الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

قراءة الكاتبة والقاصة مريم التيجي في رواية " قبل الموت بقليل" للكاتبة فاطمة ياسن

قراءة الكاتبة والقاصة مريم التيجي في رواية " قبل الموت بقليل" للكاتبة فاطمة ياسن الأستاذة فاطمة ياسن
صدرت عن "دار النشر والتوزيع المدارس" الرواية الأولى للأستاذة فاطمة ياسن تحت عنوان "قبل الموت بقليل".
بدأت رحلة المتعة والقراءة منذ اللحظة الأولى التي أمسكت فيها الرواية بين يدي. فالعنوان أول ما يثير الفضول، ويفتح شهية القراءة، "قبل الموت بقليل" الأمر يتعلق للحظات تشد اهتمام العابر عبر هذا المتن السردي، بكل ما تحمله الرواية من معاني إنسانية صعبة: الدهشة، الخوف، الألم، الفراق، لحظة إنسانية تعنينا جميعا، لكل واحد منا فيها ذكريات من الماضي، هي نهاية رحلتنا.
في علاقة العنوان بموضوع الرواية، هل هو جرس انذار لواقع متردي داخل دهاليز الإدارة المغربية، قد يؤدي إلى موت الوطن. إلى ما سماه الملك الراحل في أحد خطاباته ب"السكتة القلبية"؟
هل هي دعوة صادقة للإنقاذ، قبل الموت بقليل؟
بعد العنوان الموفق للرواية، يستوقفنا الغلاف، الذي يحتوي على لوحة فنية، بحثت طويلا عن اسم مبدعها في زوايا الغلاف، لكن للأسف لم أجده.
هذه اللوحة يغلب عليها اللون الأزرق بتدرجات مختلفة، ليخاطب العقل الباطن للعابر قبل أن يصبح قارئا. انه لون البحر، ولون السماء، لون الفضاء الفسيح الذي انطلقت فيه روح البطل بعد أن ضاق بواقعه.
لون الحرية التي كانت تنشدها البطلة وهي تنشر مذكرات عبدو، لتتحرر من حزنها عليه، إضافة إلى أنه لون العطاء والعمق والإخلاص الذي ربط بين قلبين محبين.
يأتي بعد ذلك، اللون الأصفر، لون الشمس والاشراق والأمل المعقود على الأجيال القادمة التي ستتسلم رسالة عبدو.
ولون المرض والهم أيضا في بعض المعتقدات، ربما هو ذلك الواقع المريض الذي شرحته الكاتبة بذكاء.
كل واحد منا قد يلتقط رسالة من اللوحة التجريدية حسب تجربته، وحالته النفسية.
بالنسبة لي التقطت نصف دائرة صغيرة انعكست ابتسامة في وعيي، ربما هي أمل وثقة في إصلاح يعول عليه الجميع، لأجل المستقبل.
بالنسبة لعناوين الفصول، يخيم عليها شبح الرواية التي تميل إلى التشاؤم، لكنها تحمل في رحمها، دون أن تعلم ربما، بذور الأمل.
فبين طيف الحبيب، المناجاة، أعشاش الدبابير، صباح الوجع، السقوط، سيرة الخيبات، الوجوه والأقنعة، الأشباح، والجثة. هناك: تأملات، شوق، دفء الأمكنة، و حياة.
لا شيء بريء فيما نخط، فعقلنا الباطن يُسْقط بعض أستاره ونحن نكتب، ونحن نبحث عن عناوين الفصول، ونحن نُصلح الكلمات عندما نلتقطها مُنكسرة.
موضوع الرواية، هو عمل إبداعي يفوق صداه ألف بلاغ، وألف تقرير...
كُتبت مئات المقالات ودُبّجت غيرها من التقارير عن الفساد في دهاليز الإدارة في الوطن العربي خلال سنوات طويلة، لكن لا يعرفها أحد تقريبا.
وفي المقابل لا يمكن أن تنمحي ملامح هذا الفساد من ذاكرة كل من تابع فيلم "التقرير" للمبدع الرائع دريد لحام. ولا من شاهد مسلسل " يوميات مدير عام" الذي كتبه زياد الرايس وكان بطله ايمن زيدان. ولا من شاهد سلسلة " مرايا " للمبدع ياسر العظمة. أو من قرأ "يوميات نائب في الارياف" للكاتب الكبير توفيق الحكيم التي تعتبر شهادة تاريخية خلدت أكثر من تقارير لجان المراقبة لهذا العالم الذي لا تزال بعض اركانه مظلمة.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الرواية/ الشهادة التي بين أيدينا.
في البداية كان "رجع الصدى" :
ينطلق قطار رواية "قبل الموت بقليل" بفعل "أشعر" ل نقلنا قبل أن ينطلق إلى الحركة والمشاعر، ثم ما يلبث ان يضعنا في مفارقة فيبوح انه "لاشيء يتحرك غير شفاه المستبد، ويذكرنا بسنوات الجمر داخل الإدارة المغربية، تلك السنوات التي لا تزال في حاجة لأقلام جريئة لتكشف مخبوءاتها.
فالمستبد الأوحد هو وجه تحكم في رقاب الموظفين، هو مسؤول قادم من أم الوزارات، وهذا هو اللقب الذي عرفت به وزارة الداخلية في سنوات الجمر، هو ابن الإدارة في زمن كان فيه الشرطي يرهب حومة.
حتى الاحتجاج على "سعادة المحترم" كان مكتوما، عندما انتبهت له بطلة الرواية حمدت الله أن الأمر كان مجرد حلم.
فلو كان احتجاجها حقيقة تسرب منها في لحظة شجاعة، لكان سيفا يقطف رأسها.
وتأتي المذكرات بعد نهاية الحداد.
كلنا نتمسك بأشياء الأحبة بعد أن يغادروا، ولا نجازف بتقاسمها إلى أن يتوقف الجرح عن النزيف، وتبقى مكانه ندبة لا تنسى.
كذلك فعلت اخت الحبيب عبدو، لتبدأ رحلة الذكريات، وفتح الجراح من جديد في قلب البطلة.
رحلة تكشف عورة الإدارة: الفساد، المحسوبية، السقوط بالمظلات في المناصب، والوشاية (التبركيك)..
كل ذلك يتجلى في رحلة مكوكية بين الماضي والحاضر، بين مذكرات عبدو واليومي المعيش.
بين لحظات الفرح والحب، ولحظات الاذلال والضعف والضغط الذي كان يحدث داخل الإدارة.
تمضي الأحداث التي لا أفضل أن اشفي غليل من لم يقرأ الرواية بعد، إلى أن تنتهي بعبارة "البقية في حياة الوطن".
البركة فراسنا، أو في راس الوطن. تلك العبارة التي يقولها المغاربة عند الفقد، وكأنها تحفز الأحياء على إتمام مسار من رحلوا. ففيهم البركة، والخير والأمل.