عبر الدكتور بوجمعة بيناهو، المهتم بقضايا الصحراء، من إقليم أسا الزاك، عن رفضه من بعض التصريحات التي تُعيد إحياء التقسيم الاستعماري للصحراء المغربية، معبّراً عن رفضه لأي تمييز أو إقصاء لمجال وادنون ضمن مقاربة الحكم الذاتي التي أكدها قرار مجلس الأمن رقم 2797 وخطاب الملك محمد السادس بتاريخ 31 أكتوبر 2025.
كما استعرض بيناهو في تصريح خص به جريدة "أنفاس بريس" مجموعة من المحطات السياسية والتاريخية التي كرّست، برأيه، هذا التهميش، موجها نقده للأطراف الرسمية وغير الرسمية التي تتعامل مع الصحراء بمنطق التجزئة، ومؤكدا.على ضرورة وحدة المجال الصحراوي في إطار الدولة المغربية الواحدة.
وكان حمدي ولد الرشيد رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء عن قبيلة اركيبات قد أكد في تصريح صحفي، بأن مجال نفوذ منطقة الحكم الذاتي، تنحصر في جهتي الداخلة والعيون، كما هي مضمنة في وثائق الأمم المتحدة، وهو التصريح الذي لقي استنكارا واسعا من قبل بعض ساكنة جهة كلميم واد نون.
فيما يلي تصريح بوجمعة بيناهو من إقليم أسا الزاك:
بعد الانتصار الأخير الذي حققته المملكة الشريفة إثر صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797، والقاضي بأن خيار الحكم الذاتي يبقى الحل الوحيد والواقعي لقضية الصحراء، ويحث الأطراف على عقد مفاوضات مباشرة بناء على أرضية الحكم الذاتي، وبعد الخطاب التاريخي للملك محمد السادس نصره الله الموجَّه إلى الشعب في نفس الليلة، 31 أكتوبر 2025، وما تلاه من مشاورات ابتدأت بلقاء جمع مستشاري القصر مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، وذلك قصد تقديم مقترحاتها قبل تحيين المذكرة التفصيلية للحكم الذاتي التي يقدمها المغرب، وإذا كنا كنخب صحراوية قد استبشرنا خيراً بهذه المنهجية التي ينهجها ملك البلاد، حفظه الله، نتفاجأ بتصريحات غير مسؤولة لرئيس جهة العيون الساقية الحمراء حول الساكنة التي سيشملها الحكم الذاتي.
وبصفتي أحد الأطر الصحراوية التي تنحدر من إقليم آسا الزاك، ومن جهة كلميم وادنون ذات الامتداد البشري الصحراوي المتجانس، لا يمكن إلا أن نسجل رفضنا لهذه التصريحات، والتي لم تكن الأولى ولا الأخيرة، إذ سبقها تصريح سابق لعمّ رئيس الجهة صاحب التصريح، وأقصد هنا خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، بعد تأسيس الكوركاس مباشرة سنة 2006، وبعد استقباله في البرنامج الحواري الشهري "حوار" على القناة الأولى، حين وُجِّه له سؤال حول موقع ساكنة وادنون من أي حل، وكان جوابه: هؤلاء للدعم المعنوي فقط. وأيضاً عندما أصدرت وزارة الخارجية والتعاون بلاغاً سنة 2018، بموجبه سيتم عقد مفاوضات مع المبعوث الأممي هورست كوهلر المكلّف بقضية الصحراء. وحسب ذات البلاغ، فإن الوفد يتكون من ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون، وعمر هلال، المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى رئيسي الجهتين الجنوبيتين، العيون الساقية الحمراء، ممثلة في حمدي ولد الرشيد، والداخلة وادي الذهب، الخطاط ينجا.
ومن خلال هذا الاختيار، يتضح أن بعض الجهات، ومنها حتى الرسمية، تنتصر للتقسيم الاستعماري الذي قسم الصحراء والصحراويين، وهو ما يحيل في الظرفية الحالية إلى مجال وادنون بشكل عام، وبتنوعاته الإثنية التي لا يستطيع جاحد إنكار ارتباطها بالرهانات الجيوسياسية المتعلقة بقضية الصحراء. وكان جديرا بهذه الجهات، على الأقل من باب الاعتراف، أو حتى من باب المجاملات، ولو بنفاق سياسي مغلف، أن تدعو عبد الرحيم بوعيدة حينها، باعتباره يمثل إحدى الجهات الصحراوية، وينتمي إلى قبيلة عريقة لها وزنها التاريخي وتعد خزّاناً بشرياً، وانتخابياً، وسياسياً مهماً في قضية الصحراء.
