الجمعة 6 ديسمبر 2024
سياسة

مبادرة الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء، وساطة أم استفزاز؟

مبادرة الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء، وساطة أم استفزاز؟

يقترب نزاع الصحراء من سنته الـ 40، ورغم وقوعه ضمن جغرافيا القارة الإفريقية، إلا أن التكتل القاري الذي يضم كافة الدول الإفريقية المسمى بالوحدة الإفريقية ثم الاتحاد الإفريقي لاحقا لم يسهم بدور كبير في الجهود المبذولة من أجل تسوية هذا النزاع. فقد كان الاتحاد في سنوات النزاع الأولى مشكلا من دول حديثة العهد بالاستقلال في غالبيتها، تواجه تحديات سياسية واقتصادية كبيرة، وتحكمها زعامات فردية (إما ديكتاتوريات عسكرية أو قبلية) في حاجة إلى دعم لبقائها في السلطة، وكانت هذه الزعامات مستقطبة من المعسكرين الشرقي والغربي، مع غلبة التبعية للمعسكر الشرقي الذي يتزعمه الاتحاد السوفياتي (داعم حركات التحرر ضد الاستعمار الغربي). وقد كانت الجزائر وليبيا (القذافي) المتورطتين بدرجة أو بأخرى في نزاع الصحراء من خلال احتضان ودعم جبهة البوليساريو من صف حلف وارصو، وكانتا في بحبوحة مالية مقارنة ببقية دول القارة الأفريقية، ولديهما خلافات مع طرف النزاع الآخر المملكة المغربية (حدودية وتنافس على زعامة المنطقة). بسبب هذه المعطيات كانت غالبية مواقف الدول الأفريقية هي الأقرب إلى صف جبهة البوليساريو والجزائر، تكللت باعتراف منظمة الوحدة الأفريقية بالجمهورية الصحراوية التي أسستها جبهة البوليساريو في المنفى (الجزائر)، وبسبب هذا الاعتراف انسحبت المملكة المغربية من المنظمة القارية، واعتبرتها منذ 1984 منحازة لخصومها في النزاع حول الصحراء.

وعلى عكس رأي كافة التجمعات القارية الأخرى، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة التي تعتبر إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب أرضا متنازعا عليها، جاء اعتراف الاتحاد الإفريقي بالجمهورية الصحراوية كدولة كاملة حقوق العضوية في الاتحاد، الذي يعني بأن الصحراء الغربية هي  أرض محتلة تنتظر تصفية الاستعمار منها، وهو رأي مطابق لوجهة نظر جبهة البوليساريو والجزائر، ويحسم موضوع تقرير المصير الذي تطالب به جبهة البوليساريو، بل يحسم النزاع برمته. أي أنه على المملكة المغربية أن تسحب إدارتها وقواتها العسكرية من الإقليم المتنازع عليه وتسلمه لجبهة البوليساريو لتنقل إليه إدارة الجمهورية الصحراوية من الجزائر. وهي وجهة نظر لا يمكن وصفها بأقل من السذاجة في واقع حال نزاع الصحراء اليوم. رأي الاتحاد الأفريقي هذا لا يفقده دور الوسيط فحسب وإنما يجعله في تضاد مع قرارات مجلس الأمن التي تطالب بحل لقضية الصحراء على قاعدة التوافق وبرضا جميع الأطراف، ومخالف لرأي الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الذي خلص في تقريره، ما قبل الأخير المقدم للأمين العام للأمم المتحدة، أنه رغم زياراته للإقليم ولقائه مع شرائح من السكان وإدارته للملف منذ سنوات لم يستطع تحديد الرأي الغالب بين المطالبين بالاستقلال عن المغرب والمطالبين بحل توافقي مع المملكة المغربية بين الصحراويين.

