الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

طبيح عبد الكبير: سلطة التشريع ومدى توافقها مع مبدئي الشرعية والمشروعية

طبيح عبد الكبير: سلطة التشريع ومدى توافقها مع مبدئي الشرعية والمشروعية طبيح عبد الكبير
لمقارب الجواب على سؤال الندوة يستلزم الأمر تحديد مفهوم التشريع. لنخلص الى البحث عن حقيقة وجود أزمة في فيه بين مطلب الحكامة وغياب الفاعلية بخصوص نموذج مشاريع القوانين الجديدة.
ان التشريع هو ذلك التصور المجتمعي الذي يتبلور من مخاض سياسي وفكري متنوع او متضاد. ينتهي فيه افراد المجتمع الى خلاصات إما في شكل توافق او توافقات. او في شكل قرار تعسفي تتخذه اغلبية الأصوات وتفرضه على الأقلية التي ترضخ اليه.
والخلاصة التي ينتهي لها هذا المخاض الفكري والسياسي يترجم في شكل " القانون". الذي تخضع به الأغلبية الأقلية. وهو القانون الذي يعطى له رقما وتاريخا. ويتم نشره للمجتمع ليلتزم به.
وهذا القانون بعد صدوره يمكن ان يكون متسما بالشرعية والمشروعية معا. ويمكن يكون متسما بالشرعية لكنه فاقدا للمشروعية. ويمكن يكون متسما بالمشروعية لكنه فاقد للشرعية.
إذ الشرعية هي استناد السلطة او الحكومة فيما تصدره من قوانين على قانون عام يتفق عليه المجتمع بكامله في تنظيم قضاياه الكبرى و توابته التي المتراضى عليها و المؤسسة لذلك المجتمع. ويسمى في كل الدول والمجتمعات ب " الدستور". يحدد الحقوق والحريات التي يجب على القانون الا يخل بها.
اما الشرعية فهي مدى تطابق نص القانون الذي تصدره سلطة لحكومية معينة مع إرادة ورضى افراد مجتمع معين بتلك السلطة الحكومية.
ولهذا قد يصدر قانون متسم بالشرعية عن حكومة معينة لكن غير متسم بالشرعية. لأنه صارد عن حكومة استولت على السلطة بالانقلاب.
وقد يصدر قانون متسما بالمشروعية لكنه فاقد للشرعية. كالقوانين التي تصدر عن ثورة يقوم بها مجتمع بعد استيلائها على السلطة وتلغي جميع المؤسسات. لكن يقبل بها المجتمع.
فالأزمة التي يشير اليها عنوان الندوة سبق للجنة المكلف بإعداد النموذج التنموي ان وقفت عليها في تقريرها الختامي. والذي اعتبرت ان عدم تدقيق القوانين ودورة القضاء هما العائق الرابع للتنمية. إذ ورد في تلك الخلاصة توصيفا جد صعب وجد قاس ترجم نظرة أعضاء تلك اللجنة للقانون وللقضاء في بلادنا. وهو التوصيف الذي ذكرته تلك اللجنة في الفقرة الأولى من الصفحة 32 منه. إذ ورد في الفقرة الأولى ما يلي:
"يتعلــق العائــق الرابــع بالشــعور بضعــف الحمايــة وعــدم القــدرة علــى التوقــع الــذي يحــد مــن "المبـادرات بسـبب الهـوة مـا بيـن بعـض القوانيـن التـي تخللهـا مناطـق رماديـة والواقـع "الاجتماعـي، وقضــاء يعانــي مــن انعــدام الثقــة إضافــة إلــى ثقــل البيروقراطيــة وتعثــر ســبل الانتصــاف.
كما ورد في الفقرة الثالثة من نفس الصفحة 32 منه ما يلي:
"أن الاعتقـاد السـائد بكـون العدالـة غيـر فعالـة يسـهم في كبـح الطاقـات. وعلى الرغـم مـن "الاصلاحات التـي تـم إطلاقهـا لضمـان اسـتقلالية القضـاء وتعزيـز فعاليتـه والثقـة فيـه، فـإن "إحـراز النتائـج يعـرف بعـض التأخــر: آجــال طويلــة للبــث فــي الملفــات، عــدم القــدرة علــى "توقــع الاحــكام، نقــص فــي الكفــاءات، ضعــف فـي الشـفافية، وقصـور علـى مسـتوى السـلوك "والاخلاقيـات. إن الممارسـات التعسـفية، وإن كانـت معزولـة، وعـدم دقـة بعـض النصـوص "القانونيـة وتفاوتهـا مـع الواقـع والممارسـة يقـوي تصـور المواطنيـن والفاعليـن بخصـوص "مخاطـر عـدم الاطمئنـان والتعـرض للتعسـف فـي منظومـة العدالـة. وينظـر المواطنـون إلـى "بعـض حـالات عـدم الدقـة فـي الصياغـة القانونيـة علـى كونهـا هوامـش لتوظيـف القانـون "لأغـراض معينـة الـذي قـد يمـس ممارسـة الحريـات العامـة والفرديـة، ممـا يجعلهـا بذلـك تحـد "مـن حريـة تعبيـر المواطنيـن ومشـاركتهم كفاعلين.
وسيحاول في هذا العرض مقاربة الجواب على تساؤل عنوان الندوة من حول مقاربة لمفهوم القانون على ضوء دستور 2011 . وذلك بإبداء بعض المقدمات الضرورية لتلك المقاربة ولتحديد التأطير الفكري القانوني الذي اعتقد انه يجب ان ينهل منه الجواب على التساؤل المذكور ويؤسس له.
