الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

فضيحة البرلماني مضيان ورفيعة تحت مجهر خبراء وأستاذة وحقوقيين

فضيحة البرلماني مضيان ورفيعة تحت مجهر خبراء وأستاذة وحقوقيين البرلماني نور الدين مضيان ورفيعة المنصوري
عبر عدد من المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي عن استغرابهم الشديد لعدم خروج قيادة حزب الاستقلال بموقف واضح إزاء التراشق بين نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب وعضو اللجنة التنفيذية، و المنصوري البرلمانية السابقة وعضوة مجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، إذ كان من المفترض حسب هؤلاء تجميد عضوية مضيان بالنظر الى كون القضية لا تخلو من وجود تسريبات صوتية منسوبة لمضيان تتضمن إساءة وصفت بالكبيرة، وهو هو الموقف الذي عبرت عنه بشكل واضح القيادية السابقة في حزب الاستقلال، ياسمينة بادو، والتي أبدت استغرابها ل " الصمت غير المفهوم " لقيادة حزب الاستقلال، حيث ذهبت الى أنه كان على قيادة حزب "الميزان" أن تتخذ قرار تجميد العضوية في حق رئيس فريقه بمجلس النواب مع استحضار أصل قرينة البراءة، تجميد عضوية المعني بالأمر هو أقل ما يمكن فعله احتراما وتكريما وإنصافا للمرأة في انتظار أن يقول القضاء كلمته الأخيرة في هذه النازلة  التي وصفتها ب " غير المسبوقة " .

موقف بادو يبدو مستساغا لدى عدد من المراقبين وضمنهم قيادي استقلالي سابق تحفظ من ذكر اسمه والذي أشار في تصريح لجريدة " أنفاس بريس " أن موقف قيادة حزب الاستقلال وعلى رأسها الأمين العام نزار بركة يبدو غير مفهوما ويطرح أكثر من علامة استفهام، إذ كان عليها على الأقل الخروج ببلاغ للرأي العام وفتح تحقيق في الموضوع واستدعاء المعني بالأمر حفاظا على سمعة الحزب ولتهدئة نفوس المنتسبين للحزب، مشيدا بالموقف المتخذ من طرف الفريق الاستقلالي بمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، والقاضي بتجميد عضوية نور الدين مضيان، ومراسلة الأمين العام للحزب نزار بركة، من أجل القيام بالأمر نفسه على المستوى المركزي، وذلك على خلفية الشكاية الموجهة ضده إلى القضاء من طرف زميلته في الحزب رفيعة المنصوري، وهو موقف اعتبره محدثنا مبني على حجج وقرائن كثيرة بالنظر الى كون الفريق الاستقلالي بمجلس جهة طنجة – تطوان أكثر قربا من طرفي الصراع.

نفس المصدر أشار أنه كان من الأجدر بقيادة حزب الاستقلال أن تنحو نفس النهج الذي اتخذته قيادة حزب " البام " بعد تفجر فضيحة " إسكوبار الصحراء "، بتجميد عضوية كل سعيد الناصري وعبد النبي بعوي، القياديين بحزب الأصالة والمعاصرة إلى حين انتهاء التحقيق القضائي معهما، وذلك لتفادي إحراج الحزب أمام الرأي العام وكذا أمام الدوائر العليا.
بل إنه حتى المنظمات الموازية لحزب الاستقلال التي كان يراهن عليها الكثيرون في إعادة الأمور الى جادة الصواب قررت هي الأخرى التزام لغة الصمت، وضمنها منظمة المرأة الاستقلالية التي من المفروض أن تدخل على الخط – بحسب محاورنا – بالنظر لكون الملف لا يخلو من شبهة " الاتجار في البشر " ، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان المقربة من حزب الاستقلال التي كان يفترض أن تخرج ببيان إدانة أو  المطالبة على الأقل بفتح تحقيق في القضية بالنظر لمضمون التسريبات الصوتية المنسوبة لمضيان.

في هذا السياق ذهب قيادي في العصبة المغربية لحقوق الإنسان تحفظ من ذكر اسمه الى كون الموضوع يتعلق ب "صراع بين شخصين وتصفية حسابات حزبية بالأساس، غرضها الإطاحة بنور الدين مضيان من طرف اتجاه معين داخل حزب الاستقلال " مضيفا بأن القضاء تبقى له الكلمة الفصل للبث فيه، ولذلك – يضيف المصدر – بأنه لا يمكن للعصبة المغربية لحقوق الإنسان ولا أي منظمة حقوقية محترمة التدخل فيه حقوقيا وأخلاقيا.