بهذه المعطيات تصبح مبادرة الاتحاد الأفريقي الأخيرة بتعيين ممثل خاص بالصحراء مجرد توظيف لمنظمة قارية في عمل دعائي ضد طرف من الأطراف، على شاكلة بعض الوفود التي تزور الأقاليم الصحراوية في بعض الأحيان تحت غطاء الاطلاع على أوضاع حقوق الإنسان بها، وهي في الواقع لتنفيذ أجندات مسبقة ضد المغرب وليس لخدمة الإنسان الصحراوي الذي يتطلع لحل ينهي معاناته التي امتدت على مدار عقود. ولا يليق بحكمة ومكانة ووزن القادة الأفارقة أن يتورطوا في عمل لا يخدم السلم العالمي ويعقد جهود الوساطة لإيجاد تسوية عادلة للنزاع (دعم طرف على حساب الآخر)، ويطيل معانات الصحراويين. فالمبادرة لن تعدو سوى كونها خطوة في مسلسل استفزاز المغرب سبقتها خطوات من قبل الاتحاد الأفريقي، كـ: "قرار المجلس التنفيذي EX.CL/Dec 689 XX للاتحاد الأفريقي الذي يدعو فيه اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (اللجنة) للقيام ببعثة إلى أرض الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المحتلةبهدف التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك المكان".

فحسب موقع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان: "قام وفد اللجنة بإجراء بعثة تقصي الحقائق إلى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من 24-28 سبتمبر 2012. ومن ضمن إيجاز البعثة الصحفية:

- لم يتمكن الوفد من زيارة الأراضي المحتلة بسبب صمت المملكة المغربية  فيما يتعلق بطلب اللجنة بالسماح لها بالمرور  في الأرض المحتلة. لهذا السبب، وبالتعاون مع حكومة الجمهورية الصحراوية، زار الوفد فقط مخيمات اللاجئين قرب تندوف، وهي جزء من الأراضي المحررة.

- يأسف الوفد لوقوع العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والاختفاء القسري والخطف والتعدي على حرية التعبير والصحافة وتكوين الجمعيات والتمييز، إلخ... التي تم لفت الانتباه إليها، ويٌزعم أنها ارتكبت من جانب سلطات مملكة المغرب ضد الشعب الصحراوي الذين يعيشون في الأراضي المحتلة .

ورغم أن البعثة لم تزر الأقاليم الصحراوية في المغرب، كان تقريرها كله مدينا للمغرب ومادحا لجبهة البوليساريو:

- يعبر الوفد أيضاَ عن تقديره لسلطات الجمهورية الصحراوية على تعاونهم وحسن الضيافة والشفافية الكاملة أثناء البعثة. 

ورغم أن البعثة أمضت أيام (من 24 إلى 28 سبتمبر 2012) في مخيمات اللاجئين الصحراويين، لم تورد في إيجازها الصحفي أي شيء عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من طرف جبهة البوليساريو والسلطات الجزائرية ضد الصحراويين. وأقله أن الفترة كانت كافية ليعرف أعضاء اللجنة بأن مخيمات اللاجئين الصحراويين تقع داخل التراب الجزائري وليست جزءا من المناطق الصحراوية المحررة كما أوردت البعثة في إيجازها الصحفي. وقد لا يكون الأمر مجرد خطأ مطبعي بقدر ما هو وصف متعمد من أجل إعطاء شرعية لإدارة البوليساريو للمخيمات، حتى لا تدان الجزائر (الدولة الحاضنة للاجئين) عن تقصيرها في حماية اللاجئين الصحراويين بتركهم تحت رحمة منظمة مسلحة تستخدمهم حطبا لحربها، وورقة لاستدرار الدعم والتعاطف الدولي وتفرض عليهم قوانينها المخالفة للعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وهي قوانين يغض الاتحاد الأفريقي ولجنته الطرف عنها منذ انضمام الجمهورية الصحراوية إلى الحظيرة الأفريقية، فلا يعقل أن المنظمة القارية غير مطلعة على دستور البوليساريو الذي تحكم به المخيمات، الذي يمتع تشكيل الجمعيات والنقابات ويفرض جبهة البوليساريو ومنظماتها الجماهيرية كخيار وحيد لتجمع الصحراويين سياسيا وجمعويا ونقابيا. ولا يعقل أن لا يتساءل الزعماء الأفارقة كيف أن محمد عبد العزيز رئيس البوليساريو وأركان نظامه يحكمون الصحراويين منذ 40 سنة، وكيف أن فترة الحكم هذه تتناسب مع فرضية احترام حقوق الإنسان؟

المبعد الصحراوي إلى موريتانيا: مصطفى سيدي مولود

ملحوظة: مرفق: رابط الإيجاز الصحفي للجنة الاتحاد الافريقي:

http://www.achpr.org/ar/press/2012/10/d135