د.عبد السلام أندلوسي( يمينا)، وسفير إسبانيا بعد المحاضرة الافتتاحية.. "عدسة: نادي اللغات والتواصل الحضاري بكلية أصول الدين بتطوان"
ترأس الدكتور بوشتى المومني، رئيس جامعة عبد المالك السعدي، الخميس 28 نونبر 2024، أشغال المحاضرة الافتتاحية للموسم الجامعي 2024 / 2025، التي ألقاها سفير المملكة الإسبانية في الرباط، إنريكي أوخيدا فيلا، في إطار أنشطة ماستر"المغرب، إسبانيا وأمريكا اللاتينية: التدبير الثقافي، التواصل والدبلوماسية"، التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية.
وإذا كانت المحاضرة، مثلما أكد الدكتور بوشتى المومني،"تندرج في إطار جهود جامعة عبد المالك السعدي لتوسيع آفاق التعاون مع نظيراتها الإسبانية، عبر برامج مشتركة للتبادل الطلابي والبحث العلمي وتبادل الخبرات الأكاديمية، من أجل الارتقاء بمستوى التعليم وتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعبين". فإنها بحسب رأيي المتواضع إعلان صريح من الجامعة المغربية، من خلال جامعة عبد المالك السعدي، لانطلاقة جديدة وحقيقية لعلاقات وطيدة وسليمة، تتأسس على الاحترام المتبادل، وذات أفق مشترك، يستحضر ما يقرب بين البلدين، أكثر مما يبعد بينهما. وهي إلى جانب ذلك، إرادة صادقة من الجامعة المغربية، لاستحداث تكوينات جامعية تتماشى وهذا الأفق، من خلال تكوين كوادر متخصصة في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين. كما أنها تعبير صارح من المجتمع المغربي، أن المغرب وإسبانيا كلاهما ينتمي إلى حضارة مغربية إسبانية لا تؤمن بازدواجية الخطاب السياسي والإعلامي في البلدين.
إن حنكة هذا الدبلوماسي، الأندلسي، المنحدر من مدينة إشبيلة، والذي راكم تجربة ديبلوماسية مميزة في دول أمريكا اللاتينية، ساعدته على تأطير محاضرته بخمسة مداخل أساسية متباعدة، من جهة، فيما بين بعضها البعض، عن الملفات التقليدية العالقة بين البلدين، ولكنها، من جهة ثانية، تتقاطع كلها حول ثلاثة عناصر أساسية، تقرب أكثر بين البلدين، وهي السلام والتسامح والانتماء إلى حضارة واحدة هي الإنسانية.
بهذا المعنى، أظن أن معالي السفير، بقدر ما كان في هذه المحاضرة، القيمة، رجل دبلوماسية بامتياز، فقد كان كذلك رجل تواصل مميز، إذ اعتمد خطابه على لغة إسبانية بسيطة تقترب من فهم العامة من الناس، فضلا عن أن محاضرته لم تتعد ال15 دقيقة، كان مصيبا فيها وهو يتناول عنصرا بعنصر، المداخل الأساسية التي أطرت مداخلته.
المدخل الأول: هو الموقع الجغرافي للبلدين الذي يفصل بينهما مضيق جبل طارق، وهو موقع استراتيجي إقليميا ودوليا، ولا يفصل بين البلدين بقدرما هو جسر يقرب بين ثقافتين ضاربتين بجذورهما في أعماق التاريخ. "إن هذا المضيق"، يقول معالي السفير،" يؤثر فيما هو ثقافي يجمع بين البلدين بامتياز، وهو إلى جانب ذلك مرجع للعالم شاهد على مثانة العلاقات بين البلدين والتعاون بينهما، وأحسن مثال على ذلك"، يؤكد معالي السفير،"، مستوى التعاون القائم بين مينائي طنجة المتوسط والجزيرة الخضراء، وأهميتهما الاستراتيجية في مجال الملاحة الدولية، فضلا عن المستوى الجيد في مجال التعاون الأمني بين البلدين للتصدي لمختلف أشكال التهريب والأنشطة الغير قانونية التي يعرفها المضيق".
