Thursday 18 September 2025
سياسة

إسبانيا والمغرب: يد تصافح.. ويد تهدد!

إسبانيا والمغرب: يد تصافح.. ويد تهدد! صورة مركبة لسانشيز، رئيس وزراء إسبانيا. بيلارا،زعيمة حزب «بوديموس»، تتوسط نونيز فيخو، زعيم الحزب الشعبي (يمينا)، واباسكال، زعيم حزب فوكس
بنظرة‭ ‬ماسحة‭ ‬للإعلام‭ ‬الإسباني،‭ ‬وباستقراء‭ ‬فاحص‭ ‬لمواقف‭ ‬الأحزاب‭ ‬الإسبانية،‭ ‬يسارا‭ ‬ويمينا،‭ ‬نصطدم‭ ‬بأن‭ ‬الجارة‭ ‬الشمالية‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬المغاربة‭ ‬سوى‭ ‬النقائص،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬اعتراف‭ ‬إسبانيا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬وتبنيها‭ ‬لمقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي‭ ‬حلا‭ ‬وحيدا‭ ‬للنزاع،‭ ‬ليس‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬بوصفه‭ ‬كذلك‭.‬

‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الإسباني‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬المراوغة‭ ‬المضمرة‭ ‬والمعاكسة‭ ‬الصريحة‭ ‬والتردد‭ ‬الواضح،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬(فضلا‭ ‬عن‭ ‬البرتغال)‭ ‬سيشتركان‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬2030،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لإخفاء‭ ‬التوترات‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬نظرة‭ ‬إسبانيا‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬ولا‭ ‬يكفي‭ ‬لإبطال‭ ‬الخصومة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تراكمت‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬المواجهات‭ ‬الحربية،‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭  ‬أن‭ ‬التحول‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الإسباني،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬استتبعه‭ ‬من‭ ‬اتفاقات‭ ‬وتفاهمات،‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬إسكات‭ ‬صوت‭ ‬التاريخ،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أصوات‭ ‬عديدة‭ ‬داخل‭ ‬الساحة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬واليمينية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفوت‭ ‬فرصة‭ ‬دون‭ ‬مهاجمة‭ ‬المغرب‭ ‬وربط‭ ‬اسمه‭ ‬بكل‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالداخل‭ ‬الإسباني‭. ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تثار‭ ‬فيها‭ ‬قضايا‭ ‬الهجرة‭ ‬أو‭ ‬الاتجار‭ ‬بالمخدرات‭ ‬أو‭ ‬الأزمات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬العابرة،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يُصوَّر‭ ‬المغرب‭ ‬باعتباره‭ ‬مصدر‭ ‬الشرور‭.  ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭  ‬إسبانيا‭ ‬الرسمية‭  ‬لا‭ ‬تسيطر،‭  ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬إعلامها‭ ‬وأحزابها‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬مشكلة‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬شريكا‭ ‬موثوقا،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬قواها‭ ‬الحزبية‭ ‬والإعلامية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتبنى،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬خطابات‭ ‬عدائية‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬وتوظف‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬للمزايدة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬لخدمة‭ ‬مواقف‭ ‬أيديولوجية‭ ‬مناهضة‭ ‬لوحدة‭ ‬المغرب‭ ‬الترابية،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التنظيمات‭ ‬المحسوبة‭ ‬على‭ ‬اليسار‭ ‬الراديكالي‭ ‬أو‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬التيارات‭ ‬القومية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعلام‭ ‬مؤدلج‭ ‬وجمعيات‭ ‬مدنية‭ ‬مرتبطة‭ ‬باللوبيات‭ ‬الجزائرية‭ ‬والانفصالية،‭ ‬إذ‭ ‬تتحرك‭ ‬آلتها‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬مفصلية‭ ‬(الأزمات‭ ‬الداخلية‭ ‬لتندوف‭ ‬أو‭ ‬تعثر‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الجزائرية)،‭ ‬محاولة‭ ‬إضعاف‭ ‬مصداقية‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬الإسباني‭ ‬وإعادة‭ ‬إنعاش‭ ‬المشروع‭ ‬الانفصالي‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬عزلة‭ ‬متزايدة‭. ‬وهي‭ ‬حملات‭ ‬دعائية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الإسبانية‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬جانبه،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬الترحيب‭ ‬بالموقف‭ ‬الإسباني‭ ‬وانتقاد‭ ‬تناقضاته،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يعيش‭ ‬لحظة‭ ‬(البيان‭ ‬المشترك‭ ‬لـ‭ ‬7‭ ‬أبريل‭ ‬2022)،‭ ‬بل‭ ‬ظل‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬منخرطا‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬تطبيل‭ ‬غير‭ ‬مشروطة‭ ‬تُخفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأعطاب،‭ ‬وكأن‭ ‬كل‭ ‬المشاكل‭ ‬مع‭ ‬مدريد‭ ‬قد‭ ‬انتهت،‭ ‬وأن‭ ‬العناق‭ ‬الشامل‭ ‬هو‭ ‬الحل،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬المغرب،‭ ‬بأحزابه‭ ‬السياسية‭ ‬وإعلامه‭ ‬الحر‭ ‬وجمعياته‭ ‬المدنية،‭ ‬مدعو‭ ‬إلى‭ ‬فضح‭ ‬ازدواجية‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسباني،‭ ‬والتمسك‭ ‬بثوابته‭ ‬السيادية‭ ‬وحقوقه‭ ‬التاريخية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬استرجاع‭ ‬المدينتين‭ ‬المحتلتين‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الجزر‭ ‬المغربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مطالبة‭ ‬مدريد‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بجرائم‭ ‬الجيش‭ ‬الاستعماري‭ ‬الإسباني‭ ‬في‭ ‬الريف‭. ‬

لنلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسباني،‭ ‬خاصة‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬اليسار‭ ‬الراديكالي‭ ‬(بوديموس)‭ ‬أو‭ ‬اليمين‭ ‬الشعبوي‭ ‬(فوكس)،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬صورة‭ ‬تمثل‭ ‬المغرب‭ ‬بوصفه‭ ‬جارا‭ ‬مقلقا‭ ‬ومصدرا‭ ‬لمشاكل‭ ‬متواصلة،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يمنح‭ ‬بسخاء‭ ‬كبير‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬لخطاب‭ ‬البوليساريو،‭ ‬متجاهلا‭ ‬التطورات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي‭ ‬يحظى‭ ‬بدعم‭ ‬دولي‭ ‬متزايد‭ ‬(أمريكا،‭ ‬فرنسا،‭ ‬بريطانيا،‭ ‬ألمانيا‭..‬إلخ)‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ملوك‭ ‬إسبانيا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬خوان‭ ‬كارلوس‭ ‬إلى‭ ‬فيليبي‭ ‬السادس‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬حرصهم‭ ‬في‭ ‬خطاباتهم‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬خصوصية‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬فإن‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬سواء‭ ‬بقيادة‭ ‬الحزب‭ ‬الشعبي‭ ‬أو‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬ورقة‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬بازار‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتشددة،‭ ‬مثل‭ ‬(فوكس)،‭ ‬بنت‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬خطابها‭ ‬على‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬(الخطر‭ ‬المغربي)،‭ ‬بينما‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬التشهير‭ ‬بما‭ ‬تسميه‭ ‬أوضاع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الصحراء"‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬ازدواجية‭ ‬مكشوفة،‭ ‬انفتاح‭ ‬رسمي‭ ‬براغماتي‭ ‬وهجوم‭ ‬داخلي‭ ‬مفرط‭ ‬في‭ ‬تحامله‭.‬

إن‭ ‬التطبيل‭ ‬للموقف‭ ‬الإسباني‭ ‬الداعم‭ ‬لمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يسقط‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬فقدان‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭ ‬حيال‭ ‬ماض‭ ‬دموي‭ ‬واستعماري‭ ‬بغيض‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬وحيال‭ ‬حاضر‭ ‬وعنصري‭ ‬متوتر‭ ‬لم‭ ‬يختف‭ ‬تماما‭. ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬تطوان‭ ‬(1859–1860)  التي‭ ‬تم‭ ‬احتلالها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬إسبانيا‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬معاهدة‭ ‬مذلة‭ ‬وغرامة‭ ‬مالية‭ ‬هائلة،‭ ‬ثم‭  ‬حرب‭ ‬الريف‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬الإسبان‭ ‬بالغازات‭ ‬السامة‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬احتلال‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬والجزر‭ ‬الجعفرية،‭ ‬مرورا‭ ‬بأزمات‭ ‬متكررة‭ ‬أبرزها‭ ‬أزمة‭ ‬ليلى‭ ‬واندفاع‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬سبتة‭.‬

إن‭ ‬اعتراف‭ ‬إسبانيا‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬انتصار‭ ‬دبلوماسي‭ ‬واضح،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬صك‭ ‬براءة‭ ‬نهائي‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يطوي‭ ‬صفحات‭ ‬التوتر‭ ‬العالقة،‭ ‬وليس‭ ‬مكسبا‭ ‬استثنائيا‭ ‬ينبغي‭ ‬الاكتفاء‭ ‬به‭.  ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الذاكرة‭ ‬السياسية‭ ‬المغربية‭ ‬مطالبة‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬يقظة،‭ ‬وألا‭ ‬تنخدع‭ ‬بخطاب‭ ‬المديح‭ ‬الإسباني‭ ‬(الموقف‭ ‬الرسمي)،‭ ‬لأن‭ ‬التجارب‭ ‬التاريخية‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬مدريد‭ ‬لا‭ ‬تفوّت‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬لتصوير‭ ‬المغرب‭ ‬بوصفه‭ ‬خصما‭ ‬استراتيجيا‭. ‬وبين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬الرباط‭ ‬أن‭ ‬تدير‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬الجار‭ ‬الشمالي‭ ‬بعينين:‭ ‬عين‭ ‬ترحب‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬إيجابي،‭ ‬وعين‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬من‭ ‬ألغام‭ ‬قابلة‭ ‬للانفجار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬المغربي‭ ‬الإسباني‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬صراع‭ ‬تاريخي‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس‭ ‬سنة‭ ‬1492‭ ‬وما‭ ‬أعقبه‭ ‬من‭ ‬طرد‭ ‬المسلمين‭ ‬واليهود‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الإيبيرية،‭ ‬إذ‭ ‬دخلت‭ ‬بعدها‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا‭ ‬مرحلة‭ ‬صراع‭ ‬مفتوح‭ ‬تجلت‭ ‬استمراريته‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬مفصلية‭ ‬كبرى:‭ ‬أزمة‭ ‬جزيرة‭ ‬ليلى‭ ‬سنة‭ ‬2002،‭ ‬اندفاع‭ ‬آلاف‭ ‬المهاجرين‭ ‬نحو‭ ‬سبتة‭ ‬سنة‭ ‬2021،‭ ‬ثم‭ ‬التوتر‭ ‬الحاد‭ ‬بسبب‭ ‬استقبال‭ ‬مدريد‭ ‬لزعيم‭ ‬البوليساريو‭ ‬إبراهيم‭ ‬غالي‭ ‬في‭ ‬2021،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اتهام‭ ‬المغرب‭ ‬بالأسطوانة‭ ‬المشروفة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬"التجسس‭ ‬على‭ ‬مسؤولين‭ ‬حكوميين‭ ‬إسبان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بقضية‭ ‬بيغاسوس"‭.‬

تأسيسا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬المغربي،‭ ‬عندما‭ ‬يشرع‭  ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬الموقف‭ ‬الإسباني،‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬للسياسات‭ ‬أو‭ ‬للمواقف‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المغرب‭ ‬يوميا،‭ ‬وألا‭ ‬يختزل‭ ‬العلاقة‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬فيُولّد‭ ‬بذلك‭ ‬توقعات‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬شعورا‭ ‬زائفا‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المغربي،‭ ‬بينما‭ ‬يظل‭ ‬الطرف‭ ‬الإسباني‭ ‬محافظا‭ ‬على‭ ‬خطابه‭ ‬العدائي‭ ‬والمتناقض‭.  ‬ولذلك‭ ‬يتعين‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬يلي:‭ ‬
أولا‭:‬‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الإسباني‭ ‬ليس‭ ‬تحولا‭ ‬جذريا‭ ‬بدون‭ ‬سياق،‭ ‬وأن‭ ‬نتبنى‭ ‬موقفا‭ ‬نقديا‭ ‬موضوعيا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬إسبانية،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬إيجابية،‭ ‬مع‭  ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الملفات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مفتوحة‭.‬

ثانيا‭:‬‭ ‬ تبني‭ ‬خطاب‭ ‬سياسي‭ ‬موحد‭ ‬مغربي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية،‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬داخلي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭ ‬ومصالح‭ ‬المغرب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬وحماية‭ ‬حقوق‭ ‬مغاربة‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬احتفاء‭ ‬رمزي‭ ‬بتحولات‭ ‬أجنبية‭ ‬مؤقتة‭.‬