فالجهة تضم أيضاً أحد الأقاليم ذات التاريخ المشرف والامتداد البشري القوي، والذي يستطيع التأثير في كل شيء، وهو إقليم آسا الزاك، ولا سيما أن ثلثي تراب الإقليم يوجد ضمن مجال الصحراء الغربية، ونقصد هنا المجال الممتد من أحواز جماعة البيرات القروية، مروراً ببجديرية وأكواديم، وصولاً إلى جماعة المحبس القروية.
كما لا ننسى محاولات إبعاد قبائل أيت أوسى من مسلسل تحديد الهوية بعد تصنيفها ضمن قبائل H61، قبل أن ترفض الأمر وتنتقل بوفد إلى الرباط آنذاك، وتم تدارك الموقف وفتح مكتب لتحديد الهوية بإقليم آسا الزاك.
وهذا كله عامل سياسي قبل أن يكون أخلاقيا، وكان من الجدير بصانعي القرار، وغير العارفين بالبنية الاجتماعية وبمجال الصحراء، الأخذ به احتراماً للتضحيات والجغرافيا.
من المغامرة السياسية تهميش إقليم الطنطان ونُخَبه وقبائله الصحراوية الأصيلة، التي لا يتسع المجال لذكرها، من ملف الصحراء، بسبب عقاب تاريخي له، لأنه مهد النزاع ومنطلق شرارته. ومن الإجحاف أيضاً أن يُقصى إقليم سيدي إفني أو مجال أيت باعمران، القبيلة التي كبّدت المستعمر الإسباني خسائر فادحة.
مجال وادنون هو معقل قبائل تكنة، وهي اتحادية تضم لفيفين من القبائل ذات الأصل الحساني والأمازيغي الصحراوي، والتي لا يمكن لأي جاحد أن ينكر تجذرها في المغرب الصحراوي.
منذ أن أطلق المغرب مجموعة من المبادرات من قبيل الحكم الذاتي، والجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي، ظهرت مؤشرات إبعاد مجال وادنون وعزله سياسياً، ومحاصرة نُخَبه تباعاً، بإخراجه من مجال اشتغال وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية بغية إلحاقه بوكالة تنمية الواحات. وبعد الاستهجان والرفض الذي أبدته العديد من النخب والفعاليات، تم تدارك الأمر والاحتفاظ بالمجال ضمن اختصاص وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية.
ثم في التقسيم الجهوي الأخير والمعتمد حالياً، تم ترحيل إقليم السمارة إلى جهة العيون الساقية الحمراء، تماشياً مع هذا الإقصاء. وهناك التقاء لمصالح بعض أعيان الصحراء في مسألة اتخاذ القرار، إذ قام حزب الاستقلال بالصحراء منذ سنوات بتأسيس جمعية "منتخبي الساقية الحمراء ووادي الذهب"، بل أكثر من ذلك، تم خلق إطار شبابي موازٍ يدعى "شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب"، وهو تكريس لتقسيم استعماري غير مقبول.
أما جبهة البوليساريو، فقد تعاملت دوماً مع مجال وادنون بمنطق انتهازي، تهدف من خلاله إلى حصد النتائج عبر تأجيج النضالات، وشحن الجماهير، والزج بها في المعتقلات لتجني العائد السياسي، وتكرّس في خطاباتها السموم عبر التقسيم المعتمد: صحراء غربية للمجال المحفوظ، وجنوب المغرب للمجال التابع. وهو ما كرّسته عبر خطاب شوفيني عشّش في المواقع الجامعية لسنوات، وعانت منه نخبنا الحقوقية أيضاً، التي استطاعت رغم ذلك أن تفرض نفسها على المستوى الدولي.
وللأسف، يحزّ في النفس أن مجال وادنون مشكلته التاريخية في المؤامرة والإقصاء الممنهج والمقصود. ولا يمكن أن نعاتب عليه الدولة فقط، لأن المجال افتقر دوماً إلى قيادات تتميز بقراءة الأحداث، ولها كاريزما ورهانات استراتيجية، وحسّ هوياتي عميق يمكنها من الدفاع عن هوية المجال، بسبب احتكار عائلات محدودة للتمثيلية بإيعاز من المركز، نظراً لضعفها، ولأنها توافق على سياساته بانبطاح مقيت.وللتاريخ، نسجل تحفظنا على هذه المهازل التي تعتبر مؤشراً خطيراً على مستقبل "جهة كليميم وادنون" كرهينة بيد "البلوكاج" المطبق، والغاية منه إلهاء الجميع بنقاشات حول الفتات.
