحراوة"، وهو ما لم يستسغه الدرهم، وأسرها في قلبه، وراسل العديد من الجهات العليا، وبقي الأمر على ماهو عليه، اضطر معها إلى تغيير دائرة ترشحه متوجها نحو الداخلة تاركا دائرة العيون لآل الرشيد، ولم يكن يخلد في ذهن أحد من المتتبعين أن انتخابات 2011، ستعرف صعود فاعل حزبي آخر هو "العدالة والتنمية" حيث حقق فيها نتائج غير مسبوقة بعد أن "خلا له الجو"، حيث حصل على مقعدين بالداخلة والعيون، دون احتساب حضور الأقاليم الصحراوية في لائحتي الشباب والنساء، ماذا استفاد حسن الدرهم من عضويته بحزب الاتحاد الاشتراكي، وقضاة المجلس الأعلى للحسابات يطوقونه بأسئلة كبيرة حول الاختلالات التي تم ضبطها ضمن رئاسته لبلدية المرسى، واستطاع بمفرده أن يقدم ردا اعتبر مستساغا لفترة تسييره، قبل أن يقرر التخلي عن الرئاسة لفائدة نائبه الأول؟
ماذا استفاد حسن الدرهم من عضويته في حزب الاتحاد الاشتراكي، بعد أن تعرض لما اعتبره عملية نصب كبيرة من قبل شريكه الفرنسي في إحدى استثماراته المتعددة، حيث قدرت الخسارة بملايير السنتيمات؟ "ومع ذلك أنا بخيري والحمد لله، ولم يسجل علي يوم أني أستغل نفوذي الحزبي لتنمية ثروتي"، يكشف الدرهم لأحد أقربائه..
هي إذن مؤشرات ربح وخسارة في استقالة حسن الدرهم، تفرض على الأحزاب تحصين صفها الداخلي وحماية مناضليها، من جهة، ومن جهة ثانية تعيد طرح سؤال الترحال السياسي وأثره على ثقة الناخبين في العملية الانتخابية.. ويبقى الأهم من كل هذا هو كيف سيدبر ادريس لشكر الكاتب الأول للحزب المرحلة القادمة والاستحقاقات المقبلة في الوقت الذي تتوالى عليه الضربات من كل جهة؟