إذ من المعلوم أن الجواب على أي سؤال فلسفي , او مجتمعي, او سياسي, او اقتصادي, او قانوني, إذا لم يكن يستند إلى منطلق أو الى أرضية أو الى مرجع سيكون ذلك الجواب, كلاما مرسلا. أي لا بدون شرعية.
لهذا ارتأيت أن أقدم لهذا الموضوع بالمقدمات التالية:
المقدمة الأولى:
ان البحث عن جواب على سؤال هذا العرض لابد له ان يستحضر تجادب وتلازم ما بين ما هو سياسي وما هو قانوني.
ولقد استعملت كلمة " تجادب " وكلمة " تلازم" بالجمع بينمهما, وليس بالتخيير بينهما. إذ لا حياة لما هو سياسي بدون ما هو قانوني والعكس اصح.
هذا التجاذب والتلازم يطرح ويجيب في نفس الوقت, على سؤال الأولوية او سؤال التبعية. أي هل ما هو سياسي هو الذي يجب ان يتبع لما هو قانوني. أم ان ما هو قانوني هو الذي يجب يتبع لما هو سياسي.
وبوضوح أكثر هل الفعل السياسي هو الذي يتحكم في الفعل القانوني. ام أن الفعل القانوني هو الذي يتحكم في الفعل السياسي.
قد يظهر الجواب اليوم سهلا للقول بكون السياسي هو الذي يتحكم في القانون. أي أن الفعل السياسي يستخدم القانون لتطبيق ما يخلص اليه من تصورات لتدبير المجتمع. باعتبار ان القانون هو آلية العنف المشروع. أي الية الزام غير القابلة للممانعة في الخضوع لها. ذلك العنف المشروع الذي يتمدد ما بين النص على إبطال تصرف مدني لفرد في خصومته مع فرد آخر في قضاياهم الخاصة التي لا تأثير لها على المجتمع مباشرة. الى الحكم بإعدام شخص في خصومته مع المجتمع.
المقدمة الثانية:
وهي متعلق بالجواب على السؤال التالي هل وظيفة القانون هي انه يعكس سلوك المجتمع. أم ان وظيفة القانون هي تغيير سلوك ذلك المجتمع.
علما أن الأصل في تاريخ المجتمعات الإنسانية، أن القانون لا يتدخل إلا بعدما يستقر المجتمع على سلوك معين. فيأتي القانون ليضفي عليه صبغة القانون. ويكرس ذلك السلوك بمقتضى قواعد تصبح ملزمة للجميع. أي ان المجتمع كان يحممه العرف أي ما تواتر الناس على القبول به وعلى عدم الاعتراض عليه في سلوكيات افراده. وهو الموقف الذي لا زال البعض يدافع عليه بقوة مثلا بلد كبريطانيا.
بينما الاتجاه العام اليوم هو أن القانون لم يبق ينتظر أن يغير المجتمع سلوكه ليتدخل هو في آخر المطاف ليقنن ذلك التغيير. بل أصبح القانون أداة لتدخل السلطة او الحكومة ليغير سلوكا قائما في المجتمع. كأن يحدث حقوقا جديدة. أو ينزع حقوقا كانت موجودة. سواء بصفة دائمة أو مؤقتة.
وعندما استقر العالم اليوم على هيمنة ما هو سياسي على ما هو قانوني اصبح تدخل السلطة او الحكومة لا يقتصر على تقنين مت تعارف الناس عليه من سلوك. بل اصبح تدخلها يرمي الى تغيير سلوك قائم.
وهذا التدخل لم يكن بدون مستند شرعي. بل هو تدخل مستند إلى شرعية تولدت من كون السياسة التي تباشرها الحكومات أصبحت هي سياسات معبرة على سيادة الأمة. وهي السيادة التي فوضتها لممثليها عن طريق الانتخاب سواء كان مباشر او غير مباشر.
المقدمة الثالثة:
هي مستمدة من القواعد التي تتحكم في سريان الكون. ومن بينها القاعدة المركزية في علم الفيزياء القائلة بوجود تداول وتناوب بين الثابت والمتحول. وهي قاعدة موجودة في علم الفيزياء، كما هي قاعدة موجودة في العلوم الإنسانية على رأسها علم الاجتماع وما يتفرع عنه من علوم إنسانية أخرى يدخل فيها علوم القانون.
فالقانون خضع هو كذلك لهذه القاعدة الكونية. إذ أنه انتقل في المغرب من وضعية الثابت باعتبار كان يصدر عن المؤسسة الملكية. إلى وضعية المتحول لأنه أصبح يصدر عن الحكومة والبرلمان. وهما معا يخضعان للتغيير بحكم ضرورة تجديدهما بدورة الانتخابات.
هذه المقدمات ستساعد على فهم خلفيات مقاربة الجواب على السؤال موضوع هذا العرض الذي وهو سؤال: القانون على ضوء دستور 2011.
سنحاول تناول هذه المقاربة من المداخيل الاربعة التالية:
المدخل الأول:
تاريخ مصدر القانون في المغرب:
المتتبع للحراك الذي عرفه المغرب مباشرة بعد التحولات التي وقعت بالأساس في كل من تونس ومصر، سيلاحظ أن المجال السياسي المغربي طبعته لحظات ستسجل كمحطات اثرت في تاريخ المغرب واسست للتحول الدستوري الذي عرفه بلادنا. وللتحول من أجل بناء الدولة المغربية الديموقراطية الحديثة. تلك المحطات التي يمكن تحديدها في:
-محطة الخطاب الملكي ل 9 مارس.
