Sunday 27 July 2025
كتاب الرأي

عبد الحي السملالي: من رمزية التأسيس إلى بيروقراطية التمكين.. أزمة الشرعية في اليسار المغربي

عبد الحي السملالي: من رمزية التأسيس إلى بيروقراطية التمكين.. أزمة الشرعية في اليسار المغربي عبد الحي السملالي
في المغرب، هناك لحظات لا تُنسى لأنها كانت تأسيسية لا على مستوى التنظيم فحسب، بل على مستوى المعنى. علي يعتة في الأربعينيات، ثم عبد الرحيم بوعبيد في الستينيات، لم يكونا مجرد زعيمين، بل حاملين لمشروع أخلاقي يتحدى منطق الهيمنة ويعيد بناء الشرعية من القاعدة. اليوم، أمام تعديل النظام الأساسي لحزب الاتحاد الاشتراكي لتمكين إدريس لشكر من ولاية رابعة، لا نواجه مجرد حدث داخلي، بل لحظة سياسية تكشف عن أزمة الشرعية في بعدها الرمزي والأخلاقي.
 
اللحظة المؤسسة: يعتة وبوعبيد كمنشئي شرعية مضادة
كان علي يعتة يعيش خارج الشرعية القانونية لكنه داخل شرعية الجماعة السياسية التي تُنتجها المقاومة، تمامًا كما وصف كارل شميت “اللحظة الاستثنائية”، حيث يولد القانون من الخرق. يعتة بهذا المعنى لم يكن زعيمًا حزبيًا فقط، بل مفكرًا في التأسيس السياسي من داخل الهامش، أو السجن، كما تُشير إليه حنة أرندت في تحليلها لقدرة الفعل على البدء.
 
وبنفس الروح، حمل بوعبيد مشروعًا تأسيسيًا، جسّده في حكومة عبد الله إبراهيم وفي وثيقة “الاختيار الثوري”، حيث تحررت الفكرة من التبعية واستعادت مفهوم الدولة كأفق للتفاوض الاجتماعي والاقتصادي، لا مجرد جهاز للضبط.
 
من المؤسسة إلى التموقع: ولاية رابعة ونفي المشروع
في ظل قيادة إدريس لشكر، اتخذ الاتحاد الاشتراكي مسارًا يُعيد إنتاج الهياكل لا الشرعية. التعديل المتكرر للنظام الأساسي - أولًا للولاية الثالثة، ثم للولاية الرابعة - لا يُعبّر عن دينامية جماعية، بل عن تمركز الشرعية حول الفرد. المادة 217 مثلًا، تم تعديلها لفتح الباب أمام تمديد القيادة “إذا اقتضت المصلحة العليا”، وهي صيغة غامضة تحوّل المصلحة من جماعية إلى شخصية.
 
بهذا، تتحول المؤسسة من أفق تأسيسي إلى أداة إدارية، وتُصبح اللحظة التأويلية وسيلة للتموقع، لا للتمدد الأخلاقي. يُمكن هنا قراءة ما يحدث كنوع من “الهيمنة الشكلية”، حيث يُفرَغ النص التنظيمي من روحه، ويُعاد توظيفه لخدمة الاستمرارية لا التجديد.
 
النزوح الرمزي نحو التقدم والاشتراكية: بحث عن شرعية بديلة
وسط هذا الانحدار، يبرز حزب التقدم والاشتراكية كمأوى رمزي. ليس لأنه يُمثّل الحل، بل لأنه يحتفظ — ولو شكليًا — ببعض الانضباط التنظيمي وآليات القرار الجماعي. النزوح الرمزي من الاتحاد الاشتراكي نحو PPS لا يعني تأسيس حزب جديد، بل إعادة التموضع داخل فضاء يُنظر إليه باعتباره أكثر أخلاقية أو صدقية.
 
وفي هذا السياق، يُمكن قراءة PPS كمحاولة لاستعادة غرامشي عبر إنتاج مثقفين عضويين من داخل مؤسساته مثل مركز عزيز بلال، في مقابل نموذج الاتحاد الاشتراكي الذي فقد قدرته على التأطير الثقافي.

إعادة تعريف المشروع اليساري: من الخطاب إلى الفعل
في لحظة تتسم بصراع بين لشكر وبنعبد الله حول ملتمس الرقابة، تتجلى هشاشة المعارضة اليسارية، وتظهر الحاجة إلى مشروع يُعيد وصل ما انقطع: بين الفكرة والممارسة، بين الشرعية والرمزية، وبين المثقف العضوي والتاريخاني. هل يمكن أن يتحول PPS من ملاذ مؤقت إلى حامل لمشروع جديد؟ وهل يمكن استعادة روح بن بركة، عقلانية بوعبيد، صلابة يعتة، دون السقوط في مثالية العروي أو براغماتية التموقع؟
 
السياسة، في معناها الأعمق، ليست فقط فن الممكن، بل التزام أخلاقي وقدرة على البدء، حتى من داخل السجون التنظيمية لا المؤسسات الرسمية. وربما تكون ولاية رابعة هي الفرصة -لا لإنهاء القصة - بل للبدء في سردية مضادة، تُعيد للسياسة معناها الذي نسيته الأحزاب.