في المقابل نطالب باستحضار بنية المجال بتشكيلاته القبلية الصحراوية الأصيلة، وهو رهان يجب أن تتحمله النخب التمثيلية، الأكاديمية، الحقوقية، والفاعلون السياسيون الحزبيون والمدنيون.
يجب أن تكون هناك استراتيجية محكمة ضد هذه الهجمة، التي لها دوافع سياسوية ضيقة من بعض الأطراف، وعنصرية وشوفينية من أطراف أخرى، وعداء يلفه الحقد والضغينة والتعالي من بعض أعيان وأباطرة الصحراء المستفيدين من الريع، الذين اغتنوا عن طريق حرب الصحراء.
إنهم "تجار الحرب".فالصحراء، لمن لا يعرفها، لم تكن يوماً مقسمة، ولم تكن لها حدود. الرحّل من قبائل الصحراء يهيمون فيها تبعاً للماء والكلإ، لإبلهم وماشيتهم، من تخوم لبطانة ولحمادة "گبلة" أي جنوباً، إلى تيرس "ساحل" أي غرباً، بل أعمق بكثير، فيما يسمى بمجال البيضان، بما يكتنفه من تعايش أحياناً، وصراعات أحياناً أخرى حول النفوذ أو بسط السيطرة، وما كان يعرف محلياً بـ"الغزي".
لكن الصحراء لم تكن يوماً مقسمة كما يحاول البعض إيهامنا به.وفي الأخير، لا بد أن نوضح أن استحضارنا أعلاه للمعطيات ليس من باب المزايدة السياسية على الوطن أو استمرارية لخطاب المظلومية، ولو أن الجهة لم تستفد قط مما تستفيد منه جهات العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب من راتب مزدوج ومناطق مدعَّمة، لكن استمرار هذا التعامل الانتهازي من البعض مع جهة كلميم وادنون غير منطقي وغير مقبول، لأن خيار الحكم الذاتي جاء ليصحّح وضعاً مختلاً في ظل الوحدة، ولا يمكن أن نخرج من سياق المملكة الشريفة، الدولة الأمة، إلى نظام حكم دولة القبيلة.
كما استعرض بيناهو في تصريح خص به جريدة "أنفاس بريس" مجموعة من المحطات السياسية والتاريخية التي كرّست، برأيه، هذا التهميش، موجها نقده للأطراف الرسمية وغير الرسمية التي تتعامل مع الصحراء بمنطق التجزئة، ومؤكدا.على ضرورة وحدة المجال الصحراوي في إطار الدولة المغربية الواحدة.
وكان حمدي ولد الرشيد رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء عن قبيلة اركيبات قد أكد في تصريح صحفي، بأن مجال نفوذ منطقة الحكم الذاتي، تنحصر في جهتي الداخلة والعيون، كما هي مضمنة في وثائق الأمم المتحدة، وهو التصريح الذي لقي استنكارا واسعا من قبل بعض ساكنة جهة كلميم واد نون.
فيما يلي تصريح بوجمعة بيناهو من إقليم أسا الزاك:
بعد الانتصار الأخير الذي حققته المملكة الشريفة إثر صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797، والقاضي بأن خيار الحكم الذاتي يبقى الحل الوحيد والواقعي لقضية الصحراء، ويحث الأطراف على عقد مفاوضات مباشرة بناء على أرضية الحكم الذاتي، وبعد الخطاب التاريخي للملك محمد السادس نصره الله الموجَّه إلى الشعب في نفس الليلة، 31 أكتوبر 2025، وما تلاه من مشاورات ابتدأت بلقاء جمع مستشاري القصر مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، وذلك قصد تقديم مقترحاتها قبل تحيين المذكرة التفصيلية للحكم الذاتي التي يقدمها المغرب، وإذا كنا كنخب صحراوية قد استبشرنا خيراً بهذه المنهجية التي ينهجها ملك البلاد، حفظه الله، نتفاجأ بتصريحات غير مسؤولة لرئيس جهة العيون الساقية الحمراء حول الساكنة التي سيشملها الحكم الذاتي.