-محطة انخراط واجماع المجتمع السياسي والمجتمع المدني والشعبي في مبادرة مراجعة
الدستور.
-محطة الخطاب الملكي ل 17-06-2011.
وهذه محطات هي بمثابة تحكيم قام به جلالة الملك. وهو ما اسميه بالتحكيم الملكي الثالث.
ذلك انه منذ تولي جلالة الملك مهامه كملك للبلاد قام بثلاثة أنواع من التحكيم:
التحكيم الأول: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والمجتمع. والمتمثل في إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة. وهي الهيئة التي فتحت ملف الزمن الذي عرف بزمن الجمر والرصاص. وهي الهيئة التي وقفت على مسؤولية الدولة فيما تعرض له أبناء وطننا في الماضي. وهي التجربة التي عجزت عن القيام بمثلها عدة دول في المحيط الإقليمي للمغرب.
التحكيم الثاني: يمكن وصفه بتحكيم بين المجتمع والمجتمع. والمتمثل في الخلاف الذي كاد ان يعصف بالمجتمع المتعلق بمبادرة حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي السابقة في فتح مجالات أخرى للمرأة بتعديل قانون الأحوال الشخصية وقادها بكل عزيم السيد الوزير سعيد السعدي. فووجهت تلك المبادرة بمقاومة لذلك التعديل. مما دفع الى تدخل جلالة الملك عندما عرض مدونة الأسرة لأول مرة في تاريخ المغرب على البرلمان. تلك المدونة التي شكلت ثورة في المجتمع المغربي وشهد بذلك العالم كله, وأعاد فتج النقاش مجددا حول تطوريها لتلائم المستجدات التي يعيشها مجتمعنا في خطابه الأخير.
التحكيم الثالث: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والدولة. وهو الذي يهمنا في هذا المقال, هو المتمثل سن دستور 2011. وهو الدستور الذي تخلي فيه جلالة الملك على عدد من صلاحيته التي كانت تنص عليها الدساتير السابقة منذ دستور 1962 الى دستور 1996.
إن اية قراءة لدستور 2011 لن تكون موفقة إذا لم تقرأ قراءة متكاملة مع خطاب 9-03-2011 وخطاب 17-06-2011.
إذ بقدر ما كان خطاب 9-03-2011 محددا للإطار العام والقواعد الأساسية لمشروع الدستور الجديد بقدر ما كان خطاب 17-06-2011 مفسرا لما اتى به الدستور في القضايا الجد حساسة. كتلك التي تتعلق بتخلي الملك على عدد من صلاحياته في سبيل تطوير الدولة الحديثة. ومن بينها صلاحية اصدار القانون. بعدما وسعت اختصاصات البرلمان. وهو القانون الذي يهمنا في هذا العرض.
وكما هو معلوم لدى فقهاء القانون الدستوري، فإن المهمة الأساسية والمركزية لكل دستور هي الجواب على سؤالين:
الأول: هو تحديد مصدر السلطات.
الثاني: هو توزيع تلك السلطات توزيعا يأخذ في الاعتبار مصدر السلطات.
ومن الضروري التدقيق بكون توزيع السلط الذي يهمنا في هذا المجال، ليس ذلك التوزيع الذي يمركز كل السلطات بين يدي الأجهزة التنفيذية المختلفة، فهذا النوع من التوزيع لا يعتبره الفكر السياسي والفقه الدستوري الحديث مترجما لدولة ديموقراطية وإن كان لها دستور.
إن توزيع السلطات المعني في هذا المقال هو ذلك التوزيع الذي يضمن للسلطات، تنفيذية وتشريعية وقضائية توازنها وتعاونها واستقلالها لما فيه خدمة مشروع مجتمعي هدفه ضمان كرامة المواطن بكل حمولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبعد هذا التدقيق سنحاول تقديم أجوية على السؤالين المذكورين أعلاه.
بخصوص السؤال الأول حول مصدر السلطة:
مع كل الأسف لم يكتب عدد من الفاعلين السياسيين المغاربة الذين مارسوا مسؤولية الفعل السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم تجربتهم وآرائهم حول تدبيرهم للشأن العام. حتى يمكن الاستئناس به. ما عدا بعض الاستثناءات مثل مذكرات الاستاذ عبد الواحد الراضي, وهذا النقص في المعلومة المتعلقة بالممارسة السياسية عرقل تطور البحث في الفكر السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال.
فمنذ وضع دستور 1962 إلى الدستور الحالي 2011 لم يجب المشرع الدستوري على ذلك السؤال-الإشكال. وهو أين يكمن مصدر السلطات في المغرب. وهو النقاش السياسي الذي أجج الخلاف والصراع السياسي الذي عرفه المغرب بين سلط مركزها ذلك الدستور بين يدي الملك، وبين أحزاب وطنية وديموقراطية تطالب بتوزيع فعلي وحقيقي لتلك السلطات حتى تساهم في بناء المغرب.
