نشر المبعوث الأممي الأسبق إلى الصحراء المغربية، كريستوفر روس، مقالا يوم 7 نونبر 2025، بوقع Dialogueinitiatives.org تحت عنوان " خطوة إلى الوراء بالنسبة للصحراء الغربية"، حاول فيه الاستخفاف بقرار مجلس الأمن رقم: 2797 وبجدواه في حل النزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية المسترجعة. فالسيد كريستوفر روس لم يهضم، بعدُ، مقاطعته من طرف السلطات المغربية التي قررت سحب الثقة منه على خلفية ما تضمّنته تقاريره من "توجيهات متحيزة وغير متوازنة" بسبب تبنيه للأطروحة الجزائرية المعادية للوحدة الترابية للمغرب؛ مما اضطره إلى تقديم استقالته سنة 2017 من المهمة الأممية التي تولاها سنة 2009 بعد فشله في إنجازها. لهذا لم يترك أي مناسبة، بخلاف من سبقوه من المبعوثين الأمميين، إلا واستغلها لبث شكوكه في مآلات مسلسل التسوية.
كان أدعى لكريستوفر أن يغير موقفه الداعم لأطروحات البوليساريو طالما هو على يقين بالخلفيات الحقيقية لتورط الجزائر في الدعم الدائم للبوليساريو، لكنه لم يفعل؛ بل زاد تعنتا في تبني وترديد خطاب الانفصاليين باتهام المغرب بكونه "يواصل الدفاع عن “قضيته الوطنية” داخليًا، ويُرسّخ الوقائع على الأرض، ويستغل موارد الإقليم، ويشجع الاستيطان، ولا يُبدي رغبةً في مفاوضات حقيقية من دون شروط، وإن كان مستعدًا لحضور اجتماعات شكلية لا تؤدي إلى مفاوضات فعلية". لم يكلف روس نفسه وضع مقارنة بين وضعية المدن والبنيات التحتية بالأقاليم الصحراوية لحظة استرجعها المغرب وبين ما صارت عليه اليوم بفضل الجهود التنموية والمالية التي تكلف الميزانية العامة 2.7 مليار دولار سنويا، وهي أضعاف ما يحصل عليه من عائدات الفوسفات والصيد البحري بذات الأقاليم.
استقال ولا يزال في نفسه شيء من هوى البوليساريو.
استقال روس من المهمة الأممية ولم يستقل من مهمة التشويش على الملف رغم يقينه بأن مسار التسوية أخذ منعطفا حاسما غير الذي كان يدعمه، سواء من داخل بعثة الأمم المتحدة أو من خارجها (زيارته، سنة 2019، على رأس وفد طلابي من جامعة برنستون الأمريكية إلى مخيمات تندوف بغرض خلق رأي عام أمريكي متعاطف مع البوليساريو). لقد حاول، يائسا، وها هو يحاول من جديد الترويج لأطروحة الانفصال الجزائرية عبر تقديم قراءة مغرضة ومتناقضة لنص قرار مجلس الأمن 2797.
لا يزال ك. روس يصر على الترويج لخطاب الانفصاليين رغم الدعم الأممي لمقترح الحكم الذاتي الذي جعل منه قرار مجلس الأمن مدخل المفاوضات ونتيجتها. من ذلك استناده إلى رأي أحد الطلبة الانفصاليين للتنبؤ بفشل مجلس الأمن بحل النزاع من خلال قراره الأخير: قال لي أحد الطلبة اللاجئين ذات مرة:
“رغم قسوة الحياة هنا في مخيمات الصحراء، فهي أفضل من تقبيل يد الملك”.