المدخل الثاني: هو ملف الهجرة، الذي ، بحسب رأيي، تناوله إنريكي أوخيدا فيلا، بشكل واقعي. فبعدما ذكر أن الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا هي الأولى من حيث تعدادها الذي يتخطى عتبة المليون مغربي ومغربية، سجل الدور الإنساني التضامني والتطوعي الذي قامت به الجالية المغربية خلال الفيضانات الأخيرة التي ضربت منطقة فالينسيا. ولم يفته في هذا الجانب، التذكير بأن جلالة الملك محمد السادس، هو أول من بادر بعرض مساعدة المملكة المغربية على إسبانيا. وقال معالي السفير:" لقد أضافت الجالية المغربية الشيء الكثير لإسبانيا والمجتمع الإسباني على وجه التحديد".
أما في مجال التبادل الثقافي، وهو المدخل الثالث الذي تناوله إنريكي أوخيدا فيلا، معتبرا أن وجوده تتداخل فيه عناصر عدة، ذكر منها في مرحلة أولى المجال السياحي. فقد سجل التنامي السنوي المتزايد للسياح المغاربة نحوإسبانيا كوجهة أولى مفضلة لذيهم، وأن السنة الماضية سجلت وصول حوالي أكثر من 500 ألف سائح وسائحة مغربي ومغربية إلى إسبانيا، وهو ما يعد شكلا من أشكال التبادل الثقافي حسب رأيه. أما العنصر الثاني، فيعكسه في هذا الجانب، العدد المهم من الطلبة المغاربة المسجلين بمختلف مؤسسات التعليم العالي الإسباني في شتى الحقول والتخصصات المعرفية، وهو بحسب رأي معالي السفير، يعد شكلا من أشكال توطيد العلاقات بين البلدين على المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي. فيما العنصر الثالث الذي ذكر به، هو دعوته إلى تعلم اللغة الإسبانية التي بحسب معطياته "يوجد اليوم أكثر من 23 مليون شخص في العالم يتعلمونها"، فضلا عن أهمية الحركية الجامعية ودورها في توطيد العلاقات بين البلدين.
وضمن هذا السياق؛ ثمن الدور الذي تلعبه جامعة عبد المالك السعدي في هذا المجال، مشيرا إلى أنها تعتلي منبر الصدارة في إثراء هذا المستوى من التعاون، الذي دعا إلى ضرورة أن يتنامى.
أما المدخل الرابع، وهو المدخل التاريخي، فقد قفز فيه معالي السفير، عن عدد من القضايا العالقة بين البلدين، مركزا على ما يقرب وجهتي النظر بينهما، مشيدا بالدور الذي لعبته شخصيات ذاع صيتها عالميا، تنتمي ثقافيا إلى هذه الحضارة الإنسانية، المغربية الإسبانية، التي يربط بينها جسر المضيق. ومن هذه الشخصيات ذكر؛ الشريف الإدريسي وإبن بطوطة وخوان كيتيسولو الذي أقام وعاش في مراكش وطنجة .... وآخرون. واعتبر في هذا الجانب، أن ما يجمع البلدين تاريخيا أكثر مما يفرقهما.
أما المدخل الخامس الذي تناوله معالي السفير، هو الجانب الاقتصادي، الذي بحسب رأيه يختزل قطاعات أساسية ذكر منها، التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الطاقة، بحيث تعتبر إسبانيا من الدول الرائدة عالميا في إنتاج الطاقة الكهربائية ذات الضغط المرتفع. أما القطاع الثاني، فهو مجال الاستثمار و التبادل التجاري بين البلدين. وضمن هذا السياق أكد معاليه أن إسبانيا تعتلي منبر الصدارة، أوروبيا، في الاستيراد والتصدير من وإلى المغرب، فضلا عن أن نسبة مهمة من المستثمرين الإسبان يفضلون الاستثمار في المغرب. أما القطاع الثالث، فهو القطاع الرياضي، الذي بحسب رأي معالي السفير إنريكي أوخيدا فيلا، فقد تحول إلى أداة من الأدواة المعمول بها في المجال الدبلوماسي بشكل عام، ودبلوماسية كرة القدم تحديدا من الدبلوماسيات التي يعشقها.
واعتبر أن حدث التنظيم المشترك لمونديال 2030 حدثا تاريخيا، نظير أنه يجمع بين قارتين، ويضم ثلاثة دول يربطها تاريخ مشترك، وما يميزه هو كونه الملف الوحيد الذي ترشح لتنظيم هذه المحطة العالمية للعبة كرة القدم.
الدكتور عبد السلام أندلوسي/ أستاذ الإعلام والتواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان