Monday 16 June 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: السيارات الفارهة "معجزة مغربية"

إدريس الأندلسي: السيارات الفارهة "معجزة مغربية" إدريس الأندلسي
عشق كثير من المغاربة للسيارات الفارهة يتجاوز عشق المجنون لليلاه وهيام روميو بجولييت. حين تقودك القدمان إلى قطع مسافة على الطريق وتسافر بك لحظة تفكير تسترقك مظاهر على هذه الطريق حتى تخالك في بلد أصحاب الملايير. تمر أمامك سيارات ألمانية  وسويدية وفرنسية وأمريكية لم يسبق أن رأيتها لا في ألمانيا ولا في فرنسا ولا في الدول التي يتجاوز ناتجها الخام ألف مليار دولار. إنه العجب يا صاح و لم يدركني الصباح لكي أتعرف عن مصادر الاغتناء "المباح". حاولت، بعد عناء، أن أبعد عني سوء الظن وأقوي عنادي للوسواس و للحسد بنفاناتة، لكني، ورغم كل هذا لم أستسلم لأن  شياطين أعمال العقل كانت لي بالمرصاد ودفعت عني سوء الوهم وقبول الخرافة التي تبرر الاغتناء السريع بسر توزيع الأرزاق.
أؤمن أن الأرزاق التي أحلها الله هي تلك التي يكون مصدرها كنز  ثمين أو إرث سمين او حتى ربح من يانصيب بالملايير أو عمل تجاري وصناعي وفلاحي وعقاري ومالي منتج للثروة. ولكنني أجد أن هذه الحالات قليلة مقارنة مع واقع يعج بحالات اغتناء لا علاقة له بالحلال الطيب ولا بمصدر دخل لا غبار عليه ولا وجود فيه لخلل يبعد عنه شبهة الحرام قانونا وضعيا أو منزلا من الناحية الدينية. بلادنا كغيرها من البلاد تسجل العجب العجاب في مجال تحول الفقير إلى غني بمجرد فجر انتخابي يوصل إلى مركز قرار في مجلس بلدي أو قروي أو إدارة أو مؤسسة عمومية أو مجلس يشرع بإسم الوطن. نعم تعادي بعض مؤسساتنا التقارير الدولية المتعلقة بالفساد التدبيري وبالرشوة. نعم تراجع ترتيبنا الدولي في هذا المجال ليصل إلى الرتبة ما فوق  الثمانين عالميا. كنا نمضي إلى الأمام  فأصبحنا نسجل تراجعات مهينة. قد يقول البعض بأن تهافت أعداء البلاد يؤثر في مراكز القرار خارجيا. وهذا خطأ. 
تمكنت بلادنا قبل سنوات من تحقيق الكثير في محاربة الرشوة وانتبهت المؤسسات الى معضلة الصفقات العمومية. لكن الردة كانت أقوى في مجال محاربة الرشوة و الفساد. كثير هم المغاربة الذين يتعرضون للابتزاز على الطريق. وللتذكير كانت جائحة كورونا فصلا يعج بممارسات ضاعفت من مظاهر الرشوة للمرور على الطرق الثانوية. ويصعب تتبع الذين يسيئون إلى المؤسسات في مرحلة صعبة مر منها الوطن.  الخطاب الرسمي وممارساته كانت في مستوى المسؤولية التاريخية. ولكن ضعاف النفوس لم يتخلوا عن التلاعب بمصالح المواطنين. 
هذا جزء من حقيقية تبين أن مظاهر الاغتناء السريع لايمكن أن تمر مرور الكرام في مأدبة اللئام. و الأمر يتعدى ممارسة للسلطة إلى الغش الضريبي وممارسات في مجالات صناعة الأدوية ومناورات العقار  واستغلال التدبير الرياضي. أكد لي صديق أن أحد المستثمرين الأجانب عبر عن دهشته أمام  كميات السيارات باهظة الثمن التي تجوب شوارع مدن بلادنا.
نعم نصدر  100 ألف سيارة سنويا ويصل مبلغ التصدير إلى 100 مليار درهم،  لكننا نستورد سيارات فاخرة فاق عددها 12 ألف سيارة في نهاية 2022. ولمن أراد أخذ رؤية بسيطة التجول في معارض السيارات الموجودة بحي يعقوب المنصور  بالرباط وقريبا من منطقة سوق المنال ليطلع على عروض سيارات فارهة  لا تدري كيف دخلت إلى  المغرب. كما يمكن التأكد من كثافة وجودها بالعين المجردة على طرق وشوارع مدننا وحتى قرانا. ولا تبخل ميزانية الدولة على الوزارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية لتمويل  شراء السيارات الفارهة. وينعكس هذا الوضع على سلوكات على الطريق  تمثل خطورة على مستعمليها. قصدت أخيرا مدينة طنجة على  الطريق السيار وتأكدت أن الإجرام الطرقي مصدره سيارات كبيرة لا يحترم أصحابها قانون السير. وهذا السلوك يشمل الكثير من مغاربة العالم الذين يعتبرون عطلتهم السنوية فرصة لاستعراض تهورهم وعضلات سياراتهم. 
الأمر خطير ويتطلب كثيرا من الحزم الأمني للتعامل مع السيارات الفارهة بكثير من القوة القانونية وربطها مع منظومة العدالة والتدقيق في وسائل تمويلها. لقد بلغ السيل الزبا وأصبح جليا أن الأمر يتطلب المحاسبة التي خصص لها الدستور مكانة كبيرة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.