فهل المغرب استطاع تجاوز هذا الغموض وهذا الأشكال وهو يدخل مرحلة دستور سنة 2011؟
إن هذا السؤال قد يجيب عليه البعض بالنفي. كما قد يجيب البعض الآخر بالإيجاب. لكن هل الجواب يجب ان يكون فقط جوابا نظريا أو انطباعا شخصيا. أم أن الجواب يجب أن يعتمد على وسائل ملموسة تمكن من ترجيح هذا الوقف على الموقف الاخر.
وأعتقد ان دستور 2011 أسس لتحول في بناء الدولة في تغيير حقيقي لتوزيع السلطات. وهو ما يرى بكل وضوح بالرجوع أولا إلى الخطاب الملكي لـ 09-03-2011. والذي استقبل بترحيب وأمل في فتح صفحة جديدة في بناء الدولة الديموقراطية. إذ ورد في ذلك الخطاب، ولأول مرة في تاريخ المغرب أن الحكومة المقبلة ستكون منبثقة من الإرادة الشعبية.
أن جملة "الإرادة الشعبية" هي تمثل حقيقي للجواب على مصدر السلطات. باعتبارها هي سيادة الامة المعبر عنها بواسطة الاقتراع العام.
فإذا كان الخطاب الملكي لـ 09-03-2011 قد فتح النقاش حول مصدر السلطات. فأن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أن الفصل 2 من دستور 2011 نص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة غير مباشرة بواسطة ممثلها المختارين عبر الانتخاب.
ولكي نفهم أكثر معنى هذا المقتضي لابد من الرجوع إلى النقاش الذي طغى على الحياة السياسية والفكر السياسي في المغرب والكتابات التي تناولت الفصل 19 من الدساتير السابقة.
ذلك أن الفصل 19 استعمل منذ 1970, وليس منذ 1962, كسند دستوري في ممارسة الملك لسلطة التشريع بواسطة الية الظهير لإصدار قواعد قانونية ذات طابع تشريعي. مما أثار جدلا ونقاشا كبيرين حول مشروعية تلك المقتضيات في مفهومها المؤسس للدولة الديموقراطية.
إذ اعتبر الفكر السياسي المعارض أن إعمال الفصل 19 يقلص ويقوض دور البرلمان الذي هو المعبر والممثل لسيادة الأمة. وأن السلطات التي يمارسها الملك بواسطة الظهير تحجب السلطة الحقيقية لممثلي للأمة.
لكن من المفيد الإشارة إلى أن تدخل الملك بواسطة ألية الظهير في التشريع لم يكن يتم بدون سند دستوري وإنما بناء على التعديل الذي دخل على الفصل 19 بواسطة دستور 1970. ذلك التعديل الممثل في إضافة جملة "الممثل الأسمى للأمة". وهي الجملة التي لم تكن موجودة في نص الفصل 19 من دستور 1962.
ولهذا فإن صفة الملك كممثل أسمى للأمة، تجعل الملك يتملك سلطة التشريع كممثل لسيادة الامة. لأنه إذا كان أعضاء البرلمان الذين تنخبهم الأمة هم ممثلي الامة. فان الدستور اعتبر ان الملك هو الممثل الأسمى للأمة. وبالتالي من حقه التشريع باسم الامة في مجال القانون.
إن التحول الجدري الذي يقدمه اليوم الدستور الحالي، هو أنه لن يبق ينص على ان الملك هو الممثل الأسمى للأمة من جهة. بينما ثبت صفة أعضاء البرلمان كممثلين للأمة حصريين لا ينازعهم في ظل دستور 2011 أي مؤسسة أخرى.
وهذه الصفة الحصرية لتمثيل الامة ليست صيغة تسمح بعدة تأويلات. وإنما فسرت وشرحت بالشكل الحصري المشار إليه في الخطاب الملكي ليوم 17-06-2011 الذي ورد فيه ما يلي:
"....... وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات أو آليات الطابع البرلماني "النظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة".
أن هذا الإعلان من جلالة الملك في خطاب 17-06-2011 هو إعلان عن تخليه عن صفة الممثل الأسمى للأمة، أي تخليه عن الاختصاص الخالص المتعلق بإصدار القانون لجهة البرلمان, كما هو الامر في كل نظام ديموقراطي وفي كل دولة ديموقراطية حديثة.
ولهذا عندما نعود إلى الفصلين 41 و42 من دستور2011 والذين حلا محل الفصل 19 من دستور 1996 وما قبله من الدساتير السابقة لن نجد فيهما أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة، وإنما نجد أن الملك هو الممثل الأسمى للدولة.
ويستنتج مما سبق أن الوثائق المؤسسة لتحديد مصدر السلطات هي الخطاب الملكي 09-03-2011 والخطاب الملكي ل 17-06-2011. اجمعتا على كون مصدر السلطات هو الأمة.
وهو ما يعني ان الجواب على التساؤل الأول المتعلق بمصدر السلطة المشار إليه هو جواب مبني ومؤسس على حجج قوية معلنة ومعززة بخطب جلالة الملك الذي أكد على مبدأ سمو الدستور. وهو المبدأ الذي لم يكن حاضرا في جميع الدساتير التي عرفها المغرب.
فهذا المطلب سنجده مفصلا في نص الخطاب الملكي 17-06-2011 , ونجد تطبيقا له في نص دستور 2011. إذ بالرجوع إلى الخطاب الملكي ل 17/06/2011 سنلاحظ أنه عند تناوله للدعامة الثانية التي بني عليها الدستور نقرأ في الفقرة الثانية ما يلي:
".... وإما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وأليات الطابع البرلماني للنظام "السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر "لجميع السلطات."
