منذ إحداثه يوم 8 أكتوبر 1977، تعاقب على تدبير شؤون إقليم تاونات 11 حكومة و8 مجالس إقليمية و8 مجالس جماعية و7 ومجالس جهوية.
اليوم وبعد مرور 48 سنة على خلق هذا الإقليم بأرض جبالة، نجد أن حصيلة تاونات من "التنمية الاقتصادية" ومن "الثروة" ومن "الأوراش المهيكلة" ومن "الرخاء" هي 69.200 حمارا، أي ما يمثل 44% من مجموع الحمير بجهة فاس، وما يمثل 7،5% من مجموع الحمير بالمغرب. وهذه نسبة رهيبة جدا بإقليم تاونات لا نجد مثيلا لها بباقي التراب الوطني، سواء باعتماد المعيار الديمغرافي أو المعيار الجغرافي.
بهذا العدد المرتفع من رؤوس الحمير، نجد أن هناك حمارا لكل 8،8 مواطن بإقليم تاونات، فيما المعدل الوطني يصل إلى حمار لكل 39 مواطنا (المعدل بجهة فاس هو حمار لكل 26 مواطنا). أما على مستوى المعيار الترابي، فهناك 12 حمارا في الكيلومتر المربع بإقليم تاونات، بينما بباقي تراب المغرب نجد المعدل هو 1،3 حمار في الكيلومتر المربع (معدل جهة فاس هو 3،9 حمار في كلم المربع).
قد ينهض قائل ويقول بأن كثرة رؤوس الحمير بتاونات تعود لطبيعة الإقليم القروية. وهذا قول مردود وغير مسنود بأي مشروعية، بالنظر إلى أن هناك 62 إقليما بالمغرب يغلب عليه الطابع القروي (من أصل 75عمالة وإقليم).
وحتى التفسير الذي يركن إلى الحل السهل ويربط هذه الظاهرة بتعدد الجماعات القروية بإقليم تاونات، فهو تفسير واه، لأن المغرب يضم 1282 جماعة قروية. وبالتالي، فجماعات تاونات لا تشكل سوى 3،4% من مجموع الجماعات القروية بالمغرب. أضف إلى ذلك أن أقاليم جبلية أكثر عزلة وتضم جماعات قروية أكثر عددا ، ومع ذلك لا تتميز بهذه الظاهرة.
أما أولئك الذين يشهرون الورقة الطوبوغرافية بشكل يجعل الحمار - في نظر هؤلاء- أنه أحسن "رفيق" للإنسان بإقليم تاونات الجبلي، فهو طرح مغلوط كذلك، على اعتبار أن الجبال تغطي 25% من مساحة المغرب، بل أكثر الأقاليم الجبلية توجد بسلاسل الأطلس التي تمثل 81% من مساحة الجبال بالمغرب. أضف إلى ذلك أن هناك أقاليم جبلية خالصة، ومع ذلك تتفوق عليها تاونات في عدد رؤوس الحمير (مثلا: الحسيمة، شفشاون، تازة، تارودانت، الحوز، بولمان، الدرويش، وزان...).
إذن، ماهو تفسير تمركز رؤوس الحمير بإقليم تاونات؟
شخصيا لم أعثر على بحث جامعي مدقق بخزانة كليات الآداب والعلوم الإنسانية وكليات العلوم القانونية والاجتماعية وبخزانة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، يتناول هذا الموضوع. لكن من خلال الانطباعات التي سجلتها من مقابلة عدد من السكان، يظهر أن إقليم تاونات هو الإقليم الجبلي الأكثر تهميشا من طرف السلطة العمومية (مركزيا وجهويا)، مقارنة مع باقي مدن ومراكز الشريط الجبلي بالمغرب. الدليل على ذلك هو وعورة الطريق وغياب مسالك معبدة وآمنة تسمح للمرء باستعمال مركبات (حتى ولو كانت بيكوب "محفحفة" أو "صطافيت" قديمة ومتآكلة). وهو ما يدفع معظم سكان الجماعات القروية بإقليم تاونات إلى استعمال الحمار كوسيلة، ليس للقيام بأعمال شاقة من نقل المواد ومزروعات وشحن براميل الماء فقط ، بل لتنقلاتهم اليومية بالأساس.
وما يزكي هذا الطرح أن وعورة الطرق وغياب صيانة ما هو موجود على علاته وقلته، وضعف شبكة الربط بين الجماعات الترابية لإقليم تاونات (توجد 49 جماعة، منها خمس بلديات)، جعلت إقليم تاونات في أسفل القوائم المغربية من حيث اقتناء وتسجيل المركبات، إذ يتراوح معدل تسجيل المركبات بمركز التسجيل التابع لإقليم تاونات بين 860 و1200 مركبة حسب الأعوام، وأغلب هذه التسجيلات تهم دراجات نارية!