زار ك. روس مرارا مخيمات تندوف ولم يجرؤ على الإشارة في تقاريره إلى تجنيد الأطفال والاتجار في البشر وفي المساعدات الغذائية، أو إلى إغراق المخيمات بالجنسيات الموريتانية والسواحلية والجزائرية للمتاجرة بهم في قضية هو يعلم خلفياتها التي لا علاقة لها بحق تقرير المصير. إن هذا الانحياز لخصوم المغرب جعله يتعامل مع الجزائر كما لو أنها قوة عظمى تملك كل المقومات العسكرية والاقتصادية التي تملكها روسيا أو الصين، لتقف ندا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، أو ترفض قرارات مجلس الأمن وضغوطه. إذ جاء في مقالته: "في ظل هذا الانقسام، لا يستطيع المجلس أن يفعل الكثير سوى إعلان دعمه لجهود المبعوث الشخصي. يبدو أن بعض الأعضاء يعتقدون أن بالإمكان دفع البوليساريو والجزائر لقبول المقترح المغربي وأن القرار الأخير خطوة أولى في هذا الاتجاه، لكن ما لم يتم التوصل إلى تفاهم مع الجزائر — وهو أمر غير محتمل — فلن يحدث شيء، إذ ليست الجزائر من الدول التي تستجيب للضغوط أو تمارس دبلوماسية المقايضة". لكن سرعان ما جاء رضوخ الجزائر للتدخل الألماني، ومن خلفه التدخل الفرنسي، في قضية العفو عن الكاتب بوعلام صنصال ليثبت زيف مزاعم روس. كما أن تراجع الجزائر عن قطع علاقاتها مع إسبانيا ثم فرنسا بسبب موقفهما الداعم للسيادة المغربية على الصحراء، يؤكد أن تلك المواقف ليست سوى عنتريات للاستهلاك الداخلي لتبرير صرف الملايير على البوليساريو وحشر الجزائريين في طوابير من أجل الحليب والعدس وغاز البوتان.
كريستوفر روس مجرد قارئ فنجان.
لم يتوقف ك. روس عند مفاتيح قرار مجلس الأمن ومنها:
ـ الحكم الذاتي الحل الأكثر جدوى: " وإذ يؤكد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر جدوى"؛
ـ مقترح الحكم الذاتي هو الإطار للمفاوضات: " يعرب عن دعمه الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء مفاوضات، استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين للنزاع، بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، ويرحب بأي اقتراحات بناءة من الطرفين استجابةً لمقترح الحكم الذاتي"؛
ـ مقترح الحكم الذاتي أساس للمفاوضات: " يدعو الطرفين إلى المشاركة في هذه المناقشات دون شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي".
تجاهل ك. روس مفاتيح القرار الأممي ومخرجاته التي يشكل مقترح الحكم الذاتي أساسها وإطارها، وهامَ تشكيكا وتسفيها لنتائج هذا القرار، كما في سؤاله: " فما الذي يمكن لأعضاء المجلس ـ وخاصة إسبانيا ـ أن يفعلوه لمساعدة المبعوث الشخصي على كسر الجمود؟ "الجواب البسيط: ليس كثيرًا". بل نجده يصف جهود الولايات المتحدة بالعبث: "وإذا استضافت الولايات المتحدة المفاوضات وسعت للتوسط في “صفقة” تضيفها إلى قائمة إنجازاتها، فجهودها ستكون عبثًا"؛ وينعت توقعات ستيف ويتكوف حول تطبيع العلاقة بين المغرب والجزائر بـ"الوهم": "توقعات بعض المحللين مثل ستيف ويتكوف بأن الجزائر والمغرب سيطبّعان علاقاتهما خلال ستين يومًا هي مجرد وهم".
إن المغرب، كما استغنى عن وساطة كريستوفر روس بعد أن سحب ثقته منه، يرفض كذلك أن يحشر أنفه في قضيتنا الوطنية الأولى. وكل شطحات روس لن تحظى باهتمام المسؤولين المغاربة خصوصا بعد أن أقبر مجلس الأمن أطروحة الانفصال وأنهى أوهام الاستفتاء. وحري بروس أن ينأى بنفسه عن ملف هو ذاته يعترف: " لا أزعم أنني في موقع يسمح لي بتقديم توصيات للمبعوث الشخصي، إذ مرّت تسع سنوات منذ مغادرتي هذا الملف، وهو أدرى مني بما هو ممكن اليوم وما هو غير ممكن".