كما أن التطبيق الدستوري للخطاب الملكي سنجده متضمن في الفقرة 3 من الفصل 42 التي ورد فيها:
"يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص "الدستور".
فالإرادة الملكية ونص دستور 2011 أجمعتا على سمو النص الدستوري. مما تأكد معه الحسم مع الجدل الذي كان يتداول حول وجود دستور مكتوب ودستور غير مكتوب.
فهل هذا الموقف وهذه الإرادة تشكل تحول كبيرا وانتقالا مغيرا للوضع السياسي بين الدساتير السابقة ودستور 2011.
وهنا سنلاحظ انتقال مصدر القانون من مجال اختصاص الملك وفق لما كان ينص عليه الفصل 19. إلى مجال اختصاص الحكومة والبرلمان. أي انتقال القانون من الثابت أي المؤسسة الملكية. إلى المتحول أي الحكومة التي تتغير بتغير اتجاه اختيارات الامة في الانتخابات.
لكن، الخلاصة السياسية والقانونية بالتبع لذلك هو أن القوانين التي تنظم الحياة اليومية للفرد والمواطن وتؤثر فيه ايجابا أو سلبا أصبحت من اختصاص المواطن نفسه, يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق تفويض سلطته في سنها لمن يختارهم بواسطة الانتخاب. ويكونون فيما بينهم البرلمان والحكومة.
هذه الخلاصة تدفعنا إلى الانتقال إلى المدخل الثاني المتعلق بما اسميه بحق المواطن في إعادة فحص آلية التفويض التي أعطاها لممثله في البرلمان وبالتبع لذلك في الحكومة.
المدخل الثاني:
إعادة فحص ألية التفويض:
كما أشير اليه أعلاه، فإن الدستور 2011 أحدث تحولا كبيرا في كيفية ممارسة الأمة لسيادتها وهو التحول الذي نرصده من مقارنة صياغة الفصل 2 من الدستور 1996 التي هي نفس الصياغة التي اعتمدت في كل الدساتير منذ 1972. والتي كانت تنص على ما يلي:
"السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبطريقة مباشرة بواسطة المؤسسات "الدستورية.
بعد ذلك تم استعمال كلمة " بواسطة " لتحل محل كلمة " على يد " التي كان ينص عليها الفصل 2 منذ دستور 1962.
غير أن التحول المتحدث عليه سيحدثه دستور 2011 والذي سيصبح الفصل 2 منه ينص على ما يلي:
"السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها.
"تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم."
وهكذا أصبحت ممارسة الأمة للسيادة بطريقة غير مباشرة لا تتم على يد أو بواسطة المؤسسات الدستورية، بل غير دستور 2011 كيفية ممارسة الامة لسيادتها لتصبح ممارستها لتلك السيادة تتم عن طريق:
1 –ممثلي الامة.
2 – الذين تختارهم.
3 – في المؤسسات المنتجة.
أن تغيير آلية ممارسة الأمة لسيادتها يعتبر نقلا لاختصاص سن القانون من الصلاحيات الدستورية للملك التي كان يمارسها بمقتضى ظهير باعتباره الممثل الأسمى للأمة. إلى اختصاص لممثلي الأمة المختارين في المؤسسات المنتخبة.
وهكذا عندما نقارن الفصل 71 من دستور 2011 من الفصل 46 من دستور 1996 او ما يماثله من الدساتير السابقة, سنلاحظ الفرق الكبير والاختصاص الموسع لممثلي الأمة في سن القانون الذي يؤثر مباشرة إيجابا أو سلبا في الأمة أي في أفراد ومواطنين المجتمع.
لكن هل دستور 2011 وهو يسند لممثلي الأمة الاختصاص الحصري لسن القانون, هل ترك لهؤلاء سلطة مطلقة غير مراقبة. أي سلطة تسمح لهم بأن يشرعوا وفق ما تتجه إليه أغلبيتهم. أم أن الدستور سن قواعد لمراقبة ما يصدر عن ممثلي الأمة وباسمها.
أن الجواب هو أن دستور 2011 وهو ينقل ويحصر اختصاص سن القانون في ممثلي الأمة المختارين من قبلها في المجالس المنتخبة, أخضع ممثلي الأمة لنوعين من المراقبة:
الأولى مراقبة دورية. وتتمثل في تجديد عملية انتخابهم. علما أن طبيعة هذا التجديد تجعل المواطن مسؤولا على محاسبة من انتخبهم. وتمكنه من ان يرتب الاثار على تلك المحاسبة سواء بتجديد الثقة فيهم او باختيار غيرهم.
الثانية مراقبة لحظية: يمارسها الفرد ضد كل قانون تريد المحكمة تطبيقه عليها إذا لاحظ ان في ذلك القانون مس واخلال بالحقوق التي يخولها له الدستور. وهي المراقبة المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور الذي ينص على ما يلي:
"تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، "أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي "سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور.
"يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل."
فماذا تعني ممارسة الدفع بعدم دستورية قانون معين?
من الواضح ان الفصل 133 من الدستور لم يخلق لغرض شكلي مسطري. بل هو آلية دستورية سنت للمواطن لـتأكيد سلطته على من ينتخبه. وتأكيد حقه في مراقبة من يمثله في البرلمان هل حمى حقوقه الأساسية في سنه وتصويته على القانون باسمه. وهي المؤسسة التي ينظمها مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 الذي لازال لم يدخل بعد حيز التطبيق. بل ان غرض الدستور من وراء ما نص عليه في الفصل 133 هو أغراض مجتمعية. اهم من الجانب الشكلي والمسطري.