هنا ينتصب السؤال المؤرق:
إذا كانت الحكومة والجهة والمؤسسات العمومية ونقابة الباطرونا، ترفض جبر الضرر بإقليم تاونات ورد الاعتبار لسكانه بتمكينهم من الحق في الثروة الوطنية وما يستتبع ذلك من ضخ الموارد المالية لتحقيق الإنصاف المجالي، لاستثمارها في: شق طرق وقناطر وصيانة الموجود منها، فك العزلة عن تاونات بربطه بالأقاليم المجاورة له، تثمين زيت الزيتون، خلق أنوية جامعية، تعزيز جاذبيته السياحية واستثمار ما يزخر به الإقليم من مؤهلات هائلة، توفير البنية الإيوائية لاستقبال زوار الإقليم بمؤسسات من أصناف متنوعة تلبي ميزانيات كل الوافدين، حل مشكل الماء الشروب،... إلخ، فإن الحل المتبقي أمام الدولة هو أن تحول هذا القطيع الهائل من رؤوس الحمير بإقليم تاونات إلى مضخة للثروة وللرواج الاقتصادي باستلهام تجربة صربيا وألبانيا والصين في تثمين حليب وجلود الحمير عبر تصدير المغرب لجلودها ولحومها وحليبها.
إذا كانت الحكومة والجهة والمؤسسات العمومية ونقابة الباطرونا، ترفض جبر الضرر بإقليم تاونات ورد الاعتبار لسكانه بتمكينهم من الحق في الثروة الوطنية وما يستتبع ذلك من ضخ الموارد المالية لتحقيق الإنصاف المجالي، لاستثمارها في: شق طرق وقناطر وصيانة الموجود منها، فك العزلة عن تاونات بربطه بالأقاليم المجاورة له، تثمين زيت الزيتون، خلق أنوية جامعية، تعزيز جاذبيته السياحية واستثمار ما يزخر به الإقليم من مؤهلات هائلة، توفير البنية الإيوائية لاستقبال زوار الإقليم بمؤسسات من أصناف متنوعة تلبي ميزانيات كل الوافدين، حل مشكل الماء الشروب،... إلخ، فإن الحل المتبقي أمام الدولة هو أن تحول هذا القطيع الهائل من رؤوس الحمير بإقليم تاونات إلى مضخة للثروة وللرواج الاقتصادي باستلهام تجربة صربيا وألبانيا والصين في تثمين حليب وجلود الحمير عبر تصدير المغرب لجلودها ولحومها وحليبها.
فالصناعة الصينية لجلود الحمير تحقق رقم معاملات خيالي يصل إلى 8 ملايير دولار سنويا، بفضل استخراج مادة "جيلاتين" Gélatine من جلد الحمار، لاستعماله في مستحضرات طبية وتجميلية (تنتج الصين سنويا 5000 طن من مادة Ejao ).
أما صربيا وألبانيا، فحولتا حليب الحمير إلى كنز لصنع جبن Pule، لدرجة أن الكيلوغرام الواحد من جبن حليب الحمير يباع ب 1050 دولار. حليب الحمير أصبح الطلب عليه مرتفع عالميا (خاصة من طرف النساء)، بحكم أن الأسطورة تقول أن كليوباترا، ابنة الفرعون بطليموس 12، ذات الجمال الفاتن، كانت تستحم كل يوم بحليب الحمير، مما يفسر سر جمالها وبهائها.
أما صربيا وألبانيا، فحولتا حليب الحمير إلى كنز لصنع جبن Pule، لدرجة أن الكيلوغرام الواحد من جبن حليب الحمير يباع ب 1050 دولار. حليب الحمير أصبح الطلب عليه مرتفع عالميا (خاصة من طرف النساء)، بحكم أن الأسطورة تقول أن كليوباترا، ابنة الفرعون بطليموس 12، ذات الجمال الفاتن، كانت تستحم كل يوم بحليب الحمير، مما يفسر سر جمالها وبهائها.
فهل ستقتفي الحكومة المغربية طقوس كليوباترا لجعل تاونات أكثر بهاء وسحرا، أم ستدفن رأسها في الرمال لتترك تاونات خارج رادار العدالة المجالية والإنصاف الترابي؟!
ملحوظة:
الصورة التقطت بدوار "حجرية" بجماعة أولاد داوود، على متن حمار لجلب الماء من تعاونية طريق سيدي المخفي (بين مزراوة وجماعة الوارتزاغ).
ورغم قرب الجماعة من سد الوحدة، الذي يعد أكبر سد بالمغرب، فإن سكان قرى تاونات يتكبدون يوميا مشاق البحث عن الماء!