الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مصطفى عنترة: ماذا ننتظر من المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟

مصطفى عنترة: ماذا ننتظر من المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟ مصطفى عنترة
عرف الحقل اللغوي ببلادنا فوضى بسبب غياب اختيار سياسة لغوية واضحة، إذ كان موزعا بين ست لغات وهي: العربية والأمازيغية والعربية العامية(الدارجة) والفرنسية والإسبانية والإنجليزية، كل منها تؤدي وظيفتها داخل المجتمع.
خضع هذا الحقل طيلة سنوات لسياسة التجريب، حيث لم تفلح الوصفات السياسية التي قدمت له، سواء تلك التي أنجزت داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها، وظل الوضع يتسم كما أشرنا بنوع من الإرتجالية والفوضى.
نعتقد أن فشل السياسة اللغوية بالمغرب يعود لكونها لم تكن ضمن اولويات بناء الدولة الوطنية، ولم تطرح بشكل ديمقراطي بعيد الاستقلال. كما أن "معالجة" هذه الإشكالية تمت بأسلوب سلطوي بعيدا عن خصوصية الواقع اللغوي والثقافي، وبعيدا عن تحديد الوظائف التنموية للغة وربطها بالبناء المؤسساتي الديمقراطي. ويكفي أن نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر، إلى طبيعة تعامل الدولة مع موضوع اللغة الامازيغية، وما لحقها من إنكار، لدرجة ان قرارا ساميا مثل خطاب الراحل الحسن الثاني في 20 غشت 1994 حول تدريس ما سمي ب"اللهجات الامازيغية" لم يعرف طريقه نحو التنفيذ.
هكذا ظلت المسألة اللغوية موضوعا للمزايدات السياسية والايديولوجية والإجراءات الظرفية، حيث كانت تقرر سياسة معينة، ثم سرعان ما تأتي سياسة متناقضة معها. وحتى إذا كان هناك إجراء ناجعا فإننا لا نصاحبه بالوسائل الضرورية الكفيلة بتطبيقه، مما جعل معالجة الإشكالية اللغوية مؤجلة رغم إعلان المبادئ والنوايا الذي كان يرفع ويصدر في مناسبة وأخرى.
لكن نعتقد أن تعيين المستشار الملكي الأستاذ عمر عزيمان على رأس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي شكل بداية نضج وعي الدولة بضرورة تنظيم الحقل اللغوي، وربطه بالاوراش الإصلاحية الكبرى التي يرعاها الملك محمد السادس.
قدم المجلس رؤيته الاستراتيجية في شأن موضوع التعليم في شموليته، وبالرغم من الانتقادات التي عرفتها، خصوصا من قبل الفاعل الأمازيغي، لكون المخطط تعامل مع الامازيغية من باب الاستئناس، إلا أنه اعتبر خطوة هامة في معالجة الإشكالية اللغوية المطروحة.
شكل الاعتراف الملكي بالأمازيغية مكسبا جديدا في مسار تنظيم الحقل اللغوي، إذ انتلقنا من أحادية لغوية إلى تعددية لغوية سيتم الإقرار بشرعيتها في دستور 2011. ثم ستأتي محطة المصادقة على قانون تنظيم يهم تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وقانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة وطنية دستورية مستقلة ومرجعية في بلورة التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال السياسات العمومية المرتبطة باللغة والثقافة.
ومن هذا المنطلق نتساءل عن انتظاراتنا من المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
أكيد ان المطلع على الوظائف المحددة لهذه المؤسسة الدستورية في القانون المنظم لها يلمس أهميتها الكبرى في الحقل الثقافي واللغوي، المتسم بالحساسية اعتبارا لما يمثله البعد الثقافي اليوم من أهمية كمكون للشخصية المغربية وما يلعبه من ادوار في تحقيق السلم الاجتماعي وترسيخ الاستقرار السياسي وكذلك لما يشكله من رافعة للتنمية المستدامة.
إن رهانات المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كثيرة، لعل أبرزها وأولها العمل على تشخيص وتقييم الوضع اللغوي والثقافي في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المجتمع المغربي، ووضع اقتراحات واقعية كفيلة ببلورة استراتيجية وطنية واضحة في مجال اللغة والثقافة تأخذ بعين الاعتبار تطورات العولمة، وحماية الثقافات الوطنية مع الانفتاح على قيم الاختلاف والتسامح والتعايش والحوار بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء، وأيضا تعزيز ثقافة المشاركة والحوار والتشاور بين مختلف الفاعلين المعنيين بقضايا اللغة والثقافة.
وكذلك، وهذا هو الأهم، مأسسة مقاربة دولتية لتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي تقينا من هيمنة اللغات الاجنبية بالرغم من حاجتها الضرورية وأهميتها القصوى في عالم اليوم، وتبعدنا مستقبلا عن صراع الهويات.
إننا ننطلق في التأكيد على أهمية الرهانات المطروحة على المجلس من كون قضايا اللغة والثقافة هي في جوهرها قضايا مجتمعية خلافية، تتطلب مقاربة نوعية وتوافقا وإستراتيجية، من خلال ربطها بمعطى التعدد والتنوع الذي تزخر به بلادنا وبالدينامية المجتمعية وبالنموذج التنموي والديمقراطي لمغرب الغد.
 
■مصطفى عنترة، كاتب صحفي