أن حق المواطن في اللجوء على المحكمة الدستورية يعني حقه في إعادة فحص آلية التفويض النيابي الذي سبق له أن أعطاه لمن يمثله في المؤسسات المنتخبة.
ذلك أن ممارسة الدفع بعدم دستورية قانون يعني أن المواطن الذي سيطبق عليه قانون معين الذي صوت عليه من سبق له ان اختاره ممثلا له عن طريق الانتخاب لاحظ , أي ذلك المواطن, ان ذلك القانون يمس بالحقوق التي أكسبها إياه الدستور. لهذا أعطاه نفس الدستور الحق في الطعن في القانون الذي صدر عمن فوض له ممارسة السيادة باسمه.
وأن هذا التحول المهم في نقل اختصاص سن القانون مما هو ثابت أي من اختصاصات الملك. إلى ما هو متحول أي اختصاص من يمثل الأمة. سواء كان حكومة او برلمان, لم يترك بدون مراقبة. وإنما أحيط بمراقبة ارجعت للفرد حق فحص آلية التفويض الذي أعطاه لممثليه الذين اختارهم في المؤسسات المنتخبة. وهذه الآلية تجعلنا أمام آلية لمراقبة سن قانون هل هو مطابق للدستور أي هل القانون مطابق لسيادة الأمة.
غير أن الفرد في المجتمع قد لا يتضرر من صياغة نص قانوني، بل يتضرر من طريقة تطبيق ذلك النص القانوني عليه. وهنا ننتقل إلى المدخل الثالث من هذا العرض.
المدخل الثالث:
أثر القانون على الأفراد والجماعات في الحياة اليومية:
أن طابع التجريد الذي يتسم به القانون كشرط لشرعيته. ووجوب خضوع الجميع له. يجعل منه قانونا بدون أب معروف يمكن الرجوع إليه وتحميله مسؤولية آثار سوء تطبيقه على الفرد.
وتتجلى فكرة كون أن القانون ليس له أبا معروفا في كونه يصدره ممثلو الأمة انطلاقا من أغلبية تتحكم فيها المصالح التي تعتبرها تلك الأغلبية عن حق او باطل, بكونها هي المصلحة العامة.
علما أن الأغلبية لا تصدر عنها دائما قانون يحمي المصلحة العامة. بل قد يصدر عنها ما يمس بالحقوق الطبيعية للإنسان كحق الملكية. كما سنرى فيما بعد.
كما أن تفسير ذلك القانون وتأويله وشرح مكوناته يقوم به الأساتذة في الجامعات الذين لم يحضروا البرلمان ليعلموا بالظروف والأسباب التي تحكمت في اصدار ذلك القانون.
علما أن ثقافة تفسير القانون في المغرب هي وليدة تداخل ثلاثة ثقافات قانونية في التفسير والتأويل القانون:
-ثقافة أساتذة للقانون درسوا وتعملون وكونوا ثقافتهم القانونية من خلال الفكر القانوني الفرنسي خاصة والأوروبي عامة. المنبثق من فترة النهضة المؤسسة على ضمان الحرية الفردية والجماعية.
-وثقافة أساتذة من الشرق. الذين لم تتح لهم نفس فرص الانفتاح في بلدانهم. بل عاشوا تحت ظل ثقافة سياسية فردية تعتبر الحقوق الفردية والجماعة ليست أولوية.
-وأساتذة تعلموا على هؤلاء وشكلوا وجها لاندماج هذه الثقافات في فهم وتفسير وتأويل القانون. أي خلقوا قواعد لفهم وتفسير وتأويل القانون التي هي السائدة اليوم.
لكن، هؤلاء الأساتذة كذلك بقوا بعيدين عن المعمل الذي يصنع فيه القانون وهو البرلمان. بسبب عدم انفتاح الأحزاب التي تشارك في الفعل السياسي عليهم.
وبعد ما ينهي الأستاذ الجامعي تفسيره وتأويله للقانون تتدخل سلطة أخرى هي التي تواجه وتخضع الفرد والمجتمع لتفسيرها وتأويلها للقانون الخاص بها وهو القضاء.
فالمواطن عند خلافه مع القانون لا ينظر لا إلى من صوت عليه. ولا الى من فسره وأوله. بل ينظر إلى من يطبق عليه.
حقا إن دستور2011 نص على ان القضاء سلطة مستقلة. وهذا مكسب مهم اتى به دستور 2011. لا وجود له في عدد من الدساتير لدول أخرى.
لكن، عندما ينص الدستور في فصله 6 على ان القانون ملزم للجميع وان الجميع متساوون أمام القانون, فيجب أن يشعر المتقاضي بالتطبيق الصحيح والمتساوي لما ينص عليه الدستور. أي يشعر بالمساوات في الأحكام القضائية التي تطبيق القانون.
وتطبيق القانون يطرح تساؤل آخر حول مفهوم تعليل الاحكام ومفهوم الاجتهاد القضائي. وتعدد واختلاف بعض الأحكام القضائية في تطبيق نص قانوني معلوم. وهو المدخل الرابع لهذا العرض.
المدخل الرابع:
المساواة أمام القانون تلزم المساواة في الاحكام:
فتح نقاش كبير بعدما نص دستور 2011 على نقل القضاء إلى مرتبة السلطة المستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية. وذلك بالنص عليها بكل وضوح في الفصل 107 من الدستور من جهة. كما نص نفس الفصل على الملك هو ضامن لاستقلال السلطة القضائية، إذ ورد في ذلك الفصل ما يلي:
"السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية.
"الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية."
ولقد بادر جلالة الملك إلى ترجمة الدستور على أرض الواقع عندما أصدر أمره بتنفيذ القوانين المتعلقة بتأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية وذلك بمقتضى ظهير شريف رقم 1.16.40 صادر في 24 مارس 2016 تنفيذ القانون التنظيمي رقم 13.100. وكذا بإصدار جلالته لظهير الشريف بتنفيذ القانون 33.17 المتعلق بنقل سلطات وزير العدل فيما يخص الدعوى العمومية الى رئيس النيابة العامة.
بهاذين الظهيرين الشريفين تم التأسيس الدستوري لاستقلال السلطة القضائية واستقلال النيابة العامة بين السلطة التنفيذية. خلافا لما كان عليه الأمر قبل دستور 2011، عندما كان وزير العدل يترأس نيابة على الملك المجلس الأعلى للقضاء. وكان كذلك يدخل في اختصاصه الاشراف المباشر على النيابة للنيابة العامة.
لكن، عندما طرأ خلاف او تباين حول مفهوم استقلال القضاء. فإن جلالة الملك سيتدخل في مناسبة لاحقة ليحسم الخلاف والتباين حول المفهوم الحقيقي لاستقلال السلطة القضائية. وذلك عندما ضمن ذلك وبصفته الدستورية كذلك كضمان لاستقلال السلطة وفقا لأحكام الفصل 107 من الدستور, في الرسالة التي وجهها إلى المؤتمر الدولي الأول للعدالة حول استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة, التي عقد يوم 02/04/2018 بمراكش إد ورد في الفقرة 15 من تلك الرسالة ما يلي:
"بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات، في بناء الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة، "فإنه يبقى منشغلا، مثل كل المجتمعات التي تولي أهمية قصوى للموضوع، بالرهانات "والتحديات التي تواجه القضاء عبر العالم.
"ويأتي في مقدمة هذه التحديات، ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة "والتطبيق، باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ "يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي.
"فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من "القانون وحده مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته.
"وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو "إغواء يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية.
"كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية "للتنمية، يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات "الاقتصادية والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات."
وأنه يتبين إذن أن جلالة الملك أكد على أن القانون يجب أن يكون هو الحكم بين المتقاضين بل عزز تأكيد عندما استعمل كلمة ان يجعل القاضي القانون وحده مرجعا لقراراته.
غير انه من الملاحظ أن كل من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية ومشروع قانون المسطرة الجنائية هما المشروعين الذين سيحددان كيفية اصدار الأحكام على المتقاضي, إلا ان أيا منهما لم يشر أي منهما إلى ما اتى به دستور 2011 من مكتسبات. ولا الى ما أتت به الرسالة الملكية. ولم تدمج فيها تطبيقات واضحة للفصل 124 من الدستور الذي ينص على:
"تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك وطبقا للقانون."
علما أن دستور 1996 وما قبله كان ينص في الفصل 83 فقط على ما يلي
"تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك."
بينما دستور 2011 اشهد على التحول الذي يجب ان تخضع له الاحكام القضائي بضرورة التزامها بتطبيق القانون. وهو ما يعني ان الحكم الذي يحمل اسم جلالة الملك يجب ان يكون مطابقا للقانون.
وهكذا نلاحظ أن دستور 2011
1 – أسس لأول مرة للطابع الدستوري للقانون. عندما نص على ذلك في الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من الدستور التي ورد فيها ما يلي:
"تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة.
– أوجب أن الأحكام القضائية لكي تحمل اسم جلالة الملك يجب أن تكون مطابقة للقانون.
هذه الدعائم الدستورية ستجد ترجمة مخلصة وكاملة لها في الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمر الدولي حول استقلال السلطة القضائية.
وأعتقد أن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية وشروع قانون المسطرة الجنائية يجب أن تلتحق بالإرادة الملكية الواضحة في جعل ما أتى به دستور 2011 من حقوق للمواطنين واقعا يستفيد منه المتقاضي سواء كان فردا أو جماعة.
المدخل الخامس
مدى اخضاع البرلمان فيما يصدره تشريع وقوانين لدستور 2011
نأخذ أمثلة على لملاحظة حضور الازمة المتحدث عنها ونبدأ بالقانون المنظم للتنظيم القضائي.
حقا يمكن القول ان التنظيم القضائي الذي دخل حيز التنفيذ أخيرا , استحضر مضمون الفصل السادس من دليل حقوق الانسان الخاص بالقضاة والمدعين العامين والمحامين الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الانسان بالتعاون مع رابطة المحامين الدولية التابعة للأمم المتحدة في 02 يونيو 2003. وعلى الخصوص في فصله السادس. ووضع آلية للحيلولة دون اصدار احكام مختلفة باختلاف على المتقاضين امام نفس المحكمة. مع انهم يوجدون في نفس الوضعية. والزم بان تصدر نفس الاحكام على كل المتقاضين عندما يكونون في نفس الوضعية.
