الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

لهذه الأسباب يخطب العالم ود الأمن المغربي

لهذه الأسباب يخطب العالم ود الأمن المغربي عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطن
ليس‭ ‬باليسير،‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬«الوقت‭ ‬العصيب»(16 ‬ماي‭ ‬2003‭ ‬)إلى‭ ‬«لحظة‭ ‬وهج»؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬نظام‭ ‬أمني‭ ‬محترف‭ ‬يتمسّك‭ ‬به‭ ‬الشركاء‭ ‬الدوليون،‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬«مكافأة»‭ ‬للأمن‭ ‬العالمي‭.‬

لقد‭ ‬أكد‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نورا‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬النفق،‭ ‬وأن‭ ‬بوسع‭ ‬اليقظة‭ ‬الأمنية‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬المجرمين‭ ‬والإرهابيين‭ ‬من‭ ‬التجوال‭ ‬الحر‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬«العالم‭ ‬السفلي»،‭ ‬بل‭ ‬بوسعها‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬كملجأ‭ ‬مضاد‭ ‬لكل‭ ‬تنظيم‭ ‬إجرامي‭ ‬بالغ‭ ‬التسلح‭ ‬والاستعداد،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬بشرية‭ ‬مدربة‭ ‬ذات‭ ‬مسالك‭ ‬عسكرية؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬المغربي‭ ‬أحبط،‭ ‬ومازال،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المخططات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الحربي‭. ‬كما‭ ‬أبطل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬يديرها‭ ‬مجرمون‭ ‬محترفون‭ ‬يتوفرون‭ ‬على‭ ‬لوجستيك‭ ‬ضخم‭ ‬ولوحة‭ ‬قيادة‭.‬

لقد‭ ‬أدرك‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬استهداف‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬إلا‭ ‬استهدافا‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الملكية،‭ ‬أي‭ ‬لاستقراره‭ ‬ورمز‭ ‬وجوده‭. ‬إذ‭ ‬يعرف‭ ‬الخصوم‭ ‬أن‭ ‬الملكية‭ ‬بالمغرب‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تلحم‭ ‬المغاربة‭ ‬وتجمعهم‭ ‬وتحفظ‭ ‬وحدتهم‭ ‬وتماسكم،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأطماع‭ ‬والمؤامرات‭ ‬التي‭ ‬تحاك‭ ‬ضد‭ ‬أمنهم‭. ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬قوتها،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬المتربصون‭ ‬يسعون،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأوقات،‭ ‬إلى‭ ‬«ترييش»‭ ‬أجنحتها‭ ‬بالتحرش‭ ‬بالأمن‭ ‬والجيش‭ ‬والدرك‭ ‬والقضاء،‭ ‬ظنا‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬ضرب‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬سيعري‭ ‬المؤسسة‭ ‬الملكية‭ ‬ويفقدها‭ ‬ركائز‭ ‬قوتها‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬«المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬المغربية»‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وأنها‭ ‬«جيش‭ ‬عرمرم»‭ ‬مدجج‭ ‬بكل‭ ‬أسباب‭ ‬الاستبسال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الأمن‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬حماية‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬التهديدات‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬البعض‭ ‬قد‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الأمن‭ ‬المغربي‭ ‬بـ‭ ‬«دائرة‭ ‬الشر»‭ ‬تأسيسا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬أشده‭ ‬بين‭ ‬المعارضة‭ ‬اليسارية‭ ‬والسلطة‭ ‬المركزية،‭ ‬فإن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الماضي‭ ‬يعد‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الابتزاز‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬المؤسسة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬بنى‭ ‬«الإنصاف‭ ‬والمصالحة»‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الخصوم‭ ‬والحاقدون‭ ‬والمقيمون‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬كأصل‭ ‬تجاري‭ ‬دائم‭ ‬الصلاحية‭.‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الواضح‭  ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬استعمل‭ ‬تقنية‭ ‬«متسلقي‭ ‬الجبال»،‭ ‬بدل‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬«التراخي»‭ ‬بأسهل‭ ‬طريقة‭ ‬للهبوط‭ ‬في‭ ‬الفخاخ‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التخطيط‭ ‬لإسقاطه‭ ‬فيها‭. ‬والنتيجة،‭ ‬كما‭ ‬يشهد‭ ‬بها‭ ‬الجميع،‭ ‬أنه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬رقم‭ ‬يصعب‭ ‬القفز‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭ ‬الأمنية‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭. ‬ولم‭ ‬يأت‭ ‬هذا‭ ‬التسلق‭ ‬الجبلي‭ ‬عبثا،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬استراتيجية‭ ‬أمنية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬والأدوات،‭ ‬ويأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها:

