يمكن اعتبار الحرب التجارية الصينية الأمريكية نوعا من الحب المفقود، إذا نبشنا في سجل التعبيرات اللطيفة، حيث أعلنت الصين أخيرا عزمها على تقييد صادراتها من المعادن النادرة أكثر من ذي قبل، حتى يوم الجمعة، بدا وكأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ يتجهان أخيرا نحو نقاش هادئ وفعال: إذ يعتزمان الاجتماع قريبا في كوريا الجنوبية، حيث استشاط ترامب غضبا من سلوك الصين التهديدي تجاه المعادن النادرة لدرجة أنه شكك في جدوى الاجتماع مع شي في منشور غاضب، وهدد بفرض تعريفات جمركية عقابية جديدة في بداية الأسبوع.
ولكن بغض النظر عما إذا كان الاجتماع سيُعقد قريبًا أم لا، لم يعد هذا تبادلًا طبيعيًا للضربات القاسية وغير المسبوقة في حرب تجارية شرسة، ستبقى عواقب نزاع المعادن النادرة قائمة، حتى لو توصل الطرفان المتعارضان في النهاية إلى اتفاق. أكثر من %90 من المعادن النادرة، هذه المعادن السبعة عشر الخاصة، التي تحمل أسماء مثل الديسبروسيوم واليوروبيوم والنيوديميوم، تأتي من الصين، وتتمتع جمهورية الصين الشعبية باحتكار شبه كامل. فهي ضرورية لإنتاج العديد من المنتجات عالية التقنية لا في مجال الصناعة المدنية أو العسكرية.
أعلنت جمهورية الصين منذ أشهر عن نيتها إنشاء ترخيص جديد لتنظيم تصدير اثني عشر من هذه المعادن النادرة، علاوة على ذلك، لا يهدف هذا التنظيم فقط إلى التحكم في الصادرات، بل إلى التأثير على جميع التجارة العالمية في السلع التي تحتوي على المعادن النادرة من الصين. وبناءً على هذه القرارات الجديدة، لا يجوز بيع أي شريحة أو عدسة كاميرا تحتوي على أقل كميات من هذه العناصر إلا بموافقة السلطات الصينية. ولا يقتصر الأمر على المادة نفسها، بل يشمل مجمل التكنولوجيا المتعلقة بها. فعلى مر العقود، طوّرت الصين العديد من براءات الاختراع في مجالات علم المعادن وهندسة طريقة الاستخراج والمعالجة، وهي بلا منازع الرائدة في مجال التكنولوجيا في هذا المجال، بما يتجاوز التعدين الصرف.
بعد سنوات من فرض الولايات المتحدة قيودًا صارمة على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين، أقدمت الصين على عقوبات مضادة مما يزيد حدة النزاع بين البلدين ويؤدي إلى توترات اقتصادية، وسياسية عالمية، كما يساهم هذا التوتر الدائم في خلق مناخ تسوده عدم الثقة، الخوف وعدم الاطمئنان، كما يعرقل إمكانية الحوار، التوافق والتفاوض، ما يؤدي حتما إلى صعوبة إطفاء فتيلة النزاع، حيث شدد مكتب الأمن الصناعي الأمريكي، وهو وكالة فرعية تابعة لوزارة التجارة، قيود التصدير إلى الصين على ما يُسمى بالسلع ذات الاستخدام المزدوج، يعني التي يمكن استخدامها للأغراض المدنية أو العسكرية، ووفقًا للسلطات التجارية الصينية، ستؤثر هذه القرارات بشكل مباشر على آلاف الشركات الصينية، كما ستؤدي إلى إفلاسها. فهو ما أثار غضب المسؤولين الصينيين، كما اتهموا الرئيس ترامب أنه يريد أن ينتقم من بكين نظرا لتقييد صادرات المواد النادرة.
