ليس باليسير، على الإطلاق، أن يتحول «الوقت العصيب»(16 ماي 2003 )إلى «لحظة وهج»؛ ذلك أن المغرب عمل على تطوير نظام أمني محترف يتمسّك به الشركاء الدوليون، ويعتبرونه «مكافأة» للأمن العالمي.
لقد أكد المغرب أن هناك نورا في آخر النفق، وأن بوسع اليقظة الأمنية أن تمنع المجرمين والإرهابيين من التجوال الحر في في «العالم السفلي»، بل بوسعها أن تستخدم كملجأ مضاد لكل تنظيم إجرامي بالغ التسلح والاستعداد، حتى لو كان يتوفر على قاعدة بشرية مدربة ذات مسالك عسكرية؛ ذلك أن الأمن المغربي أحبط، ومازال، مجموعة من المخططات ذات الطابع الحربي. كما أبطل مجموعة من العمليات التي يديرها مجرمون محترفون يتوفرون على لوجستيك ضخم ولوحة قيادة.
لقد أدرك المغرب أن استهداف المؤسسة الأمنية ليس في العمق إلا استهدافا للمؤسسة الملكية، أي لاستقراره ورمز وجوده. إذ يعرف الخصوم أن الملكية بالمغرب هي التي تلحم المغاربة وتجمعهم وتحفظ وحدتهم وتماسكم، في ظل الأطماع والمؤامرات التي تحاك ضد أمنهم. وبالنظر إلى قوتها، فهؤلاء المتربصون يسعون، في كل الأوقات، إلى «ترييش» أجنحتها بالتحرش بالأمن والجيش والدرك والقضاء، ظنا منهم أن ضرب هذه الأجهزة سيعري المؤسسة الملكية ويفقدها ركائز قوتها. والحال أن «المؤسسة الأمنية المغربية» أثبتت أنها أكثر قوة من أي وقت مضى، وأنها «جيش عرمرم» مدجج بكل أسباب الاستبسال في سبيل الأمن العام، وفي سبيل حماية المغرب والمغاربة من مختلف التهديدات.
وإذا كان البعض قد دأب على إلحاق الأمن المغربي بـ «دائرة الشر» تأسيسا على ما يسمى سنوات الرصاص، حيث كان الصراع على أشده بين المعارضة اليسارية والسلطة المركزية، فإن الاستمرار في النظر إليه من زاوية الماضي يعد ضربا من الابتزاز الذي لا يستقيم مع التطور الكبير الذي عرفته المؤسسة، خاصة أن المغرب بنى «الإنصاف والمصالحة» على قاعدة طي صفحة الماضي، بدل أن يظل الخصوم والحاقدون والمقيمون في الانتقام يتعاملون مع ما وقع من انتهاكات كأصل تجاري دائم الصلاحية.
لقد بات من الواضح أن المغرب استعمل تقنية «متسلقي الجبال»، بدل الاشتباك مع «التراخي» بأسهل طريقة للهبوط في الفخاخ التي تم التخطيط لإسقاطه فيها. والنتيجة، كما يشهد بها الجميع، أنه تحول إلى رقم يصعب القفز عليه في المعادلة الأمنية المحلية والإقليمية والدولية. ولم يأت هذا التسلق الجبلي عبثا، بل جاء نتيجة استراتيجية أمنية ترتكز على مجموعة من القواعد والأدوات، ويأتي على رأسها:
أولا: رهان المغرب على العنصر البشري عالي التكوين والتدريب، وذلك من خلال عدم الاكتفاء برفع الحصيص، بل انفتاح المؤسسة الأمنية على تخصصات علمية وكفاءات أكاديمية جديدة، في شتى الميادين المعرفية (القانونية، الحقوقية، العلمية، الجنائية، التقنية، السبيرنتيكية، التواصلية)، مع تمكينها من تدريبات نظرية وميدانية في مجال العمل الأمني.
ثانيا: تحديث البنيات التحتية، وتكثيف التغطية الأمنية، وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين، وذلك عبر تأهيل وعصرنة المرافق الشرطية على المستوى الوطني، مع إحداث إصلاحات بنيوية في التنظيم الهيكلي لعدد من المصالح، فضلا عن اللحاق بالتحديات الرقمية والتكنولوجية والعلمية الحديثة. فصحيح أن المغرب لا يتوفر على أقمار اصطناعية كثيرة، ولا على أموال كثيرة تمكنه من تنزيل «استراتيجيته الأمنية» بالشكل الذي يجعل منه قلعة حصينة، يقوم عملها على الاستباق وإبطال الجريمة في مهدها، والقضاء على أسباب وجودها. لكنه استطاع بفضل إدارته، على المستوى الأمني، أن يكسب الرهان.
ثالثا: الحكامة الأمنية، خاصة إدارة الأمن تدرك أن عملها يرتبط بحماية الأرواح والممتلكات والبيئة والحريات، وأن هناك العديد من الواجبات والمسؤوليات التى يجب عليها القيام بها والعمل على وضع قواعد لها.
ولتفعيل هذه الواجبات وتنزيلها، على أرض الواقع، لا بد من حكامة واضحة ومؤسسة على «المسؤولية والمحاسبة»، من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مع هرمية إدارية تتدفق خارج «الشطط في استعمال السلطة». ذلك أن الحكامة تنبني على الكفاءة والانضباط ووضوح الرؤية والمسؤولية داخل إطار من القوانين والتشريعات والمواثيق.
نعم يمكن أن يقال أي شيء عن البنى التحتية، لكن المغرب ينظر إلى الأمام، ويعمل تدريجيا وبنشاط كبير على تطوير بنياته وتأهيلها، ولقد قطع أشواطا مهمة في إنجاز مجموعة من البرامج والمشاريع. كما أن لديه موارد بشرية مؤهلة تأهيلا رفيعا، ووفية لبلادها، علما أن عدد هذه الموارد ضعيف مقارنة مع ما يوجد في دول العالم. ومع ذلك، ها هي الإدارات الأمنية والاستخباراتية من مختلف دول العالم (الولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، دول مجلس التعاون الخليجي، الهند، دول غرب إفريقيا.. إلخ) تخطب ود المغرب، راغبة في الاستفادة من خبرته في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والإجرام العابر للحدود، وذلك بفضل رجل اسمه عبد اللطيف الحموشي، الذي أبان عن احترافية عالية، وعن علو كعب في مجال الإدارة الأمنية، منذ أن كان مديرا لـ «الديستي» حتى تسلم باقتدار مهمة تسيير الإدارة العامة للأمن الوطني. والفضل في ذلك كله يعود إلى الرؤية الملكية الاستشرافية التي عملت، على مدى أكثر من عقدين، على بناء جهاز أمني فعال، حيث تحول الأمن إلى قوة ناعمة تدعم ملف المغرب ديبلوماسيا، وعلى مستوى العديد من الملفات، بما فيها ملف نزاع الصحراء؛ إذبفضل النجاعة الأمنية تمكن المغرب من حصد المزيد من التأييد لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء..
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"