ساهمت أزمة التغيرات المناخية في تعطيل برامج وأجندات دول وحكومات تبدي محاولات قدر الإمكان بنسب متفاوتة لتفعيل المقاربة البيئية، بعد أن تأثر على إثرها المزاج البشري، غالبية الدول لم تكسب سياسة واضحة لتحقيق الالتزام بأجندة محددة للتقليل من الانبعاثات الغازية وتخفيض كلفة التلوث الصناعي، محتفظة بقاسم مشترك في تأجيل السياسات الفاعلة اتجاه البيئة والتنصل من المسؤولية اتجاه قهر الطبيعة.
لم ينج أي جزء من عالمنا من حالة التذمر والأعراض المضطربة، حرائق مسعورة باليونان وكندا والبرتغال، عواصف بالمكسيك والصين، عاصفة هيلاري بجنوب كاليفورنيا، صيف ملتهب بالمملكة المتحدة. هي ظروف أصبحت لها كلفة على التوازن الطبيعي بل تهدد الاشتغال العادي لتجهيزات بديلة مبتكرة كالمحطات النووية بعد وصول درجات الحرارة إلى مستويات قياسية جديدة.
انتشر الدمار واتسع نطاق الكوارث الطبيعية، طوفان مباغت أو حرارة شديدة غير اعتيادية عطلت أغلب الاقتصادات لحكومات كانت تعاني الامرين لتحدي توفير ما يكفي من الطاقة لتلبية الطلب المتزايد على تكييف الهواء، نتيجة موجة الحر الغير العادية التي ضربت منطقة البحر الأبيض المتوسط صاحبه النقص الحاد في مادة الماء!
فهل هي انتفاضة كوكب الأرض ضد عقوق البشر؟
لعله من الطبيعي أن تكون هده الظواهر الجديدة، نتيجة تلقائية للتغيرات المناخية، في حين لم تتخذ ردود فعل حازمة بل اتسمت بنوع من التهاون في مواجهة أزمات مناخية وباعتماد سياسة انتهازية على حساب التوازنات البيئية، مما سيعجل لا محالة بكارثة طبيعية قد لا يمكن تقييم حجم انعكاساتها لا على الطبيعة ولا على الانسان.
ربما قد نلاحظ على مر السنوات الأخيرة تحركا لجل دول العالم لإبداء رغبة اكيدة مضاعفة لمكافحة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الغازية الضارة، حيث تم تنظيم العديد من التظاهرات والقمم الدولية، منذ اتفاقية باريس لعام 2015 حتى قمة باكو بأذربيجان، التي اعتمدت ارقاما للحد من انبعاثات الغازات المسيئة للإحتباس الحراري لحماية الأرواح وتامين العيش على هذه الأرض في سقف 2035، حيث ناشد الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس جميع مسؤولي الدول والحكومات أن تأخذ هذا الاتفاق مأخذ الجد لبناء المستقبل.
مع الأسف لم تكن درجة الالتزام بقرارات القمم وتفعيل السياسة الخضراء على المستوى الدولي أو المحلي تراعى بحزم، قد تختلف الاجراءة من بلد إلى آخر لأغراض سياسية.
بعض الدول اتخذت إجراءات قوية ملزمة لتحقيق أهداف مستدامة لتقليص هذه الانبعاثات، بينما قد تواجه بعض الدول تحديات في تنفيذ السياسات البيئية بسبب عوامل مختلفة مثل الاقتصاد والتشريعات المحلية والتحديات التنموية، إلا أن جل الإجراءات المتخذة في مواجهة سياسات القطاع العمومي أو القطاع الخاص تنقصها الإرادة والفعالية لتحقيق مؤشرات وأرقام مشجعة هادفة.
في ظل أوضاع غير مستقرة توازيها قرارات غير ملزمة فتطورها مستمر وتغير حجمها مؤكد بمرور الوقت قائم لذلك الحاجة مستعجلة ليواجه الفاعل المسؤول حقيقة كلفة قراراته ليستوعب بشكل دقيق ومفصل الوضع المتردي قصد الحزم واعتماد الاآليات العصرية بحذر اليات ومصادر موثوقة تضمن الإستدامة مع الالتزام بقرارات القمم وتبني السياسات الخضراء على المستوى المحلي في كل القطاعات الحيوية.
بالرغم من المحاولات البئيسة للمجتمع الدولي كي تكون كل القمم الدولية محطات لها بصماتها تضع أجندات ومؤشرات ملزمة لتخفيض الانبعاثات الغازية، إلا أن المعدلات لم يتقلص منسوبها ولو بشكل نسبي، في غياب إرادة حقيقية لتنزيل العدالة المناخية.
فكيف يا ترى يمكن تفسير قرار بعض الدول كابريطانيا والجزائر الاستثمار في البحث عن أبار جديدة للغاز والبترول؟
الا يشكل الاستثمار في الوقود الأحفوري تناقضا صارخا وتنصلا من الالتزامات البيئية؟
مادام ارتفاع سعر أي مادة يشجع الاستثمار فيها؟
هل وظيفة هه الحكومات مقرونة فقط بالحرص على إرضاء وخدمة قطاعها الخاص؟
في الحقيقية إن كلفة تخفيض هذه الانبعاثات الغازية في ظل أوضاع متحولة وغير مستقرة تبقى شبه مستحيلة، تلازمها تكلفة زمنية ومادية مرتفعة.
بعيدا عن هذه الأرقام المحبطة وبنبرة من التفاؤل لابد من الإشارة أن نسبة الأموال التي بدأت تتدفق على قطاعات الطاقة المتجددة بمعدلات قياسية تمثل طفرة تاريخية تعطينا أمل في المستقبل ببداية الوعي البيئي، استثمارات هائلة في الطاقة المتجددة تصاعدت بنسبة مذهلة بلغت 22 في المئة ، كمحطات نور للطاقة الشمسية (1-2-3 ) والكابل البحري لتزويد بريطانيا بالكهرباء)، مشاريع طاقة الرياح في مناطق متفرقة في الشمال أو الصويرة في حين أن دعم مالي جديد بدا يمتد إلى مجالات أخرى مثل الطاقة النووية واستغلال طاقة حرارة الأرض.
لقد بدأ قطاع تمويل المناخ الناشئ في التبلور. لكن مع كل كارثة جديدة، يعاد ضبط المعايير والأهداف مرة أخرى يتفاقم هذا الصراع مع الزمن بسبب العواقب الدائمة للتلوث الذي سبق أن أطلقناه في الغلاف الجوي.
من المؤكد أنه على رغم مرور أعوام على نشوب أسوأ أزمة "كوفيد" التي أدت إلى تعطيل الاقتصاد العالمي واحداث ارتباك مزمن على جميع المستويات، فإننا لم نستوعب الدرس بعد من القواعد التنظيمية الخاصة بالاحتماء في المنازل ومراجعة بعض السلوكيات المكلفة.
لا شك أن النهج بقي غير واضح ولا متكامل مع مشاريع تعويض الكربون لأن مواقف بعض الدول لم تكن ملتزمة بالتعهدات ولا بتحقيق المؤشرات ومن تم تراهن على الاستنجاد بالعلوم والتكنولوجيا لا يجاد حلول تقنية بديلة لتقنيات تجهل مضاعفاتها فتقتصر على الإشادة والتركيز على التربية البيئية.
أليس للقرارات السياسية كلفة على استدامة الحياة على هذه الأرض؟
هل الاستثمار المكثف في الطاقة الشمسية وقوة الرياح تنم عن وعي بيئي ام مجرد موضة عصر؟
متى يستوعب الإنسان أنه ابن هذه الطبيعة؟