Friday 31 October 2025
Advertisement
كتاب الرأي

رشيد بوفوس: شجرة المغرب التي لا تنحني

رشيد بوفوس: شجرة المغرب التي لا تنحني رشيد بوفوس
هناك أوطانٌ لا تُعرِّف نفسها بالخصومة، بل بالصبر. لا تنتصر بالصوت المرتفع، بل بالثبات الطويل. المغرب واحدٌ من هذه الأوطان التي تعلّمت عبر القرون أن القوة ليست في العضلات، بل في الجذور؛ وأن الكيانات التي تمتد في التاريخ لا تخشى العواصف، لأنها تعرف أن الرياح، مهما اشتدت، لا تقلع شجرة متجذّرة في الأرض والذاكرة والوجدان.

الصحراء بالنسبة للمغرب ليست ملفًا تفاوضيًا ولا ورقة دبلوماسية. إنها جزءٌ من روحه، امتداد لطرقه القديمة، لقبائله، لملكه، ولأهله الذين عرفوا دائمًا قبلة الحكم والبيعة. هنا لا نتحدث عن حدود، بل عن معنى. عن جغرافيا مشبعة بالولاء قبل البترول، وبالبشر قبل الخرائط.

ولذلك، فإن هذا الوطن لم يقف صلبًا لأن الآخرين أرادوا كسره، بل لأنه نشأ على الصلابة. دُرِّب تاريخيًا على مقاومة الأطماع، من الشمال والجنوب، من البحر والصحراء، من الغزاة والمرتزقة والأفكار المبتذلة. تعلم أن الصمت أحيانًا أقوى من الصراخ، وأن الحكمة ليست تراجعًا بل رؤية بعيدة.

خصومة الجوار لم تزد المغرب إلا إصرارًا على التحديث. ما كان يمكن أن يكون عبئًا صار محركًا. وما كان يُراد له أن يكون جرحًا صار ندبة فخر.

في كل مرة اعتقد خصومه أن الزمن سيهزم الإرادة المغربية، اكتشفوا أن الزمن هو حليفه.
وفي كل مرة بُني جدار أمامه، صنع بابًا.
وفي كل مرة رُفعت راية ضد سيادته، رفعت المدارس والموانئ والجامعات والطرقات فوق رمال كانت يريدون لها أن تبقى صامتة.

اليوم، لا يحتاج المغرب أن يثبت أن صحراءه له؛ فالأرض تتكلم، والمدن تنبض، والأعلام ترفرف فوق مؤسسات وجامعات ومشاريع وموانئ تمتد نحو الأطلسي وإفريقيا والعالم.

ابن العيون الذي يتخرج من الجامعة اليوم ليس حُلمًا لخرائط جديدة؛ بل حقيقة لدولة عريقة.
ابنة الداخلة التي تفتح شركتها الناشئة ليست نتيجة جدل سياسي؛ بل ثمرة رؤية ملكية حولت القفر إلى أفق، والصمت إلى حياة، والحدود إلى جسور.

هذه ليست معركة جغرافيا؛ إنها معركة معنى.
وليست قصة نزاع؛ إنها قصة استمرار.
وحين ينشغل الآخرون بإعادة كتابة التاريخ، يكتب المغرب مستقبله على الأرض، حجَرًا حجَرًا، ومؤسسةً بعد أخرى، وإيمانًا يتوارثه جيلٌ بعد جيل. المغرب لا ينازع أحدًا على مكانته. هو في مكانه منذ قرون. ولا يحتاج أن يرفع صوته ليُسمع. إنجازاته تتكلم. وإذا كانت هناك دول تُبنى على اللحظة، فالمغرب أمة تُبنى على الدهر.
لهذا، فهو لا يخشى العواصف… بل يحيّيها.

فهي بالنسبة له ليست تهديدًا، بل اختبارًا جديدًا لصلابة شجرة لا تنحني.