الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: صَبُّ أو سَكبُ الماء في الرَّملِ

أحمد الحطاب: صَبُّ أو سَكبُ الماء في الرَّملِ أحمد الحطاب
عنوانُ هذه المقالة هو، في الحقيقة، تَفصِيحٌ (من الفُصحى) لمثَلٍ مغربي معروف ومتداول وهو الآتي : "كَيْكُبْ لْمَا فْالرَّمْلَ". ويُستعمل هذا المثلُ عندما تُصرفُ الجهود والوقتُ والمال لتكونَ للأقوالُ والأعمالُ والسلوكات نتائج ملموسة على أرض الواقع، لكن بدون جدوى. وبعبارة أخرى، لا الجهود المبذولة ولا الوقت المُضحى به ولا المالُ المُنفَق عناصرٌ لم تؤتِ اُكلَها، أي كل هذه العناصر ذهبت هبأً منثورا. لماذا لجأتُ لهذا المثل المغربي؟ لأني أريد أن أجعلَ منه صُلبَ موضوع هذه المقالة. لماذا؟
لأن المناسبات التي يتم فيها ضياعُ الجُهد وإنفاقُ الوقت والمال، بدون جدوى، كثيرة في حياتنا اليومية وخصوصا في الحياة السياسية. 
خير مثال أبدأ به هذا الضياعَ وهذا الإنفاقَ غير المجديين، هو العدد الهائل من الاجتماعات والندوات والمناظرات والمنتديات… وبصفة عامة اللقاءات التي، باستثناء ما تُداوِلُه من لغطٍ ولغوٍ وكلامٍ فارغٍ ومن أخذ وردٍّ ونقاشٍ ونقاش مضادٍّ، لا جدوى منها ولا وَقعَ لها لا على الحياة اليومية ولا على الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية وغيرها مما ينفع البلادَ والعبادَ. اجتماعات داخل الوزارات وبينها تُكلَّلُ دائما بمحاضر تتصمَّن أحيانا قراراتٍ مهمة، ولقاءات تنتهي دائما بإصدار توصياتٍ، إن طُبِّقت على أرض الواقع، قد تُحدِث تحسيناتٍ أو تطوُّراتٍ أو قد تُغيِّر وضعا غير مرضي أو… لكن،  بمجرَّدِ ما تنتهي الاجتماعات واللقاءات، تتبخَّر القرارات والتَّوصيات لتصبحَ في خبرِ كان. لماذا؟
لأن الوقتَ أو مفهوم الوقت لا قيمةَ له في الثقافة المغربية، وبصفة عامة، في الثقافة العربية! لا أحدَ يؤمن بالمثل الذي تناقلته الأجيالُ : "الوقتُ من ذهب"، أي أن الوقتَ له مقابل مالي قد يذهب سُدىً إن أُسيءَ تدبيرُه، علما أن ما مضى من الوقتَ لا يمكن أن يعودَ. ولهذا فالضياعُ الناتِج عن سوء تدبير الوقت الذي مضى، فهو ضياعٌ لفرصٍ هائلة كان من الممكن استغلالُها بكيفية عقلانية. ولهذا، فالاجتماعات واللقاءات المُفرغة من الجدوى تتسبَّبُ في ضياعٍ مالي لا أحدَ ينتبه له. لماذا؟
لأن الأشخاصَ الذين يحضرون الاجتماعات الوزارية أو البَيْوزارية، المنعدمة الجدوى، هم موظفون أو مأجورون يتقاضون راتِبا شهريا. وعوض أن ينشغلوا بأمورٍ تعود بالنفع على قطاعاتهم، فإن جزأً من رواتبهم يُصرف لهم بدون إنتاجٍ يُذكَر. وبما أن الاجتماعات واللِّقاءات تتعدَّدُ خلالَ اليوم الواحد، بإمكاننا تصوُّرُ كميةَ المال التي تدهب هبأً منثورا. و إذا أسقطنا هذا الضياعَ المالي على الناتج الداخلي الخام PIB، يمكننا القول بأن موارد مالية تبدَّدت ولم تستفدْ منها التَّنمية.