من زاويته ذهب محمد نشطاوي، أستاذ القانون العام بجامعة القاضي عياض بمراكش الى أن ما نشهده حاليا هو مشهد سياسي حزبي لا يرقى الى مستوى ما يطمح إليه الملك من جهة والمواطن المغربي من جهة ثانية لأن مثل هاته التصرفات تسيء الى الأحزاب وإلى مؤسسة البرلمان، مضيفا بأنه من المفروض في ممثلي الأحزاب أن يكونوا على مستوى معين من الأخلاق ومن نكران الذات، وأن يتحلوا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم باعتبارهم ممثلي الشعب، لكن ما نراه اليوم من حيث قضايا الفساد التي تنخر الأحزاب السياسية سواء أغلبية أو معارضة، أو من حيث التراشق بالاتهامات وبشبهات الفساد أو بشبهات الفساد الأخلاقي يبين – يضيف محاورنا - أننا أمام صنف من السياسيين الذين لا يرقون الى المستوى الذين يجب أن يتحلوا به، كما لا يرقون الى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، مشيرا بأن ما يحدث يصب في خانة جعل المواطن أكثر عزوفا عن العمل السياسي وعن الانخراط في الأحزاب السياسية التي تخلت عن مهمتها في تأطير المواطن وتوعيته..

بعض المراقبين يرون أن ما تشهده الساحة السياسية من صراعات أو داخل الحزب الواحد يمكن أن يدرج ضمن خانة " التمرد السياسي السلبي " وهو نفس الموقف الذي يدافع عنه حميد لغشاوي، باحث في تحليل الخطاب، علما أن الموضوع ينفذ إلى الحياة الخاصة؛ السيكولوجية والحميمية، أي ما يرسم خريطة الحياة الخاصة للسياسيين المغاربة، وهي ظاهرة عالمية – بحسب محاورنا، مقدما مثال بيل كلينتون، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية الذي اتهم بسوء السلوك الجنسي، وبوتين الذين اتهم بالجنون، وبايدن الذي نعت بضعف قدراته الذهنية...

وهو، أي التمرد السياسيى السلبي، من العلامات التي تكشف بشكل صريح عن المستتر؛ أي الخروج عن طوع الحارس السياسي المشكل من المظاهر. وأشار لغشاوي أن الساحة السياسية تشهد " عنفا سياسيا جديدا " من بين أساليبه : التنكيل العمومي والإدانة، والفضيحة واحتقار المنافس، ومن حيث علم الإجرام، القضاء هو الذي يحسم فيه، ومن الناحية السيكولوجية؛ له مصدر من الشبق أو الغضب ويوقع النفس الأمارة بالسوء في غواية لا أخلاقية، مثل الزنا والاغتصاب والسرقة والمتاجرة بالدين، ومنه تولد الشتائم والمنازعات والإهانات والاعتداءات والوشايات والمؤامرات، والجرائم المرتبطة بالأقارب.. لقد أصبح الشبق السياسي – يقول محدثنا - سلاحا سياسيا للهيمنة، وعقاب المخالف وقذفه وحشره في خانة الشر، أو خانة الشيطان، (الشيطنة السياسية).

وأوضح أن هذا التحول السياسي لا حدود أخلاقية له، بل يمكن النظر إليه بنظرة "مكيافيلية" للانقلاب الاستبدادي لمفهوم السياسة. يبدأ بعملية التشويش على الآخر المعادي والشطط السلطوي بعد سرقة الهوية الخاصة. والشطط في استعمال الخصوصيات يخفي سوقا من الأمراض التي تتخبط فيها المؤسسات السياسية اليوم. ويمكن أن تشكل هذه الأمراض نوعا من الوعي السياسي/الإيديولوجي الجديد، مادام أنه يتأسس على الصراع الذي يمكن أن نسميه ـ باستعارة عبارة  لوسيان سيف" ب"الوعي المقلوب بشكل لا واعي" للعلاقات السياسية.

نفس الموقف يتبناه أيضا محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، فعندما يتم التنكر للمبادئ والقيم وتقتل المرجعية الأخلاقية في السياسة نصبح أمام نخبة لا تشعر بأي ذنب أو وخز ضمير..حين تنتهك أعراض الناس وشرفهم أو حين يسرق المال العام في واضحة النهار، وفي الحالتين معا يصبح تبرير الأفعال القذرة والدفاع عنها والتضامن مع المتورطين فيها من قيادة الحزب  واجبا مقدسا لأن هناك جهات ما اختارت الظرفية الدقيقة لاستهداف  الحزب وقيادته..ليخلص بأن واقع الحال يكشف عن إفلاس أخلاقي وسياسي لنخبة حزبية  تعيش على الريع والفساد بعد أن حولت الأحزاب إلى رسوم عقارية وأصول تجارية، ورغم ذلك لا تجد هذه " النخبة المفلسة " أي حرج في الحديث عن النزاهة والشفافية  وعزوف الشباب عن السياسة.