وبالفعل فإن قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي أكد على وجوب تطبيق الحق في المساواة امام القانون عندما اعتبر بان التنظيم القضائي في المملكة يتكون من محاكم. وليس من قضاة. كما هو واضح من المادة الأول منه التي نصت على:
يشمل التنظيم القضائي:
أولا المحاكم الدرجة الأولى
.........
كما نصت المادة 5 من نفس القانون على المبدأ المركزي والأساسي للتنظيم القضائي بالمغرب وهو وحدة القضاء. إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
"يعتمد التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء. وتعتبر محكمة النقض اعلى هيئة "قضائية بالمملكة.
فالمادة 5 المشار اليها أعلاه تتكلم على وحدة القضاء. أي انها تتوجه الى الحكم الذي تصدره المحاكم. كما انها تعتبر كجواب على سؤال نية الدولة في احداث محكمة عليا للقضاء الإداري بانه لا رغبة اليوم في انشاء محكمة عليا للقضاء الإداري مستقلة على محكمة لنقض. وهو ما يعني وجوب توحيد العمل القضائي على كل المتقاضين في المغرب. بل ذهبت تلك المادة الى حث محكمة النقض بان تعمل على توحيد الاجتهاد في كل المحاكم على الصعيد الوطني. وتوحيد الاجتهاد القضائي هو الوسيلة الوحيدة لمنع التمييز في تطبيق القانون. وفقا لما ينص على الفصل السادس من الدليل المشار اليه أعلاه.
غير ان مما اتي به التنظيم القضائي هو انه رفع عن مهام القاضي استقلاليتها عن المحكمة التي يعمل بها. عندما اخضعه الى سلطة المسؤول القضائي بها. وهو ما يتبين من المادة 7 من قانون 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي التي ورد فيها ما يلي:
"تمارس المحاكم مهامها القضائية تحت سلطة المسؤولين القضائيين بها، مع مراعاة مقتضيات "المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 13.106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتمارس مهامها "الادارية والمالية تحت إشراف المسؤولين القضائيين والاداريين بها، بما يؤمن انتظام واستمرارية "الخدمات التي تقدمها.
"تعقد المحاكم جلساتها بكيفية منتظمة لا يجوز بأي حال من الاحوال، الاخلال بالسير العادي "لعمل المحاكم. ويتعين على المسؤولين المعنيين اتخاذ جميع التدابير اللازمة لذلك طبقا للقانون، "بما في ذلك برنامج الرخص الادارية للقضاة والموظفين العاملين بالمحكمة.
فالمادة 7 من التنظيم القضائي جعلت مهام القاضي القضائية , أي الاحكام التي يصدرها, تحت سلطة المسؤول القضائي لمحكمة التي يعمل بها. أي تحت سلطة رئيس المحكمة. بل ان تلك السلطة تجاوزت مهامه القضائية الى الدخول في حياته الخاصة عندما رخصت لرئيس المحكمة تحديد برنامج رخصته الإدارية. علما ان تلك الرخصة تتداخل بين ماو شخصي وما هو وظيفي. وكان من الاحسن السكوت على هذا التداخل كما هو كان الوضع في السابق وليس تغليب بنص القانون الجانب على آخر.
فالمادة 7 المذكورة تطرح اليوم سؤال حول المفهوم الجديد لاستقلال القاضي. خصوصا:
1-أنها استعملت نفس الصيغة القانونية المستعملة في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة بخصوص قضاة النيابة العامة. وهي الصيغة المستعملة في المادة 25 منه التي تنص على أن قضاة النيابة العامة يعملون تحت سلطة ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين.
2-ان القانون التنظيم القضائي تداولت فيه المحكمة الدستورية بطلب من رئيس الحكومة السابقة مرة أولى. تم مرة ثانية وبعد ذلك صادقت عليه فيها. بعدما اعتبرت ان بعض مواده مطابقة للدستور. وبعضها ليس فيه ما يخالف الدستور.
وكمثال ثاني على القانون غير العادل نورد ما أتت به مدونة الحقوق العينية في المادة 2 منها التي أصبحت تلزم كل من يملك عقارا مثل بيته الذي يسكنه وعائلته بان ينتقل بانتظام الى المحافظة من اجل التحقق هل لازال العقار في اسمه ام تم التشطيب على اسمه وسجل محله اسم شخص آخر تملك عقاره بعقد مزور. وإلا تم طرده من منزله بعد 4 سنوات. إذ تنص تلك المادة على ما يلي:
"إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه "وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة "فيها.
"إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك "به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان "صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة "بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه.
فهذه المادة تلزم المالك الأصلي لمنزله بان ينتقل كل مرة للمحافظة العقارية ليتحقق هل منزله لازال مسجلا في اسمه ام تم التشطيب عليه من الرسم العقاري بالمحافظة العقارية حتى ولو تم ذلك التشطيب بعقد مزور.
إذ ان الحكومة التي اقترحت تلك المادة. والبرلمان الذي صوت عليها في الفترة ما بين 2011 و2016 بدل ان يحميا معا حق الملكية وفقا لما ينص عليه الدستور. قرروا حماية من يستعمل التزوير. أي من يخالف القانون.
فهذا القانون وان صدر عن البرلمان فهو قانون غير عادل. لكن القاضي ملزم بتطبيقه. مما يؤدي الى المس بشروط المحاكمة العادلة. ليس بسبب حكم القاضي. وإنما بسبب القانون غير العادل الذي سنته الحكومة وصوت عليه البرلمان آنذاك.