Monday 6 October 2025
اقتصاد

كيف يمكن لمدينة الصويرة أن تكون فعلا مدينة سياحية تستقطب آلاف السياح؟

كيف يمكن لمدينة الصويرة أن تكون فعلا مدينة سياحية تستقطب آلاف السياح؟
تعد مدينة الصويرة إحدى المدن المغربية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة وانفتاح الثقافة، فهي مدينة ساحلية تمتاز بموقعها الجغرافي الفريد على المحيط الأطلسي، مما منحها طابعا مميزا يجعلها مؤهلة لتكون وجهة سياحية عالمية، غير أن هذا المؤهل الطبيعي والتاريخي يحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة حقيقية لتحويل الإمكانات إلى واقع تنموي متكامل.
 
تأهيل البنية التحتية وتطوير الخدمات:
إن أول ما تحتاجه مدينة الصويرة لتصبح مركزا سياحيا عالميا هو تأهيل بنيتها التحتية بشكل ينسجم مع طموحها السياحي، فالمسافر الذي يزور المدينة لأول مرة يتأثر بمدى جودة الطرق والمرافق والخدمات العامة وتعامل السكان، ولذلك فإن تحسين شبكة النقل البري وربط المدينة بمطارات دولية مباشرة سيشكل خطوة مهمة نحو جذب المزيد من الزوار، كما أن تطوير مؤسسات الإيواء والمطاعم، والرفع من جودة الخدمات الفندقية والإستشفائية، سيمنح السائح شعورا بالراحة والثقة، الأمر الذي يشجعه على العودة مرة أخرى أو التوصية بها لغيره.
تثمين الموروث الثقافي والتاريخي:
 
ومن جهة أخرى، فإن الصويرة  تعتبر  متحفا مفتوحا يعكس تاريخا طويلا من التعايش الحضاري بين المسلمين واليهود والمسيحيين، وبين الثقافات كالامازيغية والعربية والحسانية والإسلامية والعبرية والإفريقية والأوروبية.
 
 إن تثمين هذا التراث الغني يتطلب صيانة المدينة العتيقة وأسوارها التاريخية ومينائها العريق، وتنظيم جولات موجهة للسياح تبرز تفاصيل الحياة اليومية القديمة، وتشرح لهم كيف استطاعت الصويرة أن تكون رمزا للتسامح والانفتاح والعيش المشترك عبر القرون، إن تحويل الموروث التاريخي إلى تجربة ثقافية حية هو ما يميز السياحة الراقية التي تجمع بين المتعة والمعرفة.
 
أهمية التنشيط الثقافي والفني والموسيقي:
وإذا كان التراث يمثل ذاكرة المدينة، فإن الفن هو نبضها الحاضر، فالصويرة مشهورة بمهرجاناتها، خاصة مهرجان الاندلسيات الاطلسية ومهرجان كناوة وموسيقا العالم اللذان جعلها قبلة للفنانين ومحبي الإيقاعات العالمية، غير أن هذا النشاط الفني والثقافي يجب ألا يقتصر على فترات معينة من السنة، بل ينبغي أن يمتد على مدار العام، لأن التنشيط الثقافي والفني والموسيقي عنصر أساسي في جعل الزوار والسياح يقضون أمتع اللحظات، ويحملون عند عودتهم إلى مدنهم أو بلدانهم أجمل الذكريات، فالسياحة تعد تجربة إنسانية يعيشها السائح بكل حواسه، لذلك فإن جعل الصويرة مدينة نابضة بالفن والحياة طوال السنة سيعزز مكانتها ويضمن استدامة حركتها السياحية، لأن السياحة في النهاية هي المحرك الأساسي للتنمية المحلية، ولا يمكن أن تزدهر إلا بتضافر الجهود في هذا الاتجاه بين مختلف الفاعلين.
 
دعم الجمعيات المحلية وتشجيع المبادرات الثقافية:
وفي هذا السياق، يعتبر دعم الجمعيات المحلية لتنظيم مختلف اللقاءات الفكرية والمهرجانات الموسيقية والتظاهرات الفنية والرياضية، أمرا ضروريا لإنعاش المشهد الفني والترويج للمدينة، فهذه الجمعيات تشكل حلقة الوصل بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، وتملك من الحماس والقدرة على الابتكار ما يعوض محدودية الإمكانات المادية للمدينة، ورغم قلة الموارد، يمكن ابتكار حلول ناجعة تقوم على الشراكة، والعمل التطوعي، والتعاون مع مؤسسات ثقافية داخلية وخارجية، مما يتيح استمرار الحركة الثقافية دون انقطاع ويضمن إشعاع الصويرة على مدار السنة.
 
