Friday 27 June 2025
منبر أنفاس

محمد قمار: لست عدميا... أنا صانع الأمل

محمد قمار: لست عدميا... أنا صانع الأمل محمد قمار
من يعرفونني عن قرب يدركون جيدا أنني لا أضع على عيني نظارات سوداء، لا في السياسة ولا في المجتمع، ولا في التربية ولا في ما يهم الوطن من قضايا مصيرية. إنني ببساطة لست عدميا، ولا أراني يوما كنت من أنصار ذلك الخطاب القاتم الذي لا يرى إلا الخراب واللاجدوى. بل إن جوهر اختياري، ومنهجي في الحياة والممارسة، يقوم على الإيمان بالتحول الممكن، والبناء المشترك، والنقد الممزوج بالمسؤولية.
 
حين يتعلق الأمر بقضايا الوطن، لا أتوانى عن أن أكون صريحا، مشاكسا، مزعجا، بل حتى صلبا في تشخيص الأعطاب وكشف الاختلالات التي تنخر بعض السياسات العمومية وتضعف أداء المؤسسات. أرفع صوتي لأنني أرفض الصمت حين يُساء للوطن باسم التدبير، أو حين يُغتال الأمل باسم الواقعية القاتلة، أو حين تُرفع شعارات المعارضة كقناع لأجندات لا تبني بل تبتز.
 
لكن مشاكستي ليست عبثية، ولا هجوميتي مزاجية. فأنا لا أكتفي بوصف العطب، بل أقترح مسارات للإصلاح. لا ألوح بالمطرقة في وجه كل شيء، بل أمد يدي ما استطعت، لأنني أومن أن المسؤولية جماعية حين يكون الوطن في الميزان. حين تكون الطفولة مهددة، أو الشباب مهمشا، أو التعليم محتضرا، أو الصحة تئن، لا أنحاز لصفوف المتفرجين، بل أنخرط، بصفتي فاعلا مدنيا، في المعركة. لا أركن إلى مقعد المعارضة "المريح"، ذلك الذي لا يتطلب سوى التلويح بشعارات غاضبة وانتقاد كل شيء دون تقديم بديل... لست عدميا.... ولست طيعا... تابعا... ولست: طبالا" أنا لا أعمل إلا في بيئة الأمل.... لأني أدرك أن العدمية لا تبني الأوطان...وتنشر التطرف... واليأس... وعدوي هو اليأس.... لأنني جندي متطوع مدني في جبهة مواجهة التطرف... وكثيرا  ما اكتشفت... أنه حيث يوجد اليأس والعدمية... تبنث الأعشاب الطفيلية التي تتنفس الظلام والكراهية والتطرف....
 
الاختلاف جميل... لكني بناء حين يكون إجماعا حول الأمل... لا تخفيه  مصالح خفية.... فكثير من السباحة المضادة مفضوحة النوايا السيئة.
 
أسهل شيء هو الهدم، أسهل شيء هو الصراخ، أسهل شيء هو الاصطفاف العدمي تحت لافتة "كل شيء خراب"، لكن الأصعب ـ وهو خياري ـ أن تنقد وأنت تبني، أن تشخص وأنت تقترح، أن تكون صارما لا لكي تُجهز، بل لتُصلح. لذلك، فإن منهجي قائم على مبدأين اثنين: تسليط الضوء على النقاط المضيئة التي يجب تثمينها، وكشف نقاط الضعف التي يجب علاجها. فليس كل شيء أسود في هذا الوطن، وليس كل شيء أبيض كذلك. الحياة بين الظلال والضياء، والحكمة في التمييز بينهما لا في نكران أحدهما لصالح الآخر.
 
النقد، في فلسفتي، ليس عملية جلد جماعي، وليس حفلة لإذلال المؤسسات ولا اغتيال منجزات تحققت رغم كل العراقيل. بل هو دينامية مدنية بنائية، تشاركية، اقتراحية، تفاوضية. إنه جهد جماعي لتقويم الأداء وتصويب المسار وتغذية الحاضر بممكنات المستقبل. ولا يصح أن يتحول النقد إلى خطاب يأس، إلى أداة تشكيك جماعي، أو إلى ذريعة لإنتاج عدميات جماهيرية لا تنتج سوى مزيد من العجز والإحباط.
 
أنا صانع الأمل، نعم. وأقولها دون تردد. لا لأنني أحمل نظارات وردية، ولا لأنني أعيش في وهم زائف، بل لأنني أومن بأن في هذا الوطن رجالا ونساء يشتغلون بصدق في الظل، يضحون كل يوم، يبنون بإمكانات محدودة، يتشبثون بأمل لا يموت. حين أنقد، لا أنسى ما تحقق، بل أضعه في الميزان، وأراهن على تطويره، على تعميقه، على إعادة بنائه. لأن الوطن لا يُبنى بلغة الكراهية ولا بمنطق الرفض المزمن، بل بلغة الشراكة الحقيقية بين المواطن والمؤسسات.
 
أقولها بوضوح: الوطن تُغتاله النظارات السوداء، ويُذبح حين يتحول خطاب "العدالة" إلى وسيلة للابتزاز، ويُسمم حين يُحتكر صوت المعارضة من قبل من لا يريدون سوى تقويض المشترك الوطني باسم "الرفض". لا شيء أخطر على الوطن من معارضات لا تقترح، من نخب لا تنخرط إلا حين يُطلب منها أن تهدم، ومن إعلام لا يرى سوى الأخطاء.
أنا قاس؟ نعم، حينما يتعلق الأمر بكشف الفساد والاختلالات والتواطؤات، أكون قاسيا، لا بالمزاج، بل بمنطق الإصلاح. قاس لا بخطاب لغوي متشنج لا يرى غير الأسود، بل برؤية تفرق بين المسؤولية والمزايدة، بين النقد والبتر، بين المواجهة من أجل البناء، والمواجهة من أجل التموقع.
 
أرفع قبعتي لكل صناع الأمل، أولئك الذين يرفضون توقيع شيكات بيضاء، الذين ينتقدون ببصيرة، لا بغرض التصدر، بل من أجل البناء. أولئك الذين يعترضون على الإخفاق ولكن لا يخاصمون الأمل، الذين لا يطلبون السلطة بقدر ما يطلبون الفعالية، الذين يفكرون في الأجيال القادمة لا في صورهم على الشاشات.
 
ليس الوطن بحاجة إلى المزيد من الصراخ، بل إلى مزيد من الوضوح. ليس بحاجة إلى هدم متواصل، بل إلى رؤية نقدية تبني وتحصن وتقوّم. لهذا أقولها مجددا: أنا لست عدميا... أنا صانع الأمل.