الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد عز الدين التازي:الدولة المغربية عاجزة على أن تكون لها استراتيجية ثقافية

محمد عز الدين التازي:الدولة المغربية عاجزة على أن تكون لها استراتيجية ثقافية محمد عز الدين التازي
فيما أرى، أنا الأكاديمي والكاتب الروائي محمد عز الدين التازي، فالثقافة ليست أولوية من أولويات الدولة، وهذا ما ينعكس سلبا على الأداء الوزاري للوزارة الوصية على الثقافة. 
في الراهن، لا توجد نهضة ثقافية تقوم بها الدولة من خلال رؤية ثقافية متكاملة، كالتي قامت بها بلدان عربية أخرى، وهذه ملاحظة أولى، لا تعني أن وزارة الثقافة لم تقم بأدوار لترسيخ حضور المغاربة في كل ما يعني الثقافة، في عهد وزراء ثقافة سابقين، انتهوا إلى أهمية حضور الفعل الثقافي في تغيير بعض المسلكيات، وإغناء المغرب بما هو غني بثراء آخر مادي.
لكن المثقف والمبدع في الراهن يجد أن رياح السياسة تأتي بمن لا خلفيات ثقافية لهم، لذلك فهم لا يستطيعون أن يخططوا لبلد ثقافي، كالمغرب سياسية ثقافية كبرى تهتم بكل المكونات لمغرب متنوع الثقافات، وبالإبداع والمبدعين. أما ما أراه هو أن تراجعات قد وقعت، بعد تولي السيد محمد بنعيسى والسيد محمد الأشعري، وتعني بالنسبة لي أن من يتقلد وظيفة وزير الثقافة ينبغي عليه أن يكون قد أتى إليها من خلال ممارسات ثقافية سابقة، والمثل من الشقيقة مصر العربية، فمن يكون رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة هو المرشح لوزارة الثقافة الأول. أما في دار لقمان فمن يأتي به الطريق لا يستطيع أن يصنع الطريق.
إن قراءة متأنية للوضع الثقافي في المغرب، تستوجب دراسة تستقرئ تاريخ نظر الدولة المغربية للثقافة ودورها أو أدوارها، منذ الاستقلال إلى بروز ثقافتين، واحدة تعبر عن الرأي الرسمي للدولة وأخرى معارضة تعبر عن الرفض والغضب.
 في متابعة هذا التاريخ تحضر السياسة في تعارض قوي بين ثقافة الدولة وثقافة المثقفين المعارضين والرافضين. هذا التاريخ، إن لم يكن سياسيا وايديولوجيا فهو لا يستطيع أن يقبض على اللحظة التاريخية التي أنجبت لهذا البلد عبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وأمثالهم من المفكرين المغاربة، الشعراء الحداثيين، والروائيين، والمسرحيين والمخرجين السينمائيين، وكلهم لم يوجدوا في ركاب الدولة، وثقافتها المحافظة، بل وجودوا من حيث الاغتناء بالثقالة الانسانية، وخارج أي تشجيع للدولة، والدليل هو بؤس جائزة المغرب للكتاب، وبخسها لجهود مبدعين هم أبناء هذا الوطن.
إن الكثير من المهتمين يتساءلون عن دور المثقف الطلائعي والمبدع الحداثي في خلق ديناميات جديدة للمشهد الثقافي، وأنا اعتقد أن هذا الدور قائم بنفسه من خلال المنجز في شتى مجالات الفكر والإبداع، أما من يتساءل عن دور آخر يتجلى في إذكاء روح النقد الاجتماعي والسياسي فعليه أن يعلم أن السلطة السياسية عندما حاصرت الفكر اليساري التحرري سواء بالقمع أو بتشجيع التيارات الأصولية قد دفعت في اتجاه ثقافة مهادنة، فما عاد من حديث عن ثقافة يسار وثقافة يمين، بل إن الأوراق قد اختلطت على كثيرين، كما لم يعد أحد من المثقفين يحمل شعارا أو يتضامن مع يوم الأرض في فلسطين، أو يجهر بإدانة لصوص المال العام، ما عدا مبادرات محدودة لا تستطيع أن تجعل الفعل الثقافي في قلب مسالة التغيير.
كيف ينظر رجل الدولة إلى المثقف؟ وهل يقدر ضرورة وجوده في المجتمع، باستقلال تام عنه، ودون أن يجعل منه بوقا يروج لسياسته؟ سوف أقدم تجربة عشتها مع العديد من أصدقائي الأدباء المغاربة عندما زرنا ليبيا في عهد القذافي، فقد دعانا الخويلدي الحميدي إلى ثكنة باب العزيزية للقاء معه، فشتم كل المثقفين العرب لكونهم يخونون الثورة (أية ثورة؟) وأخذ يمزق حزمة من الأوراق البيضاء ويرمينا بها، ويقبض حزمة من الأقلام ويرمينا بها، في "جذبة ثورية"، وكان أن ردت عليه الأديبة خناثة بنونة بقولها إن الحكام العرب هم من يخافون من المثقفين ويسعون إلى تهميش أدوارهم، وقالت إن الحكام العرب هم من يفتحون السجون في وجوه المثقفين العرب، وهم من لا يقبلون المعارضة. فما كان من الخويلدي الحميدي إلا أن يغادر القاعة فجاء من أعادنا إلى الفندق. 
في بلادنا، وزير سابق سجن وعذب العديد من المثقفين، ومنع الجمعيات الثقافية من ممارسة حقها في التعبير عن الرأي، ووزير ثقافة حرم المشاركين في المعرض الدولي للكتاب من فتات مائدة من موائده، فأثار غضبهم، ووزير الثقافة الحالي دخل في مقاضاة مع من نالوا جائزة المغرب للكتاب فخسر القضية. انحطاط في مستوى الأداء، وموضوعات لا موضوع لها، كلها تغطي على عجز الدولة المغربية على أن تكون لها استراتيجية ثقافية ترفع من سقف الإنتاج الثقافي في كافة المجالات، بتشجيع المنتجين الثقافيين.
 الحق أن المنتجين الثقافيين والمبدعين في كافة المجالات يحظون بالتشجيع من دول أخرى ولا يعولون على أي تشجيع من بلدهم. وزراء ثقافة تأتي بهم السلطة لكي يكون لنا وزراء ثقافة، لكنهم يذهبون مع الريح، لكون المغاربة لا يحفظون حتى أسماءهم، وكما تأتي بهم رياح السياسة فهم يذهبون مع الريح.