بعد الأحداث الإرهابية بالدارالبيضاء عام 2003 وقعت صحوة لدى السلطات العمومية بوجوب اجتثات الكاريانات من المدينة، فتم عام 2004 اعتماد برنامج مدن بدون صفيح بالمغرب ككل مع منح الدارالبيضاء مونطاجا مؤسساتيا وماليا خاصا ينفلت من البيروقراطية الحكومية ومن تكلس دواليب وزارة السكنى لإعادة إسكان 102 ألف أسرة بـ 400 كاريان.
الآن وبعد مرور عشرة أعوام على البدء في تنفيذ هذا البرنامج بالدارالبيضاء يمكن للمراقب أن يضع تحقيبا يقسم إلى قسمين: المرحلة الأولى عرفت جيلا من المشاريع السكنية الخاصة بإعادة إسكان قاطني الصفيح بأي ثمن تحت ضغط الرغبة في اقتلاع كاريانات طعنت هيبة الدولة في مقتل (مثلا كاريان طوما وكاريان السكويلة وكاريان باشكو وكاريان سنطرال) وترحيلها في أسرع وقت دون استحضار التركيبة المالية في توفير البنى التحتية المهيكلة لهذه الأقطاب الحضرية التي رحلت إليها العائلات المعنية (حوالي 50 ألف عائلة موزعة على أقطاب الرحمة والهراويين والسلام إلخ...). هذه المرحلة امتدت من عام 2004 إلى عام 2014 بإشراقاتها وأعطابها.
لكن مع قرار الملك محمد السادس بالانتقال إلى بوسكورة بإقليم النواصر يوم 19 ماي 2015 ليشرف شخصيا على إطلاق تهيئة قطب النصر (هذا المشروع يتبع ترابيا لأولاد صالح)، انطلق العداد للبدء في حقبة يمكن اعتبارها بداية جيل جديد من الأقطاب الحضرية الذي (أي الجيل الجديد) يتميز بتجديدات لم تألفها الدارالبيضاء في إعداد وتهيئة المناطق المفتوحة في وجه التعمير أو المخصصة لإعادة إسكان قاطني الصفيح.
وهناك ثلاثة مؤشرات دالة على ذلك:
-أولا: إن القطب الحضري النصر المنجز في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، لم يفتح في وجه التعمير حتى تم إنجاز بنية طرقية بمواصفات جد عالية لربطه بباقي أطراف الولاية. ونقصد بذلك ليس الطرق الداخلية في التجزئة، بل نقصد الطريق السريع الرابط بين «النصر» والأوطوروت عند بدال بوسكورة بطول ستة كيلومترات بكلفة قاربت 20 مليار سنتيم تشمل المسارات المعبدة في الاتجاهين والرصيف والإنارة العمومية. وهذا ما لم نألفه في أقطاب الهراويين أو الرحمة أو السلام بحيث مازالت هذه الأقطاب تئن تحت وطأة الاختناق المروري رغم مرور ثمان سنوات على ترحيل الساكنة.
- ثانيا: الشطر الأول من مشروع النصر (85 هكتار من أصل 250 هكتار) أنجز في ظرف جد قياسي لم يسبق لمشروع تجزئة سكنية أو قطبا حضريا بهذه المساحة الكبيرة أن أنجز في هذه المدة الوجيزة، علما أن المشرع حدد آجال ثلاثة أعوام (المادة 11 من قانون 25-90) تحت طائلة سحب رخصة التجزئة.
وهذا التحدي الذي رفعته الشركة المكلفة بالإنجاز (شركة غاران ذات الرساميل المغربية السعودية) سيكون فأل خير على قطاع الانعاش العقاري لجر الفاعلين الآخرين (خواص ودولة) لتعديل سرعتهم وتحسين معدل إنجازهم للمشاريع السكنية.
- ثالثا: بعد أن كانت عملية إعادة إسكان دور الصفيح في السابق مرادفة لـ «الأبارتايد» المجالي وتفريخ «الغيتوهات» مثلما عشناها في نموذج أحياء مولاي رشيد و«باطيمات» مشروع الحسن الثاني بالحي المحمدي، اختار مخططو قطب النصر نموذجا آخر يروم إدماج 9200 عائلة من ساكنة الصفيح في نسيج حضري مختلط يضم الفيلات والسكن المتوسط والسكن الفردي والسكن الجماعي بشكل سيذوب حوالي 45 ألف من قاطني الصفيح وسط 160 ألف نسمة يرتقب أن يأويها قطب النصر.
سؤال واحد لم يجب عنه المشرع لحد الآن وهو: بعد أن اجتازت الوكالة الحضرية اختبار تهيئة المدينة العتيقة بالدارالبيضاء وربحت ثقة السلطة المركزية وأسندت لها مهمة إيواء 9200 عائلة من دور الصفيح في قطب النصر. ألا ينهض نجاح الوكالة الحضرية في الاختبار الثاني ليسند إليها المشرع حق الإشراف على مشاريع مازالت في رفوف البلدية والمصالح الخارجية للوزارات بالدارالبيضاء؟