الاثنين 29 إبريل 2024
اقتصاد

شوقي يرد على غالي: المملكة نموذج بأفريقيا وOCP مفخرة المغرب

شوقي يرد على غالي: المملكة نموذج بأفريقيا وOCP مفخرة المغرب سمير شوقي، رئيس مركز أوميغا للأبحاث الاقتصادية
تنشر "أنفاس بريس" مقالا من توقيع سمير شوقي، رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية، حيث يُناقش عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بخصوص ما ورد على لسان هذا الأخير في خرجة إعلامية له مؤخرا، حول المغرب الإقتصادي والجيوسياسي:
 
هكذا ينجح المغرب إفريقياً
في الجانب الجيوسياسي تم الحديث عن "تراجع الدور المغربي بأفريقيا" في إشارة لما بعد العودة للإتحاد الإفريقي مع التعليل ب"غياب تمثيلية المغرب من  هياكل الإتحاد الإفريقي"لكن الواقع مُخالف تماماً.

1- لابد من التذكير بسياق عودة المغرب للإتحاد الإفريقي بعد غياب دام أزيد من 32 سنة. وبخلاصة أُذكر أن إلقاء الخطاب الملكي يوم 30 يناير2017 بقاعة نيلسون مانديلا بمقر الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا جاء كتتويج لمجهود ديبلوماسي مُضني دام حوالي خمسة عشر سنة.
في المُحصلة أيدت 42 دولة عودة المغرب للإتحاد. وبذلك استطاع المغرب تشكيل كتلة داخل هياكل الإتحاد الإفريقي بدأت بعزل رئيس لجنة السلم والأمن الجزائري اسماعيل الشركي الذي وضف هذه اللجنة لمدة سبع سنوات لمحاربة الوحدة الترابية. واستطاع المغرب منذ عودته أن يؤمن عضويته في هذه اللجنة الجد هامة ثلاث مرات بل ترأسها كذلك ثلاث مرات وهو الرئيس الحالي للجنة. فقد سبق للمغرب أن ترأس هذه الهيئة في شتنبر 2019 خلال عضويته الأولى (2018-2020) وفي أكتوبر 2022 خلال عضويته الثانية ومنذ فبراير 2024 خلال ولايته الثالثة  (2022-2025).
وبالأرقام، فخلال الولاية الثانية، على سبيل المثال،تم عقد ما مجموعه 61 اجتماعاً وإخراج 58 خلاصة صبت كلها اتجاه معالجة إشكاليات أمنية موحدة بين الدول الأفريقية و محاربة الإرهاب و حماية المواطن الإفريقي، بحيث تم تحييد موضوع الصحراء بشكل نهائي وجعله اختصاصاً أمميا بشكل انفرادي. الخلاصة، وبخلاف ما تم ذِكره تماماً، فإن المغرب حقق مكاسب كبيرة بدعم من حلفائه التقليديين والدفع بعدد من الخصوم التاريخيين في المعسكر الأنغلوساكسوني نحو الحياد الإيجابي كإثيوبيا ونيجيريا ورواندا وغانا و الذين صارت تربطهم مع المغرب مصالح اقتصادية كبرى.

2-  إن المشروع المغربي الأطلسي مشروع واعد، صحيح أنه صعب ولكن ليس مستحيلاً بدليل أن عدة دول عبرت عن انخراطها فيه خلال مؤتمر انعقد بمراكش لهذه الغاية. وبعيداً عن حلفاء المغرب التقليديين بغرب أفريقيا، عبرت العديد من دول الساحل، وهي دول لها علاقات تاريخية مع الجزائر، عن حماسها  لهذا المشروع وعلى رأسها مالي وبوركينافاسو والنيجر، وهي الدول التي ذكر السيد غالي أنها عرفت انقلابات و ابتعدت مواقفها عن المغرب فيما العكس هو الصحيح. لقد تعامل المغرب مع هذه الدول بذكاء وتواصل مع حكامها واستقبل رئيس حكومة النيجر في زيارة رسمية مما جعل الجزائر تفقد أعصابها وقامت برد فِعلٍ دفع علاقاتها مع هذه الدول للتشنج بل حتى القطيعة مثل ما وقع مع مالي و التفاصيل الكل يعرفها. في المُحصلة اليوم أن علاقات المغرب مع دول الساحل هي أفضل مما كانت عليه سابقاً و إن لم تكن سيئة ما قبل الإنقلابات. للإشارة وبخلاف ماتم قوله فالكونغو التي لم يتم تحديد هل  الديموقراطية أم برازافيل فإن أيٍ منهما على كل حال لم تعرف أي انقلاب وعلاقتهما مع المغرب تاريخية و جيدة  ومازالت كذلك.

