الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

جمال المحافظ: الذكرى 60 لنقابة الصحافة.. مسار وتحول

جمال المحافظ: الذكرى 60 لنقابة الصحافة.. مسار وتحول جمال المحافظ الكاتب والصحفي

تحتفل النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالذكرى 60 لميلادها سنة 1963  وتوثيقا لمسار نقابة الصحافة التي يشكل جانبا هاما من التاريخ ذكرى في 25 يناير2023.

وبهذه المناسبة خصنا الزميل جمال المحافظ الكاتب والصحفي، بسلسلة من المقالات تتوقف عند أهم المحطات والانشغالات التي رافقت مسار هذه المنظمة الإعلامية التي كان كلا من عبد الكريم غلاب وعبد الرحمان اليوسفي ومصطفى العلوي، الذين سبق أن أجرى صاحب هذه المقالات حوارات معهم الى جانب بعض قيادات النقابة من الأجيال اللاحقة .

تجدر الإشارة إلى أن جمال المحافظ وهو أمين مال سابق بالمكتب للوطني للنقابة، يعود إليه الفضل في توثيق ذاكرة هذه المنظمة وادخالها دائرة البحث العلمي - بناء على توصية من المرحوم محمد العربي المساري الكاتب العام الأسبق- حينما ناقش سنة 2017 الدكتوراه بحثا بعنوان " الأداء النقابي في الإعلام: النقابة الوطنية للصحافة المغربية المسار والتحول" نال عليه بميزة مشرف جدا من جامعة محمد الخامس بالرباط. كما أصدر مؤلفا تحت عنوان " الأداء النقابي في الإعلام: نقابة الصحافة المسار والتحول".

في 25 يناير2023 تكون قد مرت 60  سنة على تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي جاء ميلادها سنة 1963 بفندق حسان بمدينة الرباط، وذلك في غمرة كفاح وطني كانت فيه القوى الوطنية تسعى إلى تكريس حرية الصحافة والرأي خلال مرحلة صعبة من تاريخ المغرب، وأوضاع استثنائية تميزت خلال تلك المرحلة الستينات والسبعينات، بقمع شرس للسياسيين والنقابيين ومن بينهم مديرو ورؤساء تحرير الصحف. 

 بيد أن التحول الذي شهدته النقابة كان في أواخر الثمانينات، تزامن  مع انخراط جيل جديد من الصحافيين في النقابة والمطالبة بتأسيس فروع لها في أهم المدن. وفي سنة 1993 عقدت النقابة جمعها العام الثاني،  أصبحت بموجبه هياكلها  تتوفر على غرفتين، واحدة للناشرين وأخرى للصحافيين. وتواصل العمل بهذه الصيغة في المؤتمر الثالث سنة 1996 إلى أن انعقد المؤتمر الرابع سنة 2000، والذي شكل قطيعة مع هذه الصيغة، حيث انفصل الناشرون وشكلوا بعد ذلك فيدرالية خاصة بهم.

وفي المؤتمر الرابع، صاغت النقابة استراتيجية عملها، وعززتها في المؤتمر الخامس المنعقد في سنة 2004. وتلاه المؤتمر السادس سنة 2008، وهو المؤتمر الذى كرس الخيار التنظيمي الفيدرالي للنقابة التي يحسب لها منذ بداية التسعينات والى غاية 2008 أن تحافظ على دورية مؤتمراتها، وتنويع هياكلها بانضمام ممثلين عن مختلف وسائل الاعلام.

فالنقابة حاولت خلال تلك الفترة الحاسمة من تاريخها -عبر عدة مبادرات-الاسهام في تقوية أواصر التضامن بين الصحافيين ومختلف العاملين في قطاعات الصحافة والإعلام، وذلك من أجل تشكيل قوة ضغط  للوصول إلى تحقيق العديد من الأهداف خاصة منها الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام في إطار مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والنضال من أجل استقلالية العمل الصحافي والإعلامي، طبقا لقواعد المهنة وأخلاقياتها ومعاييرها ورسالتها النبيلة وصيانة وحماية كرامة الصحافيين والعاملين على المستوى المادي والمهني والدفاع عن حق المواطن في الخبر وفي إعلام نزيه ومستقل يخدم مصلحته ويسعى إلى تمكينه من تكوين رأيه اعتمادا على المصداقية والموضوعية.

وللوصول إلى هذه الغايات، فإن النقابة عملت ما بين 1993 و2008 على تطوير التنظيمية، سواء بتوسيع الانخراط في صفوفها أو بتقوية أنشطتها وتكثيف اتصالاتها وكذلك بضبط هياكلها وجعلها منفتحة على كل الطاقات. ونجحت النقابة في أن تتحول إلى مخاطب رئيسي في قضايا الصحافة والإعلام تجاه الأطراف الأخرى المعنية بهذا الموضوع، من مؤسسات عمومية وإدارات وحكومة وقطاع خاص.

