الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس القري: مكناس تحتفل بالسينما

إدريس القري: مكناس تحتفل بالسينما

ينطلق يوم الجمعة السادس والعشرين من الشهر الجاري بالمدينة الإسماعيلية، مدينة مكناسة الزيتون، لقاءُ الفيلم القصير في دورته الرابعة الذي تنظمه جمعية "سيرفيس آر" العتيدة.

وإذا كان هذا اللقاء يشكل موعدا سنويا حديثَ النشأة كموعدٍ للسينيفيليا، وذلك ضمن شبكةِ مواعيدَ يتجاوزُ عددها الخمسين تظاهرة وطنية ودولية ببلدنا العزيز، فإن هذا اللقاء يُذكرنا بما كانت عليه هذه المدينة من إشعاعٍ وعطاءٍ سينمائيٍّ خلال السبعينيات والثمانينيات على وجه الخصوص.

كانت مدينة مكناس فضاءً قوي الحضورِ سينمائيا من خلال نوادٍ سينمائية وجمعيات تهتم بالصورة وبالثقافة البصرية التي كانت وقتها تعتبر من أغنى النوادي السينمائية التابعة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمغرب السبعينيات والثمانينيات. كان ثلة من الجمعويين والمنخرطين يمارسون الحلم السينمائي، مُتبَّلاً، بقوة أو بشكل خفيف، بقناعات إيديولوجية وحزبية متنوعة شكلت، كيفما كان الحال، وبغض النظر عن لونها وولاءاتها آنذاك، مدرسة في تعليم الشغف والاحتفال بالسينما وبثقافتها.

يكفي في هذا السياق أننا نسترجع اليوم بلقاءات مثل "ملتقى الفيلم القصير بمكناس" دفء اجتماعِ أسماءٍ منها من لا يزال يحمل شغف السينما وصفاء جماليتها وقوة تفكيك دلالاتها وعمقها الإنساني، وهو الشغف النابع من نُبل صورتها وما تَحْبُلُ به من مغامرة اللَّامرئي في المَرْئي والمسموع.

إذا كانت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية اليوم تسير بخطى حثيثة وثابتة نحو استعادة موقعها في خريطة مجتمع مدني عصري، وذلك بمحاولات تحيين رصينة وغير متسرعة لوظيفيتها ولهياكلها رغم الإكراهات والضغوطات المتنوعة، فإن مجرد ذكر مدينة مكناس وما هي عازمة على استرجاعه، على الأقل من خلال هذا الملتقى الذي سيعمل على تهييء موعد حقيقي للشغف وللثقافة السينمائية كما عرفها دفء أسوارها التاريخية سابقا، ليوقظ في أنفسنا مزيجا من الاعتزاز المفارقي بما كانت عليه سينمانا من جهة، وما هي عليه من جهة ثانية:

أقصد ذلك الشرخ الذي جعلنا نتولى تركيب بنيات كمية مبتورة المعادلة. فلا قاعات تمنح معنى واقعيا لأفلام غدت تائهة عن نفَسِهَا الأصيل الذي تأسس نوره مع سينمائيين شغوفين لا أعتقد أن مؤسستنا السينمائية بقيت وفية لروح الفضاء الذي تسامروا وتأسفوا وحزنوا وحلموا جميعا وسويا تحت سقفه بيوم مثل هذا الذي تعيشه ونتراشق فيه حول منجزات هي في الواقع في مهب الريح من حيث روحها الفكرية والإبداعية التي تكاد تضيع منا جميعا.

فطوبى لمكناس الزيتون والدفء الثقافي بفضاءاتها التاريخية، ولتسترجع الحاضرة الإسماعيلية لبعض من نساء ورجال سينمانا وهج شغفٍ وثقافة لن تقوُمَ لها قائمةٌ حضارية وإنسانية ما لم نتداركها.