الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي :حول مدينة قلعة السراغنة بين  الركود والفساد.. مرة أخرى

صافي الدين البدالي :حول مدينة قلعة السراغنة بين  الركود والفساد.. مرة أخرى صافي الدين البدالي

سبق أن أشرنا في مقال سابق بعنوان "مشاكل قلعة السراغنة وأخواتها"، و تعهدنا للمتتبع بالعودة الى الموضوع. وبما أن لا شيء تغير منذ ذلك الحين، أي منذ  شتنبر الماضي ، نعود إلى  موضوع مدينتنا التي تعيش ركودا وتخلفا وتعيش نزيفا بيئيا، حتى أصبح أغلب السكان  يتساءلون عن أسباب هذا الركود وهذا  التخلف اللذان تعيشهما مدينة قلعة السراغنة دون غيرها من المدن المغربية  اقتصاديا واجتماعيا ؟؟ و على المستوى التأهيل الحضري والعمراني والبيئي  والبنية التحتية، وايضا على مستوى المشاريع التنموية وهي تساؤلات وجيهة و مشروعة.

إنه قد يعتقد البعض بأن ما تعيشه المدينة الآن من وضع يطغى عليه الركود و  البؤس الاجتماعي والثقافي جاء  بالصدفة أوبسبب عطب عابر في آلة تسيير وتدبير الشأن المحلي ،في حين أن الحقيقة ليست كذلك:
أولا :- لأن التخلف والركود هما نتيجة تراكم من صنع  أيدي الفساد الإداري و المالي والسياسي والاخلاقي ..
ثانيا:-  لأن توقف نبض المدينة هو نتيجة الفساد الإداري الذي جعلها محاصرة بأحزمة البؤس التي شكلها البناء العشوائي الذي ظل مجالا للاغتناء غير المشروع من طرف السلطة واعوانها وكثيرمن المستشارين حتى أصبح واقعا مرغوبا فيه، لأنه يشكل كتلة ناخبة تحت الطلب من طرف  المسؤولين عن الشأن المحلي من منتخبين وسلطات محلية وإقليمية   للتحكم في التوازنات السياسية. 
ثالثا :- إن هذه الأحزمة أصبحت احزمة ناسفة تهدد كل تقدم عمراني وحضاري  سالمين ، فهي التي أنتجت  العربات المجرورة لنقل الركاب داخل المدينة و العبث بالنفايات المنزلية ليلا ونهارا ،وأصبحت تشكل خطورة على المارة وأصحاب السيارات ، في حين أن الأمن والسلطات و المجلس لا يحركون ساكنا لحماية المدينة من هذه المظاهر المشينة..لأن هناك منهم من له مصلحة في ذلك ،لأنه يستفيد من مداخلها اليومية ،وأصبح مع الذين  يعترضون على استفادة المدينة من أي نقل حضري ممكن. إنه سلوك يعبرعن الفساد الأخلاقي الذي لا ينتج إلا مظاهر الفوضى وانتشار البؤس بالمدينة وتعطيل  وتيرة النمو والتطور .
رابعا:- إن الفساد  الإداري كان ولا يزال  السبب في تكاثرالباعة  المتجولين واحتلالهم  الشوارع والأزقة مجبرين ويتعرضون للاستغلال من طرف مسؤولين من السلطة  وأعوانها ومن طرف بعض أعضاء المجلس.وظل هؤلاء ينتظرون حلا جذريا مناسبا بعيدا عن الإستغلال والمحسوبية والزبونية بتاهيل الأسواق النموذجية و تأطيرها بقانون يحميهم من بطش المكلفين بتدبير هذه الأسواق التي أصبحت موضوع شبهات تتجلى في  الاستغلال غير القانوني لهؤلاء الباعة ماديا و معنويا، خاصة في الانتخابات لأنهم يشكلون كتلة ناخبة مهمة يراهن عليها بعض المستشارين بالمجلس حتى  يضمنوا   الإستمرار في هذا المجلس.   
خامسا :- إن آفة الفساد الإداري والمالي التي ابتليت بها المدينة هي سبب الركود الإقتصادي أي هبوط في النمو .هذا الهبوط التي  يتجلى في غياب استثمارات تساهم في التنمية المستدامة وفي الحد من ظاهرة البطالة التي أصبحت متفشية في صفوف الشباب بالمدينة ، ذلك لأن بنية استقبال المستثمرغير متوفرة، ولأن أراضي الحي الصناعي الحالي تم توزيعها من قبل و في إطار سياسة الريع     على غير المهنيين و الحقيقيين،كما أن المجلس لا يملك أية دراسة علمية و استراتيجية مندمجة من خلال تحديد مؤهلات  المدينة الطبيعية و البشرية  واليد العاملة لجلب المستثمرين من الداخل أو من الخارج .
سادسا :- أما أسباب التخلف الحضري  والعمراني فهي راجعة الى عامل المضاربات العقارية من جهة، ومن جهة أخرى  إلى عامل التستر والتشجيع على البناء العشوائي الذي أصبح يحاصر المدينة شمالا (ازنادة ) وجنوبا ( البانكة و كدية الجمالة وجنانات بن عرش ) وغربا  (المحيطة أو دوار الكوشة وعلى الطريق الوطنية المؤدية إلى بن جرير)وشرقا (جنانات الرويش ).ويعود تاريخ هذه المظاهر الى بداية الثمانينات حيث كانت الهجرة من البادية الى المدينة قوية بفعل الجفاف ، وتم استغلال الوافدين بتركهم يؤسسون أحياء عشوائية داخل المدينة ( الغابية ،اسويكية ، جنان بكار) بالاضافة الى دواور بضواحي المدينة ( دوار الليل ،دوار اكدية الجمالة  ، البانكة ، اولاد علال دوار الكرس ، الغابية … ).
ومن هنا بدأت عملية ترييف المدينة وبدأت تتكرس مظاهر البداوة بكل مظاهرها  والتي هي عكس  الحضارة التي  تعني الإستقرار، والحياة المدنيّة والتقارب الاجتماعي. ولم يكن حل  المشكل إلا على حساب هندسة التجزئات التي تم إنشاؤها من طرف السكنى و التعميرأو من طرف شركة ايراك بتخصيص قطع مجهزة  لتعويض السكن العشوائي مما جعل الأحياء  الحديثة تعرف الاكتضاض و المضاربات العقارية و العشوائية في التصاميم حتى اصبحت المدينة لا تملك هوية معمارية تربط بين ماضيها المعماري والتراثي والبيئي و بين حاضرها الذي اصبح يطغى عليه البؤس المعماري والبيئي  بفعل السياسية العمياء في تدبيرالشأن المحلي.