تنويع الأنماط السياحية وتثمين الطبيعة:
ولا يمكن الحديث عن الصويرة دون التوقف عند جمالها الطبيعي، الذي يجعل منها أرضا خصبة لتطوير أنماط جديدة من السياحة، مثل السياحة الإيكولوجية والرياضية، فرياحها القوية وشواطئها الواسعة تجعلها من أفضل الوجهات العالمية لرياضات ركوب الأمواج والطائرات الشراعية، بينما غاباتها ومحيطها القروي يمنحان فرصة للزوار لاكتشاف الحياة الريفية المغربية والتمتع بجمال الطبيعة في بيئة هادئة ومستدامة، وهكذا يمكن للصويرة أن توازن بين السياحة الثقافية والبيئية، فتجذب فئات متنوعة من السياح.
 
كما يمكن أن تعزز جاذبية المدينة من خلال تنظيم زيارات سياحية موجهة إلى جزيرة موكادور وفق برنامج مضبوط يحافظ على التوازن البيئي، باعتبارها محمية طبيعية فريدة من نوعها. فالسياحة البيئية الواعية تضمن حماية المكان واستمرارية جماله. وإلى جانب ذلك، يعد ترميم معمل السكر بجماعة أكرض 
 
الذي يعود الى فترة السعديين في القرن 16، و “الدار البيضاء” المعروفة محليا ب"قصر السلطان" وغيرهما من المآثر التاريخية بالاقليم، (يعد) خطوة مهمة لإحياء الذاكرة التاريخية، وإضافة معالم سياحية جديدة تعيد الحياة إلى هذه الفضاءات الذي تشهد على فترات مجد المدينة.
 
 ومن جهة أخرى، فإن فتح خطوط جوية منخفضة التكلفة مع عدد من الدول يمكن أن يسهم في تنويع الزوار، واستقطاب فئات جديدة من السياح، خصوصا من أوروبا وإفريقيا، مما سيضاعف من الحركية الاقتصادية للمدينة ويجعلها أكثر انفتاحا على العالم.
 
دور السكان في الحفاظ على جمالية المدينة:
غير أن نجاح هذه المشاريع السياحية يظل رهينا بمدى وعي سكان المدينة وانخراطهم في هذا الورش التنموي، فالصويرة في حاجة إلى تعاون حقيقي من سكانها في مجال النظافة والمحافظة على البيئة، والقطع مع السلوكات السلبية التي تشوه صورتها، كإلقاء الأزبال في غير أماكنها أو الإهمال في العناية بالمحيط العام، كما أن الاهتمام بواجهات المنازل والمحلات التجارية، وضبط تتبيث اللوحات الاشهارية. إن إضفاء لمسات جمالية على هذه العناصر، يمكن أن يمنح المدينة طابعا خاصا يعزز جاذبيتها، تماما كما هو الحال في مدينة شفشاون التي اكتسبها تضافر جهود سكانها ومسؤوليها ومنتخبيها شهرة عالمية فأضحت تعرف ب"المدينة الزرقاء" بفضل جمال أزقتها وتناسق عمرانها. 
وفي السياق نفسه، ينبغي على الجهات المعنية أن تتخذ مبادرات اجتماعية جادة لمعالجة ظواهر التسول والتشرد التي قد تسيء إلى الصورة السياحية للمدينة، لأن التنمية الحقيقية لا تقوم فقط على الحجر، بل على كرامة الإنسان ونظافة الفضاء العام.
 
مراقبة الأسعار وجودة الخدمات:
كما أن من مسؤوليات الجهات الوصية مراقبة الأسعار داخل المدينة، خاصة في فترات العطل المدرسية والمواسم الصيفية التي تعرف توافدا كبيرا للسياح، فارتفاع أسعار الفنادق والمقاهي والمطاعم ومواقف السيارات بشكل غير معقول قد يترك انطباعا سلبيا لدى الزائر، ويدفعه مستقبلا إلى البحث عن مدن أخرى أقل تكلفة، لذلك من الضروري فرض مراقبة صارمة ودائمة على هذه المؤسسات الخدماتية لضمان توازن الأسعار وجودة الخدمات، حتى تبقى الصويرة مدينة في متناول الجميع، تجمع بين الجمال والمتعة والأسعار المعقولة.
 
العناية بالمدينة العتيقة للصويرة ضرورة ملحة:
تعد المدينة العتيقة للصويرة واحدة من أهم الموروثات التاريخية والثقافية في المغرب، حيث تحتضن بين أسوارها أزقة ضيقة، وأسواقا تقليدية، ومآثر معمارية تعكس تاريخ المدينة العريق وتأثيرات حضارات مختلفة، فعندما يزور السائح هذه المدينة، فإنه لا يأتي للاستمتاع بالشواطئ وكذا البحث عن تجربة غنية تربط بين الماضي والحاضر، بين الثقافة والعمران، وبين الأصالة والحداثة.
 
