الثلاثاء 30 إبريل 2024
سياسة

جريمة ضد شعوب المغرب العربي.. وراءها عسكر الجزائر

جريمة ضد شعوب المغرب العربي.. وراءها عسكر الجزائر تميزت‭ ‬خطابات‭ ‬الملك محمد‭ ‬السادس‭ ‬دائما‭ ‬بالهدوء‭ ‬تجاه‭ ‬الجزائر
تنطوي‭ ‬سياسة‭ ‬اليد‭ ‬الممدودة‭ ‬التي‭ ‬ينهجها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬تجاه‭ ‬الجارة‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬إيمان‭ ‬راسخ‭ ‬بضرورة‭ ‬كسب‭ ‬"الرهان‭ ‬المغاربي"‭ ‬أمام‭ ‬المتغيرات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكبرى،‭ ‬إقليميا‭ ‬وجهويا‭ ‬ودوليا،‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬لكل‭ ‬«المشاهد‭ ‬الكريهة»‭ ‬التي‭ ‬يرعاها‭ ‬قصر‭ ‬المرادية‭ ‬منذ‭ ‬61‭ ‬سنة،‭  ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تفتح‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الجارتين‭ ‬سوى‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬فقط،‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬أغلقت‭ ‬بسبب‭ ‬حرب‭ ‬الرمال‭ ‬سنة‭ ‬،1963‭ ‬ثم‭ ‬بسبب‭ ‬المواجهات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬الجيش‭ ‬المغربي‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬والبوليساريو‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الصحراء،‭ ‬وآخرها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬التفجير‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬استهدف‭ ‬فندق‭ ‬أسني‭ ‬بمراكش‭ ‬سنة‭ ‬1994‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬والعسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬يمارس‭ ‬العداء‭ ‬الديبلوماسي،‭ ‬وينهج‭ ‬الخطاب‭ ‬الحربي،‭ ‬وينفق‭ ‬بسخاء‭ ‬على‭ ‬الانفصاليين‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬وبل‭ ‬يرعى‭ ‬ماليا‭ ‬ولوجيستيا‭ ‬كل‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬استنزاف‭ ‬المغرب‭.‬
 
ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يؤكد‭ ‬تعلق‭ ‬المغرب‭ ‬بالحوار‭ ‬مع‭ ‬الجزائريين،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬تامة‭ ‬بألا‭ ‬شيء‭ ‬يغري‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬نوبات‭ ‬الجنون‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬الجنرال‭ ‬شنقريحة‭ ‬وتابعه‭ ‬تبون‭  ‬ومسؤولي‭ ‬كل‭ ‬الأجهزة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكهما‭. ‬فاليد‭ ‬الممدودة،‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المعطى،‭ ‬هي‭ ‬السياسة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المعقولة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬«حالة‭ ‬شاذة»‭ ‬تتصرف‭ ‬بمزاج‭ ‬عسكري‭ ‬حاد‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬مغادرة‭ ‬لحظة‭ ‬حرب‭ ‬الرمال‭ ‬ومعركة‭ ‬أمغالا،‭ ‬ويعيش‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬«الأخذ‭ ‬بالثأر»،‭ ‬رغم‭ ‬الكلفة‭ ‬الكبيرة‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬ثمنها‭ ‬الشعبان‭ ‬رغم‭ ‬الانتقال‭ ‬الديمغرافي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النخب‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين،‭ ‬ورغم‭ ‬التحول‭ ‬الذي‭ ‬اعترى‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تراجع‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬لصالح‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬«التاريخ»‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬أصبح‭ ‬يزن‭ ‬اليوم‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬أو‭ ‬الثمانينيات‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬لم‭ ‬يستسغ‭ ‬الهزائم‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬المتوالية‭ ‬التي‭ ‬تهاطلت‭ ‬على‭ ‬رأسه،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬توالي‭ ‬الاعترافات‭ ‬الدولية‭ ‬بسيادة‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬اعترافات‭ ‬واشنطن‭ ‬ومدريد‭ ‬وبرلين،‭ ‬وتزايد‭ ‬فتح‭ ‬القنصليات‭ ‬والتمثيليات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬الدولية‭ ‬بالعيون‭ ‬والداخلة،‭ ‬وتعالي‭ ‬الدعم‭ ‬لمبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بطرد‭ ‬البوليساريو‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬(31‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬54‭ ‬دولة‭ ‬تعترف‭ ‬بها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة)‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬«سيكولوجية‭ ‬الهزيمة»‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬تفسر‭ ‬إمعان‭ ‬القادة‭ ‬الجزائريين‭ ‬المتعاقبين‭ ‬في‭ ‬التظاهر‭ ‬بأنهم‭ ‬يتصرفون‭ ‬مع‭ ‬الخطوة‭ ‬المغربية‭ ‬«اليد‭ ‬الممدودة»‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬قوة،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تفسر‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العشوائية‭ ‬والغريبة‭ ‬التي‭ ‬«يعتنقونها»‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬المغرب‭ ‬خطوة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬لنزاع‭ ‬الصحراء،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يفسر‭ ‬سعيهم‭ ‬إلى‭ ‬إبقاء‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬دائمة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاتزان،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭  ‬كلفة‭ ‬إغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬وجمود‭ ‬العلاقات‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬ملياري‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبلدين،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفرنسي‭ ‬الأسبق‭ ‬دومينيك‭ ‬دوفيليبان‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الشوائب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأمنية‭ ‬التي‭ ‬انتعشت‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الشريط‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬حيث‭ ‬تقدر‭ ‬معاملات‭ ‬التهريب‭ ‬سنويا‭ ‬بمئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭.‬
 