وبصفتي أحد الأطر الصحراوية التي تنحدر من إقليم آسا الزاك، ومن جهة كلميم وادنون ذات الامتداد البشري الصحراوي المتجانس، لا يمكن إلا أن نسجل رفضنا لهذه التصريحات، والتي لم تكن الأولى ولا الأخيرة، إذ سبقها تصريح سابق لعمّ رئيس الجهة صاحب التصريح، وأقصد هنا خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، بعد تأسيس الكوركاس مباشرة سنة 2006، وبعد استقباله في البرنامج الحواري الشهري "حوار" على القناة الأولى، حين وُجِّه له سؤال حول موقع ساكنة وادنون من أي حل، وكان جوابه: هؤلاء للدعم المعنوي فقط. وأيضاً عندما أصدرت وزارة الخارجية والتعاون بلاغاً سنة 2018، بموجبه سيتم عقد مفاوضات مع المبعوث الأممي هورست كوهلر المكلّف بقضية الصحراء. وحسب ذات البلاغ، فإن الوفد يتكون من ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون، وعمر هلال، المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى رئيسي الجهتين الجنوبيتين، العيون الساقية الحمراء، ممثلة في حمدي ولد الرشيد، والداخلة وادي الذهب، الخطاط ينجا.
ومن خلال هذا الاختيار، يتضح أن بعض الجهات، ومنها حتى الرسمية، تنتصر للتقسيم الاستعماري الذي قسم الصحراء والصحراويين، وهو ما يحيل في الظرفية الحالية إلى مجال وادنون بشكل عام، وبتنوعاته الإثنية التي لا يستطيع جاحد إنكار ارتباطها بالرهانات الجيوسياسية المتعلقة بقضية الصحراء. وكان جديرا بهذه الجهات، على الأقل من باب الاعتراف، أو حتى من باب المجاملات، ولو بنفاق سياسي مغلف، أن تدعو عبد الرحيم بوعيدة حينها، باعتباره يمثل إحدى الجهات الصحراوية، وينتمي إلى قبيلة عريقة لها وزنها التاريخي وتعد خزّاناً بشرياً، وانتخابياً، وسياسياً مهماً في قضية الصحراء.
فالجهة تضم أيضاً أحد الأقاليم ذات التاريخ المشرف والامتداد البشري القوي، والذي يستطيع التأثير في كل شيء، وهو إقليم آسا الزاك، ولا سيما أن ثلثي تراب الإقليم يوجد ضمن مجال الصحراء الغربية، ونقصد هنا المجال الممتد من أحواز جماعة البيرات القروية، مروراً ببجديرية وأكواديم، وصولاً إلى جماعة المحبس القروية.
كما لا ننسى محاولات إبعاد قبائل أيت أوسى من مسلسل تحديد الهوية بعد تصنيفها ضمن قبائل H61، قبل أن ترفض الأمر وتنتقل بوفد إلى الرباط آنذاك، وتم تدارك الموقف وفتح مكتب لتحديد الهوية بإقليم آسا الزاك.
وهذا كله عامل سياسي قبل أن يكون أخلاقيا، وكان من الجدير بصانعي القرار، وغير العارفين بالبنية الاجتماعية وبمجال الصحراء، الأخذ به احتراماً للتضحيات والجغرافيا.
من المغامرة السياسية تهميش إقليم الطنطان ونُخَبه وقبائله الصحراوية الأصيلة، التي لا يتسع المجال لذكرها، من ملف الصحراء، بسبب عقاب تاريخي له، لأنه مهد النزاع ومنطلق شرارته. ومن الإجحاف أيضاً أن يُقصى إقليم سيدي إفني أو مجال أيت باعمران، القبيلة التي كبّدت المستعمر الإسباني خسائر فادحة.
مجال وادنون هو معقل قبائل تكنة، وهي اتحادية تضم لفيفين من القبائل ذات الأصل الحساني والأمازيغي الصحراوي، والتي لا يمكن لأي جاحد أن ينكر تجذرها في المغرب الصحراوي.
منذ أن أطلق المغرب مجموعة من المبادرات من قبيل الحكم الذاتي، والجهوية المتقدمة، والنموذج التنموي، ظهرت مؤشرات إبعاد مجال وادنون وعزله سياسياً، ومحاصرة نُخَبه تباعاً، بإخراجه من مجال اشتغال وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية بغية إلحاقه بوكالة تنمية الواحات. وبعد الاستهجان والرفض الذي أبدته العديد من النخب والفعاليات، تم تدارك الأمر والاحتفاظ بالمجال ضمن اختصاص وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية.