ثالثا :‬‭ ‬تعزيز‭ ‬فرص‭ ‬التعاون‭ ‬ببراغماتية‭ ‬كبيرة،‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬إلى‭ ‬ثقة‭ ‬مطلقة،‭ ‬أي‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬تضخيم‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية‭ ‬أو‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬انتهاك‭ ‬أو‭ ‬تهديد،‭ ‬لضمان‭ ‬مصداقية‭ ‬الخطاب‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬والفاعلين‭ ‬الدوليين‭.‬

رابعا‭:‬‭ ‬ التعامل‭ ‬مع‭ ‬مدريد‭ ‬ببراغماتية:‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬المشتركة،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الرد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قضية‭ ‬تمس‭ ‬السيادة‭ ‬المغربية‭. ‬
 
خامسا‭:‬‭ ‬ تعليم‭ ‬التاريخ‭ ‬المتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬المغربية–الإسبانية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والجامعات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬لفهم‭ ‬الديناميات‭ ‬الحالية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬بشكل‭ ‬بناء‭ ‬لفهم‭ ‬السلوك‭ ‬الإسباني‭ ‬الحالي،‭ ‬مثل‭ ‬حرب‭ ‬تطوان،‭ ‬معركة‭ ‬أنوال،‭ ‬أزمة‭ ‬جزيرة‭ ‬ليلى،‭ ‬والعنصرية‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربة‭. ‬
 
سادسا‭:‬‭ ‬تفعيل‭ ‬الذاكرة‭ ‬التاريخية‭ ‬بشكل‭ ‬بنّاء‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬استراتيجي:‭ ‬ليس‭ ‬للانتقام،‭ ‬بل‭ ‬لفهم‭ ‬وتحليل‭ ‬مواقف‭ ‬مدريد‭ ‬الحالية،‭ ‬وقراءة‭ ‬احتمالات‭ ‬التحركات‭ ‬المستقبلية‭.‬
 
سابعا‭:‬‭ ‬ تقديم‭ ‬برامج‭ ‬توعية‭ ‬سياسية‭ ‬(ندوات‭ ‬وحوارات‭ ‬وورشات)‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬سياسيون‭ ‬وأكاديميون‭ ‬ومؤرخون‭ ‬ومفكرون‭ ‬من‭ ‬الضفتين‭.‬
 
ثامنا‭ :‬‭ ‬نشر‭ ‬مقالات‭ ‬وتقارير‭ ‬دورية‭ ‬تحلل‭ ‬الأخبار‭ ‬الإسبانية‭ ‬بموضوعية،‭ ‬وتفسر‭ ‬دوافع‭ ‬مدريد‭ ‬الفعلية‭ ‬لكل‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬حيال‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬
 
تاسعا‭:‬‭ ‬ استغلال‭ ‬الاعتراف‭ ‬الإسباني‭ ‬لتعزيز‭ ‬موقف‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬مع‭ ‬إبقاء‭ ‬الخيارات‭ ‬مفتوحة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬تصرف‭ ‬معادي‭ ‬مستقبلي‭.‬ 

عاشرا‭ :‬‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنظيم‭ ‬لقاءات‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬المشتركة‭.‬
إن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬هي‭ ‬الكفيلة‭ ‬فقط‭ ‬بإرجاع‭  ‬اللوبيات‭ ‬الإسبانية‭ ‬المعادية‭ ‬للمغرب‭ ‬إلى‭ ‬رشدها،‭ ‬لأن‭ ‬مفتاح‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬متوازنة‭ ‬بين‭ ‬الرباط‭ ‬ومدريد‭  ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬تنازل‭ ‬المغرب‭ ‬عن‭ ‬حقوقه‭ ‬التاريخية‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬مطالبه‭ ‬السيادية،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بملف‭ ‬الصحراء‭ ‬أو‭ ‬بالأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬أو‭ ‬بجرائم‭ ‬الاستعمار‭ ‬أو‭ ‬بالعنصرية‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين‭ ‬المغاربة‭. ‬ولعل‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬أمام‭ ‬البلدين‭ ‬هو‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬بوعي‭ ‬براغماتي،‭ ‬يضمن‭ ‬المصلحة‭ ‬المشتركة‭ ‬ويجنب‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المزاد‭ ‬السياسوي‭ ‬الرخيص‭.‬

تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"