السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد أخازي: درس في الدراما.. "اولاد إيزة " والجهل المركب 

خالد أخازي:  درس في الدراما.. "اولاد إيزة " والجهل المركب  خالد أخازي
يا ليت الشركة التي أنتجت سلسلة أولاد إيزة التزمت الصمت...!
الصمت فقط...
حتى لا تغوص قدماها في عمق الوحل...
"جا يكحلها عماها"
كدتُ أقول"  الشركة التي انتجت مهزلة...." فخفت "نكبر ليها البعرة" فالمهزلة نوع درامي رفيع...له قواعده  وأسسه...
أينك يا موليير...؟
لنعد إلى قضيتنا...!
أحيانا... التبرير أشد قتلا من الذبح العلني المجتمعي...
نعم...! بكل بساطة... لقد ذبحتم المعلم علنيا، من أجل انتزاع ابتسامة من مغربي أو مغربية، في زمن صعب، وظروف مضنية...
فهل تضحكوننا أم تضحكون علينا ومنا...؟
الشركة قالت إن الأمر بعيد كل البعد عن الواقع، وشخصية المعلم في السلسة خيالية لا تمت للواقع بصلة...
هذا جنون يا سادة...
هذا عبث...
هذا بيان كتب بيد مرتعشة...
هذا بيان دبج تحت الخوف...
فالصفقة أهم من الحقيقة والدرماتالوجيا.....
هل الذي كتب السلسة صاغ شخصية كرتونية سريالية أو خيال علمية...؟
فمن مبادئ الكتابة الدرامية الأساس... بناء الشخصية في أبعادها الاجتماعية والنفسية والثقافية  والتاريخية وحتى الفسيولوجية...
الممثلون الكبار يقضون أياما طويلة، لدراسة الشخصية، ومعرفة أدق تفاصيلها الاجتماعية والنفسية وسجلاتها اللغوية ولباسها وخلفياتها المتعددة، ولو أدى بهم الأمر إلى العيش مؤقتا في محيطها... للتمرين ما قبل الأدائي الأولي...
 ثم تأتي تلك اللمسة الذاتية الإبداعية التي تصنع الكبار...أمثال: احمد زكي... 
فالأمر لا يتعلق بالتماهي الكلي، بل بالتعاقد الفني مع المتلقين، على أساس الحد الأدنى من التصديق أولا...
ثم يأتي الخيال..
ذاك الجميل البهي...
في صناعة القصة والأحداث والصراع...
لنتوقف مرة ثانية....
أي معلم هذا من صنع الخيال...؟
المعلم هو شخصية واقعية، لا خيالية...
المعلم له وجود مادي واجتماعي وتاريخي في الواقع اليومي...
والحد الأدنى في الدراما هو بناء الشخصية وفق القصة، ودورها في الصراع...
الخيال في الدراما عامة هو تطريز قوي للحبكة... للصراع...
هو الجمال الكامن في بناء الأحداث والتخطيب الدرامي للقصة...
هو جوهر الإبداع....
هو مقياس الطاقة الفنية...
هو كل ذاك الدفق الفني والجمالي واللغوي الذي يستثمر الواقع... لبناء قصة خيالة... لتفكيك الواقع... لتسليط الضوء على الاختلالات العلائقية... 
واقعية تنهل من الواقع على الأقل محاكاة بلغة أرسطو...المحاكاة... ذاك العمق الراسخ في الدراما...
وحين تنحاز الدراما للشعب... تصبح كوميديا... تكسر سمو النبلاء... وتضحك منهم وفق حبكة فنية لا عبثية..
ما هو رهان السلسة...؟
ماذا تريد أن تقول...؟
المعلم... أهبل... أخرق.... بربطة عنق ولباس غير متجانس...
هذه شخصية  البهلوان في مسرح الطفل... تلك الشخصية التي لم تعد تضحك كما قلت حتى الأطفال...
بناء الشخصية... كان يراد منه الضحك لا غير...
هل تصورتم بما يشعر به أبناء وبنات رجال التعليم وأنتم تقدمون صورة مزيفة عن آبائهم...حمقى... أغبياء... يرتدون زيا بهلوانيا... خاضعين... مقهورين...؟
هل تشعرون بالألم الذي والحرج الذي سببتم فيهما لأبنائنا...؟
من يوقف هذا العبث...؟
أي خيال هذا ماسخ للواقع، يهين ولا يدين...؟
لن أقول إنكم أسأتم لصورة المعلم...؟
هيهات...!
فالمعلم هو الذي اعتقل وسجن سنوات الرصاص، حتى تتمكنوا من إيجاد موقع قدم في التلفزيون المغربي اليوم...؟
المعلم... ليس ذاك الذي علمكم فحسب...
بل الذي لا تعرفونه حقا... كاتبا ومبدعا ومفكرا ومدرسا ومطربا ومسرحيا وإعلاميا...
لقد كان وسيظل التعليم مشتل الفن والإبداع والثقافة...
لهذا له خصوم كثيرون...
أما ذاك المهرج الذي سميتم معلما...
فهو لم يعد يضحك حتى الأطفال..
لا أقصد الممثل في حد ذاته...
فأكثرية الممثلين لا خيار لهم سوى لعب الدور ولو كان ضد ضميرهم ومبادئهم...
لأن البطالة بينهم مرتفعة...
والشجعان منهم... غير مطلوبين...
والممثل المطلوب هو الذي لا يناقش  عقده ولا دوره ولا يبدي رأيه في السيناريو...
وإلا... طال انتظاره في مقهى La comédie...
ويقبل بأي سيء حتى وصلة إشهار حول لا شيء...
لأن الممثل مثلنا جميعا... له مسؤوليات والتزامات...
وبحز في القلب ان يموتوا في صمت...
يأكلهم الفقر والجحود...
لا يملكون حتى سكنا يليق بتاريخهم...
والشركة...  في بيانها الأخرق...تعتبر المعلم الذي اشتغلت عليه شخصية خيالية...
 السياق الدرامي للسلسلة يقدم شخصية نعرفها...وليست من كوكب آخر، ولا من الخيال العلمي...
نعرفها مع تحويلها إلى كائن أبله... أخرق...
تحدث بيان الشركة عن الشخصية والخيال...
نعم... الخيال لا يزيف الشخصية ولا يمسخها ولا يجعلها رسما كاريكاتوريا ، بل يغنيها، ويوظفها في الصراع الدرامي، لتسهم في فرجة محترمة وممتعة...
السلسة واقعية.... لكنها بشخصيات معطوبة مريضة ومتهتكة....
تريدوننا أن نضحك...
جميل... والله جميل...
راهنوا على القصة، والمواقف... لا... على " تعواج الفم" والمسخ و" تخراج العينين"....!
راهنوا على السخرية من الألم...!
راهنوا على السخرية من واقع مغربي  يسكنه شخصيات عدة تصلح للتندر أكثر من العلم..!
على شخصية دخلها سبع ملايين شهريا...وتشكو الفقر...
أعبدوا قراءة " البخيل"، تمعنوا في شخصية Harpagon لموليير، وتارتيف... المخادع...
هل من عافل يدير دفة التلفزة المغربية...؟
أفتحوا التلفزة للشجعان.. من المبدعين... الذين يهمشون لو سألوا عن الغلاف المالي للصفقة...!
هل من عاقل يوقف هذا العبث...؟
حرام عليكم.... دعينكم لله...!
 
خالد أخازي،روائي وإعلامي مستقل