ثم في التقسيم الجهوي الأخير والمعتمد حالياً، تم ترحيل إقليم السمارة إلى جهة العيون الساقية الحمراء، تماشياً مع هذا الإقصاء. وهناك التقاء لمصالح بعض أعيان الصحراء في مسألة اتخاذ القرار، إذ قام حزب الاستقلال بالصحراء منذ سنوات بتأسيس جمعية "منتخبي الساقية الحمراء ووادي الذهب"، بل أكثر من ذلك، تم خلق إطار شبابي موازٍ يدعى "شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب"، وهو تكريس لتقسيم استعماري غير مقبول.
أما جبهة البوليساريو، فقد تعاملت دوماً مع مجال وادنون بمنطق انتهازي، تهدف من خلاله إلى حصد النتائج عبر تأجيج النضالات، وشحن الجماهير، والزج بها في المعتقلات لتجني العائد السياسي، وتكرّس في خطاباتها السموم عبر التقسيم المعتمد: صحراء غربية للمجال المحفوظ، وجنوب المغرب للمجال التابع. وهو ما كرّسته عبر خطاب شوفيني عشّش في المواقع الجامعية لسنوات، وعانت منه نخبنا الحقوقية أيضاً، التي استطاعت رغم ذلك أن تفرض نفسها على المستوى الدولي.
وللأسف، يحزّ في النفس أن مجال وادنون مشكلته التاريخية في المؤامرة والإقصاء الممنهج والمقصود. ولا يمكن أن نعاتب عليه الدولة فقط، لأن المجال افتقر دوماً إلى قيادات تتميز بقراءة الأحداث، ولها كاريزما ورهانات استراتيجية، وحسّ هوياتي عميق يمكنها من الدفاع عن هوية المجال، بسبب احتكار عائلات محدودة للتمثيلية بإيعاز من المركز، نظراً لضعفها، ولأنها توافق على سياساته بانبطاح مقيت.وللتاريخ، نسجل تحفظنا على هذه المهازل التي تعتبر مؤشراً خطيراً على مستقبل "جهة كليميم وادنون" كرهينة بيد "البلوكاج" المطبق، والغاية منه إلهاء الجميع بنقاشات حول الفتات.
في المقابل نطالب باستحضار بنية المجال بتشكيلاته القبلية الصحراوية الأصيلة، وهو رهان يجب أن تتحمله النخب التمثيلية، الأكاديمية، الحقوقية، والفاعلون السياسيون الحزبيون والمدنيون.
يجب أن تكون هناك استراتيجية محكمة ضد هذه الهجمة، التي لها دوافع سياسوية ضيقة من بعض الأطراف، وعنصرية وشوفينية من أطراف أخرى، وعداء يلفه الحقد والضغينة والتعالي من بعض أعيان وأباطرة الصحراء المستفيدين من الريع، الذين اغتنوا عن طريق حرب الصحراء.
إنهم "تجار الحرب".فالصحراء، لمن لا يعرفها، لم تكن يوماً مقسمة، ولم تكن لها حدود. الرحّل من قبائل الصحراء يهيمون فيها تبعاً للماء والكلإ، لإبلهم وماشيتهم، من تخوم لبطانة ولحمادة "گبلة" أي جنوباً، إلى تيرس "ساحل" أي غرباً، بل أعمق بكثير، فيما يسمى بمجال البيضان، بما يكتنفه من تعايش أحياناً، وصراعات أحياناً أخرى حول النفوذ أو بسط السيطرة، وما كان يعرف محلياً بـ"الغزي".
لكن الصحراء لم تكن يوماً مقسمة كما يحاول البعض إيهامنا به.وفي الأخير، لا بد أن نوضح أن استحضارنا أعلاه للمعطيات ليس من باب المزايدة السياسية على الوطن أو استمرارية لخطاب المظلومية، ولو أن الجهة لم تستفد قط مما تستفيد منه جهات العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب من راتب مزدوج ومناطق مدعَّمة، لكن استمرار هذا التعامل الانتهازي من البعض مع جهة كلميم وادنون غير منطقي وغير مقبول، لأن خيار الحكم الذاتي جاء ليصحّح وضعاً مختلاً في ظل الوحدة، ولا يمكن أن نخرج من سياق المملكة الشريفة، الدولة الأمة، إلى نظام حكم دولة القبيلة.