لذلك، فإن العناية بالمدينة العتيقة للصويرة لا تقتصر على الحفاظ على الأبنية التاريخية فحسب، وإنما تشمل أيضا الاهتمام بجمالياتها العامة، من نظافة الشوارع إلى الحفاظ على واجهات البيوت التقليدية وتنسيق الأسواق والمحلات.
 
 إن أي إهمال في هذا الجانب قد يقلل من جاذبية المدينة ويؤثر على تجربة الزائر، بينما العناية بها تعزز مكانتها كوجهة سياحية ثقافية متميزة على المستوى الوطني والدولي.
 
كما أن الاهتمام بالمدينة العتيقة يعكس احترام المجتمع المحلي لتراثه وهويته، فالمدينة العتيقة مساحة حية تنبض بتاريخ الصويرة وروح أهلها.
 إن إعطاء الأولوية للحفاظ على عمرانها ومآثرها التاريخية يعد استثمارا في السياحة. 

 
 حماية المدينة العتيقة للصويرة والعناية بجمالياتها يجب أن تكون من الأولويات للحفاظ على التراث، وتعزيز التجربة السياحية وجذب المزيد من الزوار والسياح الباحثين عن الأصالة والتاريخ، وجعل المدينة رمزا حيا لتلاقي الماضي مع الحاضر.
الترويج الدولي وجذب الاستثمارات:
 
ولا يكفي تحسين الخدمات الداخلية دون تسويق الصورة الإيجابية للمدينة على المستوى الدولي، فالصويرة في حاجة ماسة إلى استراتيجية ترويجية ذكية تُعرف بها في الخارج، من خلال المشاركة في المعارض السياحية الدولية، والترويج لمؤهلاتها عبر الحملات الرقمية والتواصلية، كما أن تنظيم رحلات ميدانية لوسائل الإعلام الدولية لزيارة المدينة والتعرف على جمالها وخصوصياتها الثقافية والبيئية والاستثمارية، سيساهم في توسيع إشعاعها وجذب المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن وجهات آمنة ومستقرة وغنية بالمقومات الطبيعية والبشرية.
 إن تسويق المدينة في الخارج هو الخطوة التي تحول الإمكانات المحلية إلى فرص اقتصادية حقيقية.
 
تعزيز الكفاءات ودور المجلس الإقليمي للسياحة:
ولا يقتصر تطوير السياحة في الصويرة على تحسين البنية التحتية ومراقبة الأسعار وجودة الخدمات، بل يتطلب أيضا الاستثمار في الكفاءات البشرية المحلية، فـالمرشد السياحي المحلي يعد عنصرا أساسيا في تقديم تجربة سياحية فريدة، إذ يمثل الوجه الحي للمدينة ويعكس تاريخها وثقافتها بطريقة تفاعلية وجذابة، ومن هنا تأتي أهمية تنظيم دورات تكوينية متخصصة تشمل إتقان اللغات الأجنبية وتقنيات التواصل وأساليب تقديم المعلومات، ما يرفع جودة الخدمات السياحية ويزيد رضا الزوار ويعزز من قدرة الصويرة على المنافسة على المستوى الدولي.
ومن جهة أخرى، يلعب المجلس الإقليمي للسياحة دورا استراتيجيا في تنسيق الجهود وتنظيم المبادرات المحلية، ويستلزم ذلك تمكين المجلس من ميزانية سنوية، ومقر رئيسي وطاقم إداري مؤهل، ليتمكن من التخطيط السليم، ومراقبة جودة الخدمات، وإطلاق البرامج التنموية، بما يضمن النهوض بالقطاع السياحي المحلي وتعزيز تنافسيته.
 إن دعم هذه الهياكل وتحفيز الكفاءات المحلية يشكلان ركيزة أساسية لتحويل الإمكانات السياحية للصويرة إلى واقع مستدام وجاذب للزوار والمستثمرين على حد سواء.
 
اذا تضافرت الجهود تتحقق الأماني:
إن تحويل الصويرة إلى وجهة سياحية عالمية هو مشروع قابل للتحقق إذا تضافرت الجهود بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص والإعلام والمجتمع المدني، وعندما يلتقي التاريخ بالفن، وتتكامل الثقافة مع التنمية، وتصان البيئة بروح المسؤولية، وتحترم كرامة الإنسان، ويروج لجمال المدينة في الخارج بما يليق بها، يمكن للصويرة أن تصبح بحق لؤلؤة الأطلسي التي تستقطب آلاف الزوار المغاربة والسياح الأجانب سنويا، وتكون نموذجا لمدينة مغربية تجمع بين الأصالة والتجديد.