ليست الاجتماعات واللقاءات إلا أمثلةٌ من بين المئات من الأمثلة التي تكون سببا في ضياعِ الجُهد والوقت و المال! ناهيك عن المشاريع التي لا توجد إلا على الورق والمشاريع التي دخلت في طي النسيان والمشاريع التي وُضِعَ لها الحجرُ الأساسي وتُرِكت لحالها والمشاريع التي أُنجِزت وأصابها الضياعُ والإهمال… إنه لأمرٌ محيِّرٌ يدفع المُلاحظَ إلى طرحِ سؤال لا يقلُّ حيرةً وغرابةً : "كيف ينمو هذا البلد السعيد و كيف يتطوَّر ويسير إلى الأمام؟ الجوابُ على هذا السؤال بسيط للغاية! كل المشاريع والأوراش التي مكَّنت البلادَ من التنمية والتَّطوُّر، على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، مشاريعٌ وأوراشٌ مَلَكِية!
التَّغطية الاجتماعية والصِّحِّية ورشٌ ملكي. محاربة وباء فيروس كورونا ورشٌ ملكي. ميناء المتوسِّط ورشٌ ملكي. مبادرة التَّنمية البشرية ورشٌ ملكي. القطار السريع ورشٌ ملكي. مدُّ هذا القطار من الدار البيضاء إلى أݣادير ورشٌ ملكي. النموذج الجديد للتنمية ورشٌ ملكي. تنمية الأقاليم الجنوبية في الصحراء المغربية ورشٌ ملكي. حضور المغرب سياسيا، اقتصاديا ودينيا في إفريقيا ورشٌ ملكي. تنويع الشراكات الاقتصادية عبر العالم ورشٌ ملكي. توسيعٌ وتنويع الصناعات الدوائية ورشٌ ملكي. مشروعا مينائي الناظور والداخلة ورشٌ ملكي… 
كل عاقلٍ له ذرَّةٌ من الذكاء و الفِطنة، سيطرح الأسئلة التالية : "ما هو دورُ الحكومة، اي الجهاز التَّنفيذي؟ ما هو دورُ البرلمان فيما يخُصُّ مراقبته للعمل الحكومي؟ ماذا تفعل الأحزابُ السياسيةُ في الأغلبية البرلمانية وفي الحكومة؟ ما الفائدة من الانتخابات إن كانت تُفرِز برلمانا وحكومةً وهميين أو صُوريين؟ فهل من الممكن أن نستغنيَ عن الأحزاب السياسية وعن الانتخابات للتعامل مع حكومةٍ من اختيار أعلى سلطةٍ في البلاد ما دامت هذه السلطة هي المُحرِّك أو الفاعلُ الأساسي في تنمية البلاد وتطوُّرها؟ فهل المغاربة مجبورون على الذهاب إلى ضناديق الاقتراع ليجدوا أنفسَهم أمام برلماناتٍ وحكوماتٍ تصبُّ الماءَ في الرمل؟ فهل المغاربة يؤدون الضرائبَ ليُنفَقَ جزءٌ منها على تسييرِ قطاعات وزارية عقيمة؟
في هذه الحالة، فإن الأحزابَ السياسيةَ والانتخابات والبرلمانات والحكومات المنبثقة عنها أعباءٌ تُثقِل كاهلَ المواطنين المغاربة الذين يتفرَّجون مُكرهين على صرف قسطٍ وافرٍ من ضرائبهم، أولا، لتمويل انتخابات لا تصلح لشيء. ثانيا، لتمويل تسيير البرلمانات والقطاعات الوزارية التي تعُجُّ بموظفين وموظفات، جزء كبير منهم لا قيمةَ مضافة لهم، بمعنى أنه، من الممكن، الاستغناءُ عن هذا الجزء دون أن يحدثَ أدنى خللٍ في التسيير.
إذن، لا غرابةَ أن يتعايشَ المغاربةُ مع مشكلات اجتماعية أصبحت مُزمِنةً كبناء الإنسان المغربي وكالقضاء على الفقر وعلى الأمية وعلى الفوارق الاجتماعية وعلى الريع وعلى الفساد بجميع مظاهره الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية وإصلاح التعليم وتخليق الحياة العامة والنهوض بالعالم القروي وإصلاح الإدارة… 
مشكلات تعوَّدت الأحزابُ السياسية والبرلمانات والحكومات المنبثقة عنها على تحويلِها إلى ماءٍ بَرِعَت في صبِّه في الرمل!