بهذه الخطوة، يسعى الأمريكيون إلى منع استخدام صادراتهم من المواد التكنولوجية المتطورة في تصنيع أسلحة في الصين قد تُستخدم ضدهم في نهاية المطاف. في خضم النزاع القائم اتخذت بكين نفس الأسلوب. لما قـيـّـدت تصدير المعادن الأرضية النادرة التي تعتبر ضرورية لإنتاج الأسلحة. وحسب بكين يجب على كل مستورد أن يثبت ويكشف هوية المستهلك النهائي وكيفية استخدام هذه المادة قبل كل عملية تصدير. بغض النظر عمّا إذا كان الأمر يتعلق بالصناعة لأغراض مدنية أو عسكرية، إن هذه القرارات ستزيد التكاليف، وتؤخر عمليات التسليم، وتُلقي بظلال من الشك على موثوقية الإمدادات في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي. كما ستمنح الصين أدوات نفوذ جديدة. تختبر بكين بالفعل قدرتها على إثارة الخلاف بين الدول الغربية: ففي الأيام الأخيرة، أعلنت غرفة التجارة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي أن الصين ستكون، بالطبع، سعيدة للغاية بتلبية طلبات الاستيراد المشروعة من شركات الاتحاد الأوروبي، ولو جل الشركات الألمانية تخشى توقف خطوط الإنتاج نظرا لحضر الصين تصدير رقائق أقل جودة.
ولكن هناك حدود للضغوطات المتبادلة، لأن الاقتصاد العالمي اليوم متشابك ومتعدد الأطراف، فهو نظام شديد التعقيد والتداخل، وأساسه شبكة معقدة من العلاقات المالية، الاقتصادية، الإنتاجية والتكنولوجية. منذ بضع سنوات، تحاول بعض الشركات الغربية، بتشجيع من الحكومات المحلية، تطوير بدائل خارج الصين لتعدين ومعالجة المعادن النادرة. لكن هذا سيستغرق وقتًا طويلا. فحتى في أفضل الظروف، فإن الشركات الغربية البديلة ستعمل بتكلفة أعلى وببطء أكبر من صناعة تعدين المعادن النادرة الصينية ذات الخبرة الطويلة.
علاوة على ذلك، هناك مشكلة أخرى تتعلق بمثل هذه المشاريع الاستثمارية الضخمة. طالما أن شركات خاصة تقوم بتعدين وتكرير المعادن الأرضية النادرة، فلا بد أن يكون هذا المشروع مربحًا لها على المدى الطويل. وسيظل هذا هو الحال إذا ظلت المعادن الأرضية باهظة الثمن على المدى الطويل. لكن الصين تستطيع تقويض هذا المشروع بسهولة إن أرادت، حيث بإمكانها اجتياح السوق العالمي بالمعادن الأرضية النادرة بشكل دوري بأسعار إغراق، مما ستشرف الشركات الغربية على الإفلاس، ثم ترفع أسعارها من بعد. 
كأكبر اقتصادين في العالم، فإن تعاونهما سيخدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، كما سيحافظ على استقرار الأسواق المالية وسلاسل التوريد التي عانت كثيرا إثر الجائحة الفارطة، كما سيكون سدا منيعا ضد الكساد الاقتصادي، والعلاقات الاقتصادية، كما ورد سابقا، متشابكة بعمق، حيث أكثر من 000 10 شركة أمريكية تعمل في الصين، وكم من شركة صينية تموّل ليومنا هذا من طرف شركات أمريكية خاصة بإدارة أصول غزيرة، التعاون مقرون دوما بالمنفعة المتبادلة، يعني ازدهار، ترف وتطور ملحوظ للطرفين، أمأ النزاع سيؤدي لا محالة إلى خسائر موجعة، والحروب التجارية ستكون دوما على حساب المستهلك النهائي في كلا البلدين، لأن المنافسة المدمرة هي الابنة الشرعية لجميع الحروب الاقتصادية، أين تبنى جدران من الشك، الضغينة والعداء بدلا من جسور التعاون المثمر والبناء، لأن المنافسة المدمرة تدفع الجميع إلى الهاوية، أين تعم فيها المعادلة البسيطة خاسر ـ خاسر.
 
  
 
 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 