وبصفة عامة،  شهدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مسارين رئيسين: مسار المواجهة خاصة ما بين مرحلة التأسيس سنة 1963 و1993، ومسار ما يمكن أن اعتباره تجاوزا مسار "الشراكة" والذي تزامن مع تنظيم المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال في أواخر مارس سنة 1993. فميلاد النقابة كان افرازا طبيعيا للتأثيرات السياسية التي شهدتها مرحلة ما بين 1955 و1965 أي عقد من الزمن، وهو ما يؤكد أن هناك ارتباطا جدليا بين التجليات النقابية الصحفية والسياقات والتحولات السياسية.

غير أنه إذا كانت الحركة الوطنية، قد أخفقت في بداية الاستقلال ( ما بين 1959 و1963) في المحافظة على وحدتها بفعل التوترات السياسية والحزبية، فإن أحد نجاحات الأحزاب السياسية المكونة لهذه المنظمة، تمكنها من أن تتجاوز خلافاتها وصراعاتها، وتراهن وتختار التكتل، بتأسيس نقابة للصحافة التي كانت أول إطار لتجميع أسرة الحركة الوطنية، و لبنة فيما بعد  لإحداث "الكتلة الوطنية" في سبعينات القرن الماضي، كمقدمة لتأسيس ما يعرف ب"الكتلة الديمقراطية" في بداية التسعينات، كما أوضح عبد الرحمان اليوسفي (1924- 2020 ) أحد مؤسسي النقابة باعتباره رئيس تحرير صحيفة " التحرير" في حوار خاص حصري حول الصحافة بالمغرب.

فنقابة الصحافة وإن تأسست سنة 1963، بهدف معلن، تمثل بالخصوص في مواجهة بقايا الصحافة الاستعمارية الفرنسية التي استمرت في الصدور حتى بعد نيل الاستقلال، فإن الأهداف المضمرة، كانت ترمي الى جعل هذه المنظمة الاعلامية أداة في الصراع السياسي لمغرب الستينيات، الذي كان فيه العمل الصحفي موجها أساسا، نحو خدمة العمل الحزبي، كما يرى من جانبه في حوار خاص سنة 2015 مدير "الأسبوع الصحفي" مصطفى العلوي (1948 -2019) 

 ويبدو أن نقابة الصحافة اعتمدت في مرحلة التأسيس، على صيغة برغماتية، تنطلق، من فكرة أنّ" الخصم المشترك"، لا يمكن أن تقاومه صحيفة بمفردها، وبمعزل عن الصحف الأخرى، كما صرح كذلك أول كاتب عام للنقابة عبد الكريم غلاب ( 1919- 2017 ) في لقاء حصري خاص، وهي على ما يبدو الصيغة المقبولة التي دفعت خصوم الأمس السياسيين والنقابيين ( حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين) إلى تجاوز خلافاتها والتوافق على تأسيس نقابة للصحافة المكتوبة سنة 1963

وتمثلت المهام المستعجلة للنقابة ما بين 1963 و1984 في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، مع غياب شبه تام للجانب المهني وحضور واضح للهواجس السياسية وغياب الاهتمام بالوضعية المهنية والاجتماعية للمحررين (الصحفيين)، الذين كان ينظر إليهم في هذه الفترة كمناضلين. وتبعا لذلك، ظل مفهوم العمل النقابي في الميدان الصحفي، الغائب الأكبر في أداء النقابة، وهذا ما يمكن تلمّسه، أيضا من اختيار تسميتها بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية، عوض نقابة الصحفيين.

وانشغلت النقابة خلال هذه المرحلة بالمطالبة بالإصلاح السياسي والدفاع عن حرية الصحف، وضمان الحقوق الجماعية، وهذا ما اتضح جليا في مواقفها وبلاغاتها. وظلت بذلك قناة لتمرير الخطاب السياسي المعارض، ولم تشكل في المقابل إطارا مهنيا حقيقيا للتعبير عن تطلعات الصحفيين. فتأسيس النقابة كان في حقيقة الأمر رد فعل على ما كان يعتمل في الوسط السياسي لتأطير الحقل الاعلامي، مما جعلها ذراعا حقيقيا لمكونات الحركة الوطنية أثناء تحولها من المشاركة في الحكم من بعد الاستقلال، والى غاية 1963 سنة قرارها الخروج الى المعارضة.

