بقلم الدكتور أنور الشرقاوي، بمساهمة البروفسور كريم أولديم، رئيس الجمعية المغربية لعلم الوراثة الطبية (SMGM)
تستضيف الرباط المؤتمر المغربي الأول للوراثة الطبية بين 12 و 15 نونبر 2025... خطوة نحو ثورة علمية وطنية.
في عام 2025، أصبح الطبّ الوراثي أحد أبرز ركائز الطب الحديث في المغرب، وأحد المجالات التي تعد بمستقبل صحي أكثر دقة وإنسانية.
فالطب الوراثي لا يقتصر على التحاليل المخبرية، بل يغيّر مفهوم التشخيص والعلاج ويضع أسسًا جديدة للسيادة الصحية والعلمية والاقتصادية للمملكة.
ومن هذا المنطلق، تستعد العاصمة الرباط لاحتضان المؤتمر المغربي الأول للوراثة الطبية من 12 إلى 15 نونبر 2025، تحت شعار:
"الثورة الجينومية: نحو تشخيصٍ أدقّ، وعلاجٍ أذكى، ووقايةٍ أوسع".
حدثٌ يُنتظر أن يشكّل نقطة تحوّل في تطوير الطب الدقيق في المغرب والعالم العربي.
ثورة في التشخيص والعلاج
بفضل تقنيات تسلسل الجينات الحديثة (المعروفة بالـNGS) والاختبارات الجزيئية الدقيقة، أصبح الأطباء المغاربة قادرين اليوم على اكتشاف الأمراض النادرة والاضطرابات الوراثية وحتى الاستعداد الوراثي للإصابة ببعض أنواع السرطان في مراحل مبكرة جدًا.
مؤسسات وطنية مثل مركز الجينوم الإفريقي التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P)، وقسم الوراثة الطبية بالمؤسسة الوطنية للصحة (INH)، تقود هذا التقدّم العلمي بخطى واثقة.
وقد شكّل نشر نتائج مشروع "الجينوم المغربي" حدثًا علميًا كبيرًا؛ إذ تمّ تحديد أكثر من 27 مليون متغيّر جيني خاص بالمغاربة، ما يمنح المغرب قاعدة بيانات وراثية وطنية فريدة، تُمكّن الأطباء من فهمٍ أدقّ للجينات ووضع خطط علاجية مخصصة لكل مريض.
مؤتمر ينظر إلى المستقبل
ينظَّم المؤتمر من طرف الجمعية المغربية للوراثة الطبية (SMGM)، ويهدف إلى تسليط الضوء على أحدث التطورات في مجالات علم الجينوم والطب الجزيئي والعلاجات الموجَّهة التي أحدثت ثورة في علاج الأمراض الوراثية والسرطانية.
وسيُفتتح المؤتمر بورشة علمية متقدمة بمركز محمد السادس للبحث والابتكار (CM6RI) حول:
الوراثة الخلوية (علم يدرس تركيب الكروموزومات لفهم التشوهات الجينية)،
التسلسل الجيني الحديث (NGS)
الذكاء الاصطناعي في التحليل الوراثي، وكيف يمكن للآلة أن تساعد الطبيب في قراءة المعلومة الجينية بسرعة ودقة.
البعد الاقتصادي والوطني للطب الوراثي
الوراثة الطبية ليست فقط تقدمًا علميًا، بل هي أيضًا ورقة رابحة للاقتصاد الوطني.
فالمغرب بدأ فعليًا في تقليص اعتماده على الاستيراد في مجال التحاليل الوراثية بفضل مؤسسات مغربية مثل مؤسسة ماسير (MAScIR) التي تنتج محليًا اختبارات تشخيصية دقيقة، منها اختبار HER2-Quant الخاص بسرطان الثدي.
كما أن هناك شركات وطنية تستثمر في تصنيع الأدوية الحيوية والتقنيات البيوتكنولوجية، ما يخلق فرص عمل جديدة، ويُمهّد لقيام صناعة بيولوجية مغربية قادرة على المنافسة والتصدير داخل القارة الإفريقية.
الرباط... منبر علمي دولي
سيجمع المؤتمر نخبة من العلماء والأطباء والباحثين وطلبة الطب من المغرب والخارج، في لقاء علمي يناقش القضايا الأخلاقية والطبية والاقتصادية المرتبطة بالوراثة، مثل حماية البيانات الجينية، وحقّ المريض في المعرفة والموافقة، والمساواة في الولوج إلى العلاج.
الهدف واضح: دمج الطب الوراثي في المنظومة الصحية المغربية، وتكوين جيل من الأطباء والباحثين القادرين على استعمال العلم لخدمة الإنسان.
نحو سيادة صحية مغربية
لم يعد الطب الوراثي حلمًا أكاديميًا.
إنه اليوم واقعٌ يتحقق على الأرض، من المختبر إلى المصنع، ومن البحث إلى التطبيق.
يبني المغرب بخطى ثابتة نظامًا صحيًا متكاملًا يعتمد على المعرفة الجينية لإنتاج الدواء محليًا وتشخيص الأمراض بدقة وتكوين أطباء المستقبل.
لكن هذا التقدّم يحتاج إلى قوانين تنظيمية واضحة، وتشجيعٍ للاستثمار المحلي، وإدماجٍ واسع للوراثة في التعليم الطبي وفي برامج التغطية الصحية.
نبذة عن الجمعية المغربية للوراثة الطبية (SMGM)
هي جمعية علمية غير ربحية تهدف إلى نشر المعرفة الوراثية وتطوير البحث والتكوين في هذا المجال الحيوي.
تسعى الجمعية إلى جعل المغرب نموذجًا في الطب الجيني الدقيق داخل إفريقيا والعالم العربي، عبر تشجيع البحث، والتعاون العلمي، وتكوين الكفاءات الطبية.
في عام 2025، يدخل المغرب رسمياً عصر الطب الجيني، حيث يصبح كل جينٍ رسالة أمل، وكل اكتشافٍ خطوة نحو السيادة العلمية، وكل مريضٍ شريكًا فاعلًا في تحديد مصيره العلاجي.