أولا: رهان‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬عالي‭ ‬التكوين‭ ‬والتدريب،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬برفع‭ ‬الحصيص،‭ ‬بل‭ ‬انفتاح‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬تخصصات‭ ‬علمية‭ ‬وكفاءات‭ ‬أكاديمية‭ ‬جديدة،‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬الميادين‭ ‬المعرفية‭ ‬(القانونية،‭ ‬الحقوقية،‭ ‬العلمية،‭ ‬الجنائية،‭ ‬التقنية،‭ ‬السبيرنتيكية،‭ ‬التواصلية)،‭ ‬مع‭ ‬تمكينها‭ ‬من‭ ‬تدريبات‭ ‬نظرية‭ ‬وميدانية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬الأمني‭.‬

ثانيا:‭  ‬تحديث‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬وتكثيف‭ ‬التغطية‭ ‬الأمنية،‭ ‬وتجويد‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنات‭ ‬والمواطنين،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تأهيل‭ ‬وعصرنة‭ ‬المرافق‭ ‬الشرطية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني،‭ ‬مع‭ ‬إحداث‭ ‬إصلاحات‭ ‬بنيوية‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الهيكلي‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬المصالح،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اللحاق‭ ‬بالتحديات‭ ‬الرقمية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والعلمية‭ ‬الحديثة‭. ‬فصحيح‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬أقمار‭ ‬اصطناعية‭ ‬كثيرة،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬كثيرة‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬تنزيل‭ ‬«استراتيجيته‭ ‬الأمنية»‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬قلعة‭ ‬حصينة،‭ ‬يقوم‭ ‬عملها‭ ‬على‭ ‬الاستباق‭ ‬وإبطال‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬مهدها،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬وجودها‭. ‬لكنه‭ ‬استطاع‭ ‬بفضل‭ ‬إدارته،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الأمني،‭ ‬أن‭ ‬يكسب‭ ‬الرهان‭.‬

ثالثا:‭ ‬الحكامة‭ ‬الأمنية،‭ ‬خاصة‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬عملها‭ ‬يرتبط‭ ‬بحماية‭ ‬الأرواح‭ ‬والممتلكات‭ ‬والبيئة‭ ‬والحريات،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الواجبات‭ ‬والمسؤوليات‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬قواعد‭ ‬لها‭. ‬
ولتفعيل‭ ‬هذه‭ ‬الواجبات‭ ‬وتنزيلها،‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حكامة‭ ‬واضحة‭ ‬ومؤسسة‭ ‬على‭ ‬«المسؤولية‭ ‬والمحاسبة»،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬الرجل‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب،‭ ‬مع‭ ‬هرمية‭ ‬إدارية‭ ‬تتدفق‭ ‬خارج‭ ‬«الشطط‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬السلطة»‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحكامة‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬والانضباط‭ ‬ووضوح‭ ‬الرؤية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬والمواثيق‭.‬

نعم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬لكن‭ ‬المغرب‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمام،‭ ‬ويعمل‭ ‬تدريجيا‭ ‬وبنشاط‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬بنياته‭ ‬وتأهيلها،‭ ‬ولقد‭ ‬قطع‭ ‬أشواطا‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬والمشاريع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬موارد‭ ‬بشرية‭ ‬مؤهلة‭ ‬تأهيلا‭ ‬رفيعا،‭ ‬ووفية‭ ‬لبلادها،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬ضعيف‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمنية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬(الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إسبانيا،‭ ‬ألمانيا،‭ ‬بريطانيا،‭ ‬فرنسا،‭ ‬بلجيكا،‭ ‬هولندا،‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬الهند،‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭.‬‭. ‬إلخ)‭ ‬تخطب‭ ‬ود‭ ‬المغرب،‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرته‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬والإجرام‭ ‬العابر‭ ‬للحدود،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬رجل‭ ‬اسمه‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الحموشي،‭ ‬الذي‭ ‬أبان‭ ‬عن‭ ‬احترافية‭ ‬عالية،‭ ‬وعن‭ ‬علو‭ ‬كعب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمنية،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مديرا‭ ‬لـ «الديستي»‭ ‬حتى‭ ‬تسلم‭ ‬باقتدار‭ ‬مهمة‭ ‬تسيير‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للأمن‭ ‬الوطني‭. ‬والفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬الاستشرافية‭ ‬التي‭ ‬عملت،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬جهاز‭ ‬أمني‭ ‬فعال،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬ناعمة‭ ‬تدعم‭ ‬ملف‭ ‬المغرب‭ ‬ديبلوماسيا،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الملفات،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬ملف‭ ‬نزاع‭ ‬الصحراء؛‭ ‬إذبفضل‭ ‬النجاعة‭ ‬الأمنية‭ ‬تمكن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬حصد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬لمخطط‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭..
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"