لا يمكن فهم التفاوت الاجتماعي بوصفه مجرد خلل اقتصادي أو فشل في توزيع الموارد، بل هو تعبير عن علاقات قوى غير متوازنة، وعن منظومة إنتاج اجتماعي تُكرس الامتيازات وتعيد إنتاج الإقصاء.
فشل السياسات العمومية في ضمان العدالة الجبائية والإنصاف المجالي خلق بنية هشّة تُهدد التماسك الاجتماعي، وتُقوّض الثقة في المؤسسات، بل وتُضعف الرابط الوطني ( الذي كم نحن في حاجة إليه أكثر من أي وقت مضى) والمواطنة.
التفاوت كقضية سياسية وأخلاقية
التفاوت لم يعد مجرد رقم في تقارير التنمية، بل قضية أخلاقية تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية وحق الأفراد في المساواة والفرص. إن استمراره يُعزز الشعور باللاجدوى، ويفتح الباب أمام أشكال من الاحتقان، والعزوف، بل والتطرّف أحيانًا، مما يجعل مواجهته واجبًا جماعيًا يتجاوز المقاربات الاقتصادية التقنية.
الجامعة الشعبية: تمكين من القاعدة
في هذا السياق، جاءت الجامعة الشعبية المغربية منذ 2017 كمبادرة مدنية تسعى إلى تمكين المواطنين معرفيًا ونقديًا، وتحرير الوعي من التبعية. تقوم فكرتها على الربط بين المعرفة والمواطنة كحق من حقوق الإنسان، عبر إشراك كل فئات المجتمع، خصوصًا النساء والشباب، في بناء فهم نقدي للواقع، وتدريبهم على الفعل المدني المسؤول. ليست الجامعة بديلاً عن المدرسة، لكنها رافعة ثقافية توعوية، واجتماعية تستند إلى الذاكرة الجماعية، وإلى بناء وعي جماعي نقدي و حر.
المشاركة السياسية المواطنة: نحو ديمقراطية حقوقية
في قلب أي مشروع للتحرر والمساواة، توجد المشاركة السياسية المواطِنة، التي لا تكتفي بالتصويت والنجاح في الانتخابات، بل تمتد إلى التتبع والمساءلة والمبادرة. هذا النمط من المشاركة، إذا تأسس على مبادئ حقوق الإنسان، يُعيد السياسة إلى معناها النبيل: خدمة الصالح العام.
فالتحول الديمقراطي لا يُختزل في التداول على السلطة وتقلد المهام المجالس الترابية والبرلمان، بل في إرساء ثقافة سياسية تجعل من الكرامة والعدالة والحرية أسسًا للمواطنة، وتساهم في تعزيز المؤسسات وتكريم أسس دولة الحق والقانون.
"الطريق الرابع": أفق بديل من داخل المجتمع
ضمن هذا المنظور، يُطرح مفهوم "الطريق الرابع" كمشروع اجتماعي مواطن بديل، يُعارض من جهة اقتصاد الريع ومنطق الامتيازات، ومن جهة أخرى نخبًا حزبية فقدت صلتها بالمجتمع.
"الطريق الرابع" ليس وصفة جاهزة، بل رؤية منبثقة من قاع المجتمع، من نضالات الطبقة الوسطى والحاشية السفلى، تؤمن بأن التغيير يبدأ من الأسفل، عبر ديمقراطية تشاركية واقتصاد تضامني وعدالة مستدامة بيئيًا ومجاليًا واجتماعيًا.
نحو مجتمع العيش المشترك والتحرر
في الختام، فإن مواجهة التفاوت الاجتماعي لا تنفصل عن مشروع تحرري أوسع، يُراهن على الإنسان المواطن، العارف بحقوقه، والمشارك في صياغة مستقبله. وهو ما يتطلب الاستثمار في التعليم كبديل أولا وأخيرا، ثم في الثقافة النقدية، والفعل المدني والتطوعي، من أجل بناء مغرب المستقبل، مغرب يقوم على التضامن، التعدد، والعيش المشترك.
المصطفى المريزق، مؤسس الطريق الرابع