لقد‭ ‬تميزت‭ ‬خطابات‭ ‬الملك محمد‭ ‬السادس‭ ‬دائما‭ ‬بالهدوء‭ ‬تجاه‭ ‬الجزائر،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬دعاها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬صريح‭ ‬ومباشر‭ ‬إلى‭ ‬الحوار‭ ‬دون‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترفضه‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوانى‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬المغرب‭ ‬بـ‭ ‬«العدو»،‭ ‬بل‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬كـ‭ ‬«مُحَرَّم‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬النطق‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬الإتيان‭ ‬على‭ ‬ذكره»،‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدعوات‭ ‬الملكية‭ ‬سوى‭ ‬«دعاية‭ ‬فارغة»‭ ‬أو‭ ‬«شيطنة‭ ‬لها‭ ‬ولقيادتها»‭.. ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬الاستغراب!‭ ‬بل‭ ‬أكد‭ ‬الملك‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬مرة،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أبدا‭ ‬مصدر‭ ‬أيّ‭ ‬شر‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬للجزائريين،‭ ‬قيادة‭ ‬وشعب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬تمسك‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬برابط‭ ‬الأخوة‭ ‬مع‭ ‬الجزائر،‭ ‬كما‭ ‬يرسخ‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬اليد‭ ‬الممدودة‭ ‬هي‭ ‬خيار‭ ‬ملكي‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إقليمي‭ ‬معقد‭ ‬ومتحول‭ ‬باستمرار،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ظرفية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬دأب،‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المناسبات،‭ ‬على‭  ‬بعث‭ ‬رسائل‭ ‬إيجابية،‭ ‬وتقديم‭ ‬يد‭ ‬المصالحة‭ ‬للجزائر‭ ‬ودعوتها‭ ‬للجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬لحل‭ ‬المشاكل‭ ‬العالقة‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تقابله‭ ‬الجزائر‭ ‬بالرفض‭ ‬الممنهج،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الملكي‭ ‬يتجاوز‭ ‬الحرارة‭ ‬الظرفية‭ ‬للملف،‭ ‬ويفوق‭ ‬سلوكيات‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والإساءة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر،‭ ‬بوجوه‭ ‬مكشوفة،‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬حس‭ ‬ديبلوماسي‭ ‬يربط‭ ‬أقوالها‭ ‬بأفعالها‭.‬

لقد‭ ‬اعتبر‭ ‬الملك‭ ‬دائما،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تكشفه‭ ‬أطروحته‭ ‬الجامعية،‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬أحد‭ ‬مقومات‭ ‬انفتاح‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬منطقته‭ ‬المغاربية‭. ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬رؤيته‭ ‬للتكتلات‭ ‬الإقليمية‭ ‬على‭ ‬مرجعية‭ ‬جيو‭ ‬استراتيجية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬التحالفات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬والمراهنة‭ ‬عليها‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نموذج‭ ‬«رابح+رابح»،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬لإحراج‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬عدوا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬عقيدته‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬وواجه‭ ‬كل‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬التفاهم‭ ‬بالقطيعة‭ ‬والهجوم‭ ‬الإعلامي،‭ ‬بل‭ ‬بالعراك‭ ‬الديبلوماسي‭ ‬والتحرش‭ ‬العسكري‭.‬
 
وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال:‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬«عض»‭ ‬اليد‭ ‬المغربية‭ ‬الممدودة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عسكر‭ ‬الجزائر‭ ‬الذي‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬القطيعة‭ ‬وإغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬80‭ ‬مليون‭ ‬مغربي‭ ‬وجزائري‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬وجه‭ ‬حوالي‭ ‬103‭ ‬مواطن‭ ‬بالمغرب‭ ‬العربي‭.‬؟!
 
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطــــن الآن"
                                                                                   رابـــــط العـــــدد هنا