3- لاشك أن دور المغرب بين الفرقاء في ليبيا فيما اصطلح عليه اتفاقيات الصخيرات كان حيادياً و كان هدفه لم شمل الليبيين و هذا موثق بلسان كل الفرقاء الليبيين الذين ثمنوا هدا الدور المغربي. المملكة المغربية لم يكن لديها أي التزام بضرورة الوصول لاتفاق نهائي بقدر ما تعهدت بتوفير ظروف حوار مباشر بين الطرفين في وقت لم يكن بينهما أي اتصال. و اليوم المغرب يضع نفسه على نفس المسافة بين الطرفين و ليس لديه أي مشكل مع أي منهما بخلاف ما تم ادعائه.

نيجيريا وOCP  و أمور أخرى
في الجانب الإقتصادي هناك عدة نقط التقطتُ بعضها وها هو موقفي مما قيل.

1- بخصوص مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، تم القول أن المشروع يعرف صعوبات بعد الإنتخابات في نيجيريا، والحال أن رئيس نيجيريا  الجديد أحمد أديكونلي تينوبو  بادر مباشرة بعد انتخابه للإعلان، عبر تويتر، عن والمشروع تم تلقى اتصالاً هاتفياً من طرف الملك محمد السادس تأكيداً على استمرارية العلاقات الثنائية  والسعي  على تعزيزها وعلى راسها مشروع أنبوب الغاز الذي عرف دينامية جيدة خلال الأشهر الأخيرة حيث أعلنت عدة دول انخراطها في المشروع وكان آخر الملتحقين كوت ديفوار وليبيريا وغينيا والبنين الذين وقعوا في مقر المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بلاغوس مذكرة تفاهم مع المغرب ونيجيريا وهي تتمة المذكرات الموقعة في العام 2022 من موريتانيا و السينغال وغامبيا  وغينيا بيساو و سيراليون وغانا، وحضرها عن الجانب المغربي أمينة بنخضرا المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات و المعادن. و هذا يدل على  التزام كل الأطراف بهذا المشروع الإستراتيجي الذي سيعزز تسييل الغاز الطبيعي للبلدان الإفريقية وسيوفر طريق تصدير بديل جديد لأوروبا.
وقبل أيام فقط، قال رئيس الشركة الوطنية النيجيرية للبترول NNPC، ميلي كياري، خلال مشاركته بملتقى دولي بهيوستون الأمريكية "إن الخطة النهائية للإستثمار بخصوص هذا المشروع العملاق سيتم الإعلان عنها خلال شهر دجنبر من العام الجاري 2024".
وكان  المكتب الوطني للهيدروكاربورات قد أعلن قبل ثلاثة أسابيع عن إنشاء شركة خاصة بالإشراف عن التمويل والأشغال و الإستغلال الخاص بالمشروع. وعلاقة دائماً بالعلاقة الثنائية بين البلدين والقول "أن المغرب لم ينجح في كسر تحالف الجزائر-جنوب افريقيا-نيجيريا" مردود عليه على اعتبار أن نيجيريا اختارت منذ عشر سنوات مصالحها الإقتصادية على التكتلات الإيديولوجية وأصبحت في حِلٍ من هاته الأخيرة. وفي هذا الإطار عقدت مع المغرب عدة شراكات أبرزها إنشاء مصنع للأسمدة بطاقة مليون طن في السنة وهناك مصنعين اثنين قيد الإنجاز للوفاء بحاجيات هذا البلد ذو ال 220 مليون نسمة من حاجياته الزراعية من الأسمدة، إضافة لشراكات متعددة للقطاع الخاص في البلدين. 

2- دائماً في الشق الإقتصادي، وفي كل الحوارات السالفة الذِكر  يتم إقحام  المكتب الشريف للفوسفاط و ادعاء غياب الشفافية في أنشطته وعدم وضوح مساهمته  في ميزانية الدولة ..الخ. و الواقع أنه كان لابد من وضع سيرورة OCP في سياقها خلال ال 18 سنة الأخيرة و الوقوف بموضوعية عن التطور الكبير الذي عرفته المجموعة في مختلف هياكلها و أنشطتها و شفافيتها، و مقارنة كيف كان المكتب  منغلقاً و مجرد مُسَوِق لخام الفوسفاط و كيف تحول لأول منتج للأسمدة في العالم و الرقم الأساسي في الأمن الغذائي العالمي، بعد ذلك يمكن انتقاده بشكل موضوعي لأنه مؤسسة عمومية و ليس فوق النقد ..الجاد.

