الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد هرار: استهداف الهُويّة والمصير

محمد هرار: استهداف الهُويّة والمصير محمد هرار
لبلاد شمال أفريقيا، أو بلاد المغرب الأمازيغيّ العربيّ الإسلاميّ، كما تحلو للكثير تسميتها؛ عناصر ائتلاف وقواسم مشتركة توحّدها، لا تجدها في بلدان أخرى من المعمورة بل لا تجدها حتّى في بقيّة العالم العربيّ. قواسم رابطة جامعة موحّدة أكبر مِن أن تؤثّر فيها الدّسائس المستمرّة التي آلمها ذلك الانسجام وذاك التّوافق؛ غير أنّ صمود البناء لا يعني عدم وجود بعض الشّقوق فيه نتيجة كثرة الجهد، وهو ما يفسّر بعض التّباينات والاختلافات الطّفيفة هنا وهناك، ممّا يمكن تبريره أو ممّا يمكن الانتباه إلى مصادر تقريره.
إن ما يجمع بين أجزاء الوطن المغاربي بشمال أفريقيا، وما يربط بين أقطاره المتقاربة المتلاصقة قدرًا أكثرُ بكثير ممّا يفرّقه، ويبدو ذلك واضحا للعيان، نظرا لما جمع بين شعوب المنطقة من كفاح ونضال مشتركين ضدّ المحتلّين الغزاة منذ القدم، وما قاموا به من ثورات حديثة من أجل الحرّية والانعتاق، من ربقة الاستعمار الغربيّ، واستعادة الوحدة التّرابيّة للوطن الذي عمل المحتلّ جاهدا على سلبه وتمزيقه.
لقد نجح المحتلّ في رسم الحدود، بل نجح حتّى في إرساء سياسات تميّز القطاعات داخل الحدود بعضها عن بعض، ولكنّه لم ينجح في بثّ الكراهيّة والتّباغض بين الشّعوب، ولم يتمكّن من قطع حبل التّواصل والوصل بين المغاربة جميعا، فظلّوا نسيجا واحدا يتداعى لأقصاهم أدناهم، ولمَن في الشّمال مَن في جنوبهم.
إلّا أنّ المحتلّ الغادر لم يستسلم بسهولة، وقاوم بخبث ودسائس، وعمل على إيجاد ما يضمن له الاستمرار غير المباشر، فغادر تاركا عيونه التي لا تُغمَض ولا تنام، واضعا مجموعة من السّياسات التي تعبث بمصير المنطقة وسكانها، لعلّ من أبرزها سياسة دقّ الأسافين وسياسة فرّق تسد، التي يستعمل فيها المنظور القوميّ أو الدّينيّ والإثنيّ، وهو ما أنشأ تناقضا مفتعلا بين الانتماء الوطنيّ والانتماء القوميّ، أو بين الانتماء العربيّ والأمازيغيّ والانتماء الإسلاميّ والعمق الأفريقيّ. في حين أنّ روابط الوحدة ووحدة المصير بين شعوب هذه الأمّة المغاربيّة الجسور، لا تجعل هناك تناقضًا بين الوطنيّة أو بين القوميّة العربيّة، ولا بين الهويّة الثّقافيّة العربيّة والحضارة الإسلاميّة.
إنها هويّة واحدة متداخلة متكاملة ومتّصلة، عربيّة الثّقافة، إسلاميّة الحضارة أمازيغية الأصل والموطن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إنّما هي بعض الإشارات التّاريخيّة والثّقافية والواقعيّة المعاشة التي رأيت التّوقّف معها نظرا لقدرتها الواضحة في التّأثير على مشهد المنطقة المغاربيّة وفيه، حاضرا وواقعا ومستقبلا. وإنّنا إذا صلحت النّوايا وأحسنّا استخلاص الدّروس والعبر؛ نجحنا في التّوصّل إلى معالجة أسباب "الارتجاجات" المجتمعيّة والسّياسيّة التي أرادها لنا المحتلّ البغيض ونجحنا في اجتثاث جذور الصّراع المفتعل التي أنعشها كذلك اختلال الواقع الاقتصاديّ المتدهور والسّياسيّ والاجتماعيّ؛ ثمّ استمعنا بآذان القلوب إلى أصوات الشّارع المنادي بتغيير ليس عنده إلّا تأكيد من انطلقنا منه، وهو المتمثّل في الوحدة المغاربيّة والاندماج الاقتصاديّ على غرار التّكتلات النّاجحة في كثير من قارّات المعمورة بما يؤكّد أنّ ما يجمع الوطن المغاربيّ، أكثر ممّا يفرّقه؛ وأنّنا لن نكون ظهيرا للمحتلّين الغزاة..
فمن يقف منّا حجر عثرة في وجوه الشّعوب التّوّاقة للتكامل والوحدة والشّراكة المغاربيّة المتنوعة؛ إلّا أن يكون ممّن يشجّع الدّور الاستعماريّ البغيض في الجهة!؟.