وإذا كان تطوّر الممارسة السياسية بالمغرب، خلال المرحلة الممتدة من 1984 إلى غاية سنة 1993، أتاح الفرصة لتطوير هياكل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بانضمام إلى جانب الصحف المؤسسة صحف أخرى كانت تابعة لأحزاب تواتر الاعلام على تسميتها ب"الأحزاب الإدارية"، وبروز قضايا ومطالب مهنية جديدة، أفرزها التطور، الا أنها حافظت مع ذلك وإلى حدود سنة 1993 على هيكلتها كتنظيم فوقي يضم المديرين فقط، غير أنها ستعرف بعد ذلك تطورا وتحوّلا هامين، ترجم في التعديلات التي طالت قانونها الأساسي، تم بموجبه تشكيل غرفة لمديري الصحف، وأخرى للصحفيين.

وفي ظل هذه التحولات طرح موضوع استقلالية نقابة الصحافة عن العمل السياسي وخاصة الحزبي، إذ يلاحظ أنه رغم التطور الحاصل على مستوى بنيات النقابة، فإنّ الانتقادات التي كانت غالبا ما توجه لها خلال المرحلة الممتدة ما بين 1963 و1984، بكونها تابعة لأحزاب سياسية ومعبرة عن آرائها، استمر وان كان بدرجات متفاوتة من حقبة الى أخرى.

كما أن الخلافات والصراعات الداخلية التي عرفتها بعض الأحزاب المشاركة في حكومة "التناوب التوافقي"، ما بين 1998 و2002 خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قاد هذه التجربة، أرخى بظلاله، على مواقف وقرارات نقابة الصحافة المغربية من هذه التجربة الحكومة التي بدورها تأثرت في تعاملها وسلوكياتها تجاه التطورات السياسية.

وتمكنت النقابة من تعزيز حضورها، كمخاطب مقبول لدى الدولة في قضايا الصحافة والإعلام مركزيا، غير أن أداءها على مستوى الجهات والإعلام العمومي والصحافة الجهوية والخاصة، لم يرق إلى التطلعات مع ملاحظة بعض ملامح الضعف، في التواصل بينها وبين مكونات من الجسم الصحفي والإعلامي، في الوقت الذي ركزت النقابة على علاقتها مع الحكومة عبر وزارة الاتصال، والاكتفاء بردود الفعل على ما يطرح في الساحة الإعلامية، خاصة ما يتعلق بقوانين الصحافة، وهو ما يعيق إبداع مبادرات جريئة كفيلة بتعزيز قيم التضامن والتآزر بين الصحفيين.

وبالرغم من الدينامية التي خلقها الحراك الشبابي في 20 فبراير 2011 والمقتضيات الدستورية في مجال الإعلام، فان تجاوب مع هذين الحدثين، لم يترجم الآمال العريضة التي كانت معقودة على منظمة تشتغل في قطاع الصحافة والإعلام، وهو ما كان يتطلب خلال هذه المرحلة، أن يشكل مناسبة وفرصة لها لتجذير دورها، حتى تكون أكثر تأثيرا في السياسات العمومية في مجالات الصحافة والإعلام والاتصال.

فتطور النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تركز في التواصل على الوسائل التقليدية في مقدمتها إصدار البلاغات والبيانات، يرتبط أشد الارتباط بمدى تمكن الإعلام المغربي من فرض استقلاليته المهنية الفعلية عن كافة أشكال التأثير السياسي والحزبي والاقتصادي والمالي إذ لا يمكن عزل نقابة الصحافة عن المحيط الذى تشتغل في اطاره.

لكن يصعب فهم وسائل الاعلام فهما شموليا، بدون ربطها بمؤسسات المجتمع ونظمها المختلفة، فهذه الوسائط الإعلامية، تشكل جزء من البناء الاجتماعي، تتأثر وتؤثر بتموجات الرأي العام، وهذا ما يجعل القول بأن محددات مسار نقابة الصحافة الطويل تراوح ما بين الثابت والمتحول، فالثابت، يتمثل في الدفاع عن حرية الصحافة، والرأي والتعبير بصيغ مختلفة، أما المتحول فيتمثل في انفتاحها على الأجيال الجديدة نتيجة تطور الإعلام واهتمامات الصحفيين من قبيل أخلاقيات المهنة والدفاع عن الخدمة العمومية في الاعلام والحق في الحصول على المعلومات والحق في التكوين والنوع الاجتماعي في الاعلام.

وعلى الرغم من التحولات التي شهدتها النقابة خاصة منذ سنة 2011 ، فيجدر التساؤل هل تمكنت في ظل التحديات المطروحة على الاعلام والجسم الصحفي في زمن الثورة الرقمية والتحولات المجتمعية، أن تحافظ هذه الهيئة على دورها التاريخي والوفاء كذلك لقيمها ولتضحيات الأجيال المتعاقبة على قيادتها ومنتسبيها، حتى تكون نقابة  جديرة بربح تحديات ورهانات القرن الواحد والعشرين.