الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحق غريب: السيناريوهات المحتملة لإسقاط قانون إصلاح التقاعد دستوريا

عبد الحق غريب: السيناريوهات المحتملة لإسقاط قانون إصلاح التقاعد دستوريا عبد الحق غريب
مباشرة بعد انتهاء أشغال الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) يوم الخميس 16 مارس 2023، تحولت الإحتجاجات السلمية ضد إصلاح الثقاعد بفرنسا إلى شغب ونهب وتخريب، وإلى مواجهات قوية واصطدامات عنيفة بين المحتجين ورجال الأمن الذين لجؤوا إلى استعمال خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق عدد من المتظاهرين... والسبب في ذلك هو إعلان رئيسة الحكومة، إليزابيث بورن، أمام الجمعية الوطنية اعتماد الفصل 49.3 من الدستور لتمرير مشروع قانون إصلاح التقاعد، عوض عرضه على التصويت في البرلمان!!.
وقد تعرضت رئيسة الحكومة لاستهجان النواب الذين احتجوا وهم يرفعون لافتات ويرددون النشيد الوطني "لامارسييز" تعبيرا عن رفضهم لاستعمالها الفصل 49.3 من الدستور... بالإضافة لذلك، دعت النقابات العمالية،مباشرة بعد انتهاء أشغال الجمعية الوطنية، لتصعيد الإحتجاجات والإضرابات، وقدمت الأحزاب المعارضة لقانون إصلاح التقاعد مقترحين لحجب الثقة عن الحكومة (ملتمس رقابة)، يُرتقب أن يتم التصويت عليهما يوم غد، الاثنين 20 مارس. المقترح الأول قدمه نواب مجموعة "ليوت LIOT" المستقلة (الحريات، المستقلون، ما وراء البحار والأقاليم)، وشارك في التوقيع عليه نواب من ائتلاف "نوبس" اليساري. أما ملتمس الرقابة الثاني فقد تقدم به نواب حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، مؤكدين أنهم سيصوتون "لصالح كل اقتراحات حجب الثقة المقدمة".
وفي حالة فشل حجب الثقة عن الحكومة الاثنين (أقل من 287 صوت)، فإن السيناريوهات الممكنة لسحب هذا القانون، وفق ما ينص عليه الدستور الفرنسي، هي :
1- الرقابة الدستورية، من خلال لجوء ما لا يقل عن 60 برلمانيًا إلى المجلس الدستوري (La saisine parlementaire)، في غضون خمسة عشر يومًا بعد الاعتماد النهائي للقانون، وذلك من أجل تعليق المهلة المحددة لإصداره... وقد أعلنت زعيمة نواب حزب "فرنسا الأبية" (La France insoumise)، ماتيلد بانو، أن اليسار سيطلق هذا المبادرة.
2- تنظيم استفتاء من أجل سحب إصلاح التقاعد، وذلك بعد توقيع خُمس (1/5) البرلمانيين على مقترح قانون في هذا الشأن... وهو إجراء ممكن من الناحية النظرية، لكنه مقيد بالوقت.
3- أما السيناريو الأقرب لإسقاط قانون إصلاح التقاعد، فهو السيناريو الذي لا يختلف عما وقع سنة 2006، عندما لجأ رئيس الوزراء آنذاك، دومينيك دي فيلبان، إلى نفس الفصل الدستوري، أي الفصل 49.3، لاعتماد قانون يتعلق بعقد العمل الأول (contrat première embauche) دون التصويت عليه، حيث تم تعليق هذا القانون على الفور، وإحالته لتصويت جديد بالرغم من صدوره... وقد جاء هذا الرد الاستثنائي من السلطة التنفيذية بعد حالة التوتر الاجتماعي الشديد والاحتجاجات القوية التي عرفتها مختلف المدن الفرنسية، والاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، ورأي عام مؤيد للمحتجين.
جدير بالذكر أن إصلاح التقاعد بفرنسا (الرفع من سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة) تم الإعلان عنه بتاريخ 10 يناير الماضي، وأن النقابات عبرت في نفس اليوم عن رفضها القاطع لهذا الإصلاح  وأعلنت عن خوض إضرابات في أهم القطاعات الحيوية في البلاد، وتنظيم احتجاجات حاشدة، انطلقت منذ يوم 19 يناير، تكبد على إثرها الاقتصاد الفرنسي خسائر كبيرة.. وها هي الاحتجاجات ما تزال مستمرة إلى حدود الآن (ليلة الأحد/الاثنين)، وقد تؤول الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه في القادم من الأيام، خاصة وأن النقابات العمالية دعت الفرنسيين لتصعيد الاحتجاجات والإضرابات.
في الأخير... وأمام ما يجري في فرنسا منذ يوم 10 يناير 2023، وما يُتوقع أن يحدث في القادم من الأيام ضدا على رفع سن التقاعد؛
واستحضارا لحزمة الإجراءات الخطيرة والمجحفة التي يحملها مشروع قانون إصلاح التقاعد في المغرب (رفع السن + الرفع من الاشتراك + خفض راتب التقاعد + 70% كحد أقصى للمعاش)؛
وأخذا بعين الاعتبار أن إصلاح التقاعد 2016 جاء بعد إفلاس الصناديق جراء سوء تسييرها ونهب أموالها، دون محاسبة ولا مساءلة؛
أمام كل هذا نطرح الأسئلة التالية:
لماذا لم يصدر أي رد فعل من النقابات بعد إعلان حكومة أخنوش عن الإصلاح الثاني للتقاعد، دون محاسبة المسؤولين عن إفلاس الصناديق؟.
ولماذا قبلت بالانخراط والمشاركة في اللجنة الخاصة بإصلاح التقاعد (ممثلين عن الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب)، واتفقت على منهجية العمل مع باطرونا جشعة تمتص عرق جبين العمال وحكومة لا ديمقراطية ولا شعبية تدافع عن الباطرونا، عوض رفض الإصلاح والإعلان عن خطة نضالية؟
وماذا عسى النقابات والأحزاب أن تفعل عندما تقرر الحكومة إحالة مشروع الإصلاح على برلمان تحول إلى غرفة تسجيل؟.
وما الجدوى من دستور ينص على مؤسسات لا تمارس صلاحياتها، وبرلمان لا يخدم مصالح الشعب ونقابات لا تحمي حقوق ومكتسبات العمال؟.