Sunday 23 November 2025
جالية

حين يذوب جليد الشمال تحت نبض المغرب.. احتفالية المسيرة الخضراء بِليل

حين يذوب جليد الشمال تحت نبض المغرب.. احتفالية المسيرة الخضراء بِليل مشاهد من الاحتفال
في أمسية خرجت من حدود العادي، وتحولت فيها قنصلية المملكة المغربية بليل إلى مساحة تتنفس دفء الوطن في قلب البرودة الشمالية، اجتمعت الجالية المغربية في احتفال يليق بتاريخ المسيرة الخضراء ووهج الذكرى السبعين للاستقلال. ليلة بدت وكأنها نافذة مفتوحة على ذاكرة بلد كامل، ليلة امتزج فيها الفن بروح الأرض، والتاريخ بصوت الألوان الذي صاغته ريشة تسعة فنانين جسدوا وجه المغرب الذي يتغير ولا يفقد جوهره.
 
كان يوم 21 نونبر 2025 أكثر من تاريخ؛ كان لحظة توقفت عندها الأرواح لتستعيد خطوات أولئك الذين حملوا راية الوطن فوق رمال الجنوب، بينما لوحات حسن زرو ومحمد شوري ومليكة عزيز وعبد القادر هبان تضيء القاعة كما لو أنها أبواب تؤدي إلى مدن تعرفنا ولا نعرف كيف نغادرها.
 
ومع الفن، كان هناك حضور آخر لا يقل فخامة: حضور القنصل العام الجديد عبد القادر عابدين، الرجل الذي جاء ومعه ملامح مرحلة جديدة تجمع القنصلية بأبناء الجالية. لم يدخل القاعة كمسؤول يراقب من بعيد، بل كإنسان يعرف أن الدفء هو أبلغ أشكال الدبلوماسية. كان يتحرك بين الحاضرين بخفة تليق بمن تمرس على الإصغاء، يبتسم بصدق لا يحتاج إلى مجهود، ويجعل المسافة بينه وبين الناس قابلة للعبور بكلمة أو نظرة. وجهه يقول الكثير من دون أن يرتفع صوته، وصورته تترك في الهواء أثرا يشبه ضوءا لا ينطفئ.
 
وشهدت الأمسية أيضا حضور وجوه من عالم الفكر والثقافة والسياسة، من بينها الاستاذة نادية بويزرة، بسيرتها العلمية والإنسانية الغنية، وقد حضرت بثبات يشبه ذلك الخيط الذي يصل المعرفة بالرحمة، ويربط الفكر بالتربية، ويجعل العمل الاجتماعي امتدادا لطاقة تنمو كلما لامست الآخرين.
 
لم يكن الاحتفال عرضا شكليا؛ كان لوحة كبيرة تتحرك فيها الموسيقى إلى جانب التشكيل. الموسيقيان سعيد نخيل وعديل التاماني منحا المكان جناحين من نغم، أعادا إلى الذاكرة شسوع الصحراء، ونقاء هواء الجنوب، وملامح مدن تتماوج بين التاريخ والحلم.
 
ولم يكن حضور الجالية المغربية مجرد حضور رمزي، بل كان تأكيدا جديدا على تمسكهم بثوابت المملكة، خصوصا في سياق القرار الأممي 2797 الذي ثبت سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وجعل مبادرة الحكم الذاتي المرجع الوحيد للحل. كانت الوجوه تلمع بفخر يشبه القسم الذي حمله رجال المسيرة الخضراء قبل عقود، وكان الهواء مكتملا بما يكفي ليشعر الجميع بأنهم يقفون فوق أرض الوطن حتى وإن فرقتهم المسافات.
 
وتزينت الاحتفالية أيضا بحضور جمعية ايت وعبان الصحراوية التي جسدت رمزية الالتفاف حول قضية الوحدة الترابية بكل صدق ووضوح.
وفي ختام الأمسية، خرج الحاضرون وهم يحملون ذلك الشعور العميق بأنهم لم يشاركوا في نشاط عابر، بل عاشوا لحظة تعيد ترتيب القلب من جديد. وبينما كانت الأضواء تخفت في القنصلية، ظل القنصل عبد القادر عابدين يغادر بخطوات تشبه سرب حمام يترك وراءه أثرا من سكينة واحترام، بعد خطابه الذي أضاء على الانتصار الدبلوماسي الذي حققته المملكة .
كانت الليلة درسا في الانتماء، وفي البساطة التي تصنع القرب، وفي الحقيقة التي يعرفها كل مغربي عاش بعيدا عن أرضه: أن الوطن، مهما ابتعد، لا يكف عن إيجاد الطريق إلينا.