أ-  تم الإدعاء أن "OCP لا تعتمد الشفافية في معاملتها لأنها غير مدرجة بالبورصة" بينما الإدراج في البورصة له علاقة بالحاجة لرفع رؤوس أموال في السوق المالي و فتح رأس المال أمام مساهمين من القطاع الخاص والحال أن أي من المؤسسات العمومية المغربية لم تلجأ لهكذا توجه و هذه سياسة عمومية مُبَررة بالحفظ على السيادة على المؤسسات الأكثر حساسية. 
وهذا لم يمنع  OCP من اعتماد معايير الشفافية إذ ينشر الموقع الرسمي للمجموعة www.ocpgroup.ma  الحصيلة المالية بأدق تفاصيلها منذ سنوات، كما يتم نشر هذه الحصيلة فصلياً أربع مرات في السنة في الصحف الوطنية و الدولية (أزيد من 16 صفحة في كل نشرة)، وعدم معرفة ذلك فهو كسل من طرف صاحبه و هو المسؤول عنه. أما القول أن OCP  لا تقدم الحساب للمغاربة عبر ممثليهم بالبرلمان فهو مغالطة كبيرة أو جهل بسير أشغال الجهاز التشريعي. فالبرلمان المغربي يستقبل بشكل دوري مسؤولي المؤسسات العمومية للمكاشفة في اللجن المختصة و ليس في الجلسة العمومية المُقْتصِرة على المؤسسات الدستورية. فقد سبق للجنة مراقبة المالية بالولاية السابقة برئاسة  الصقلي العدوي أن استدعت رئيس OCP  في جلسة دامت أزيد من ثلاث ساعات حضرها 41 برلماني من كل الفرق البرلمانية و تم خلالها و ضع كل الأسئلة على رئيس المجموعة الذي قدم عرضاً مفصلاً لنمو أنشطة OCP منذ العام 2006 و كذلك تم تشريح المساهمة في الميزانية العامة للدولة. و محاضر هذا الإجتماع متوفرة بسكرتارية هذه اللجنة. كما أن المجلس الأعلى للحسابات كان قد أنجز تقريراً مفصلاً عن OCP  تضمن ملاحظات وتوصيات تعهدت المجموعة بتطبيقها وأجابت عن كل الملاحظات نقطة بنقطة. ولأن الأمر مر هنا كذلك بكل شفافية فالتقرير إياه مازال متوفراً على بوابة المجلس الأعلى للحسابات، ومتوفر بنقرة واحدة، وتناولته الصحف الوطنية في حينه بالإخبار والتحليل.

ب-  مساهمة OCP في ميزانية الدولة مهمة جداً على اعتبار أنها من بين أهم القطاعات التي تجلب العملة للمغرب (12,5 مليار دولار سنة 2022) كما ضخت في الميزانية العامة أزيد من 25 مليار درهم، حسب وزير الميزانية، في حينها  إضافة إلى مساهمات غير مباشرة بعدة ملايير درهم على شكل ضرائب مختلفة، كما تساهم المجموعة بشكل فعال في دعم القطاعات الإجتماعية بالعالمين القروي و الحضري، وكل ذلك متضمن في تقرير المسؤولية الإجتماعية للشركة RSE، إضافة إلى كون المجموعة أكبر مشغل بالمغرب بحوالي 22 ألف أجير يضاف إليها حوالي 10 آلاف منصب غير مباشر عبر المناولة والشركاء.

ت- تم التطرق لقضية "موزاييك" بإيحاءات و كأنه تم ضبط OCP مخالفة للقانون، و الواقع أن رائد الأسمدة بالولايات المتحدة "موزاييك" تضايق من الصعود المثير للمجموعة المغربية فاشتكاه لوزارة التجارة بداعي "أن الدولة المغربية تدعم كلفة إنتاج OCP ليخفض السعر في السوق  dumping" وبالطبع تضامنت الوزارة الأمريكية مع "موزاييك" و فرضت على الصادرات المغربية من الأسمدة رسماً بواقع 26% ( وليس 20% كما تم ذِكره) إلا أن الدفاع المغربي كان قوياً فانخفضت تلك الرسوم لـ 19% في مرحلة أولى تم ل2% فقط.
تبقى الإشارة إلا أن المزارعين الأمريكان ضغطوا من جانبهم لتمكين OCP لولوج السوق الأمريكي دون مضايقات نظراً لجودة المنتوج من جهة وبسبب ارتفاع كلفة أسمدة الشركة الأمريكية.  واليوم ينشط OCP بأمريكا بشكل متصاعد وتتحسن حصصه من السوق بشكل مُطَرد وهذا ما تم إغفاله من طرف السيد غالي. 

ح- مساهمات OCP في شركات عبر العالم وفي كل القارات هو موضوع تم معالجته في الحوار المذكور وكأنه شيء محظور أو مُخالف للقانون بينما يندرج الأمر في إطار استراتيجية توسعية للإقتراب من الأسواق عبر ربط شراكات مع فاعلين محليين بدول عديدة. ولهذا السبب نجحت مجموعة OCP في اقتحام أسواق كانت عصية وكانت حِكراً على  المنافسين الروس والأمريكان والصين وهذا مبعث فخر وليس توجس. اقتناء شركات وخلق فروع وتوقيع اتفاقيات شراكة تتم كلها أمام أعين وسائل الإعلام التي تناقلتها في أدق تفاصيلها وبعض النقرات في محرك البحث تمنحك عشرات المقالات في هذا الموضوع.
 
إجمالاً في الأمور الإقتصادية تتكلم لغة الأرقام وفي المواضيع الجيوسياسية لا صوت يعلو على الوقائع، وفي المعالجة الإعلامية لابد من التفريق بين التعليق "الحر" و الخبر "المقدس".