Wednesday 15 October 2025
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: السياسات العمومية والاحتجاجات الشبابية

عبد القادر زاوي: السياسات العمومية والاحتجاجات الشبابية عبد القادر زاوي
رغم استمرار الاحتجاجات الشبابية في عدد من جهات البلاد نتيجة قصور ملحوظ في عدد من الخدمات الاجتماعية، فإن هنالك يقين شبه تام على أن الشعب المغربي بكل أطيافه وفئاته وشرائحه سيخرج منتصرا من هذه العثرة في مسيرته. فالغلبة ستكون حتما للبلد، وليس لأحد على أحد، وذلك شريطة تحليل الأوضاع وتقييمها بكل موضوعية، وكما هي فعلا على أرض الواقع بعيدا عن الحساسيات الشخصية والحسابات السياسية الانتهازية، ومحاولات التنصل من المسؤولية.
وأول خطوة في هذا الاتجاه تكمن في ضرورة الابتعاد عن الاختباء وراء نظرية المؤامرة، وتبرير ما حصل من خلالها فقط، وذلك بالتفنن سواء عن قناعة وبأدلة قد تكون واهية وحتى مصطنعة أو بمجرد تكهنات في اتهام جهات خارجية أو جهات داخلية ربما تكون متواطئة، وهي جهات ستكثر ولاشك أسماؤها وستتعدد عناوينها حسب مصالح كل من يروج لمثل هذه الأطروحات تهربا من تحمل تبعات ما حصل، ومن الإقرار بالفشل، وكأن المغاربة يعيشون في المدينة الفاضلة، وهناك من يستكثر عليهم ذلك، وأراد تنغيص صفو عيشهم.
نعم لا يمكن على الإطلاق استبعاد وجود مصالح خارجية إعلامية وسياسية ومخابراتية نشطة على الأرض، بل وقد تكون تسللت وسط الاحتجاجات أيضا سواء أكان ذلك عبر عملائها الأجانب أم عبر المتواطئين معها محليا، وذلك بغية الوصول إلى ما تريد تحقيقه من أهداف تتمثل معظمها حسب التجارب الدولية في:
1/ جمع المعلومات عن الاحتجاجات التي تشهدها العديد من المدن المغربية، والبحث عمن يكون وراءها، وعما قد يرافقها من تجاوزات أمنية أو من أحداث عنف، وذلك لكل غاية مفيدة عند الضرورة وفي المستقبل، فالعصر الراهن هو عصر الداتا، التي أصبحت من مقومات قوة الدول . ولاشك أن ذلك ما تقوم به كل المخابرات المتواجدة على التراب المغربي بشكل رسمي أو بشكل مستتر بما فيها تلك التي ترتبط بلدانها بعلاقات جيدة مع المغرب، ولها مصالح متعددة متبادلة معه.
2/ السعي إلى تأجيج الأحداث وحرفها عن مسارها السلمي لتصل إلى درجة عنف غير مقبولة تفرض على السلطات الأمنية استخدام القوة لفض الاحتجاجات وإلقاء القبض على المحرضين عليها، وذلك أملا من تلك الجهات في تشويه سمعة البلاد، وهذا ما لن تتردد في القيام به مخابرات البلدان التي لديها مشاكل مع المغرب والراغبة ليس فقط في تحجيم أدواره ونفوذه نتيجة تضايقها من تنامي إشعاعه وحضوره الدوليين، وإنما تلك التواقة أيضا إلى الضغط عليه، بل وإلى تقسيمه وإن أمكن الزج بمكونات مجتمعه في صراعات داخلية مزمنة.
إن وجود هذه التدخلات الأجنبية سواء عن طريق العمل الميداني المخابراتي أو عن طرق الشحن الإعلامي وتضخيم الأحداث لا يعني أنها هي السبب الأول أو الأوحد في اشتعال شرارة الاحتجاجات، وفي امتدادها إلى معظم جهات البلاد، وإنما هي جاءت لتصطاد في المياه العكرة أو الآسنة الناجمة عن امتعاض شعبي واسع من سياسات عمومية اعتبرت فاشلة أو نخبوية لم تصل فوائدها إلا لفئة معينة محدودة، وليس لعموم المواطنين.
لذلك بدلا من الاختباء وراء نظرية المؤامرة والإسهاب في تحميلها كامل مسؤولية ما حدث، فإن المصلحة الوطنية العليا تتطلب تصحيح السياسات التي ثبت خطِؤها أو محدودية مخرجاتها واتخاذ سياسات عمومية بديلة لها من أجل إعادة تصويب بوصلتها لتصبح أقرب إلى المواطن في كل ربوع الوطن متجاوبة مع تطلعاته وانتظاراته لا أن تظل سياسات متفاوتة السرعة بين جهات محظوظة وأخرى محرومة، بين مواطنين بملاعق ذهبية وآخرين لا يجدون حتى الملاعق الخشبية.
إن الهدف من السياسات العمومية ينبغي أن يتمثل، كما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، في "أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين في جميع المناطق والجهات دون تمييز أو إقصاء"، ولهذا فإن على المنوط بهم رسم هذه السياسات من مؤسسات تشريعية وتنفيذية أن يضعوا نصب أعينهم التوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الافتتاحي للدورة التشريعية الأخيرة، التي تشدد على "أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف"، وإنما هي توجه استراتيجي ورهان مصيري.
والمأمول من بعد كل ما وقع، تحسبا لإمكانية استمرار الاحتجاجات في شكل وقفات أو اعتصامات أو إضرابات أن ترقى الممارسات الحكومية والتحركات النيابية المنتظرة في قادم الأيام إلى مستوى هذه التوجيهات السامية، آخذة بعين الاعتبار أن تلك التوجيهات ليست مجرد كلمات تلقى في مناسبات بروتوكولية أو تنفيذا لنصوص دستورية، وإنما هي مؤشرات واضحة على وجود تقييم سلبي لبعض السياسات العمومية التي لم يصل إنجازها إلى المستوى المنشود ؛ وعليها أن تدرك بأن كل عملية تقييم لها ما بعدها، وأن على اللبيب أن يفهم بالإشارة.