الخميس 28 مارس 2024
منبر أنفاس

العياشي الفرفار: الفرح المغربي.. فرح عابر للحدود

العياشي الفرفار: الفرح المغربي.. فرح عابر للحدود العياشي الفرفار
سحر انتصارات المنتخب المغربي لا يقاوم ! كرنفال من الافراح السيالة  في كل الزوايا والأماكن، كل شيء توقف وحده الفرح المغربي ما زال فواحا  ويتمدد.
أنه فرح ملون  بلون الهوية المغربية المتعددة  الأبعاد:  فرح  أمازيغي ، عربي، افريقي ، إسلامي،  وانساني.
فجاة تحولت شوارع المملكة إلى شوارع للسعادة، وتمددت جغرافية الوطن، حيت أصبح العلم الوطني والنشيد الوطني عابرا للحدود .
سحر كرة القدم لا يقاوم، قصة من تاريخها يكشف سحر مفعولها،  حين انتدب فريق نابولي المغمور دييغو ماردونا بعد أن ثم اكتتاب وجمع مبلغ الانتقال من محبي الفريق وأغنياء المدينة، سنة من اللعب والنتيجة تتويج مستحق بعد تتويج  نابولي بطلا للدوري الإيطالي،  بعدها خرجت الجماهير الى الشوارع تهتف  وتغني ، والبعض منهم قصد المقبرة مخاطبا الموتى: لم تعيشوا  لذة  الحياة، حينما لم تشاهدوا مارودنا يلعب، يستمر السحر حتى بعد وفاته لدرجة ان أنصاره اسسوا ديانة باسمه و قاموا ببناء كنيسة المارادونية (Iglesia Maradoniana)، هي كنيسة تم بناؤها في مدينة روساريو بالأرجنتين في 30 أكتوبر 1998 وهو تخليدا لذكرى ميلاده .
إنجازات المنتخب المغربي مبهجة و صانعة الفرح الجماعي و الجماهيري.
ثمة سؤال يطرح حول قوة هذا السحر؟
كيف نسى الناس همومهم و احزانهم و معاناتهم و خرجوا الى الشوارع والأزقة والصالونات والمداشر يتعانقون ويغنون و يرقصون ؟
إنه سحر كرة القدم!
حين كتب عالم الاجتماع الفرنسي فريدريك لونوار«قوة الفرح»، حاول رصد كيف يرتبط  الفرح بتجاربنا وبأحاسيسنا، وكيف يصبح الفرح ابن الاحاسيس الدافئة والمتعلقة بقيم المحبة، الخيرية، السمو، التعالي و نبذ العنف .
ان الفرح فعل مقاوم للعنف، ان لم يكن هو الغاء له ان الفرح هو تأكيد لهويتنا المسالمة العاشقة للتسامح والمحبة والانتصار للآخر وليس انتصارا عليه. الفرح تأكيد على الحياة، تجلٍ لقوة الإنسان  الحيوية، والطريق لمعرفة  حقيقة الوجود  وتذوقه .
حسب فريدريك لونوار ما من شيء يجعلنا نشعر أننا أحياء مثل تجربة الفرح.ان الفرح هو تأكيد للحياة و ليس اعدام لها، من ينتصر للفرح ينتصر للحياة ،و من يعادي الفرح و يمنع شعبه من الافراح هو نظام يصنع الحداد و يفرح بإقامة الجنائز. 
أن الفرح  هو الأرض الخصبة لكي تنتعش الهوية  المتسامحة  التي تنتصر للخير واللاعنف ولقيم المحبة.
الفرح ليس شعورا مريحا فقط ،انه أداة للتطهير والتحرر من الأهواء العنيفة والمدمرة، عن طريق تصريف الشحنات السلبية وتفريغها من خلال فعل المعرفة والتحكم، معرفة عوالمنا الداخلية أولا وحسن التعامل معها ثانيا، ان الفرح هو الأداة التي تجعلنا نخرج ما نشعر به ، ونجعله فعلا خارجيا نتقاسمه مع من يشاركنا هذه اللحظة،  إنه فعل تقاسم وليس فعل احتكار.
 لأن الفرح لا يعاش بالانعزال، وإنما بالمشاركة والاحتفال وفق طقوس جماعية مبهجة .
أن الفرح طريق لاكتشاف الذات أولا، وطريق لبناء علاقة التسامح والحب مع الآخر والتفاعل معه بطريقة كاملة وصحيحة.
أن الفرح طريق للعلاج وتجاوز احباطاتنا وهذا جانب آخر من سحريته، حيث يتم تجاوز الإنسان أهوائه، ويحولها إلى أفراح فعالة يكف عن إلحاق الضرر بالآخر، من يفرح هومن  استطاع الانتصار على ذاته، والتحكم في نزواتها  ومن ثم القدرة على بناء علاقة إيجابية مع الاخر.
أن الفرح المغربي هو فرح إنساني هو فرح ينتصر لمن يستحق وهنا سر انسانيته، فرح عابر للحدود والثقافات، فرح مولد للذة ووالانتصار نتيجة الجهد المبذول، و ليس فعلا مسروقا انما هو فرح بالاستحقاق .
ان الفرح المغربي كثيف وغزير ومتمدد، يهزنا ويحملنا، ويستولي على جسدنا ويتحكم فيه، جعلنا نرفع أيدينا إلى السماء، نرقص، نقفز ونغني ونرقص في كل الاتجاهات.
أن معرفة حقيقة الفرح يدركها من لا يفرح، أي الإحساس المانع للفرح و هو من يعاند ذاته، ويزور مشاعره  كما هو الحال لنظام جار لنا قريب منا جغرافيا، لكنه بعيد عنا فيما نحس به ، نظام  ينتصر للكراهية فقط لانه لا يستطيع أن يفرح. 
الفرح ليس قرارا، ليس توجيها وليس أمر، الافراح لا تؤمر لكنها تعاش كفعل طفولي، حين يلعب الطفل ويلهو ويغني و يستمتع ويبكي و يدندن. لذا فالذين فرحوا وخرجوا للشوارع و تعانقوا و غنوا ورقصوا لم توجه له دعوة، ولم يطلب منهم ذلك وإنما استمعوا الى نداء من الداخل.
أن الأفراح الكبيرة، هي  أفراح مبدعة حسب تصور الفيلسوف هنري برجسون وهي دائما ما تكون ثمرة جهد ما، الفرح المغربي هو فرح استحقاق وليس فرحا مسروقا، أو نتيجة صدفة، وإنما مكافأة لمن يفكر ويخطط ويعمل.
أن الفرح المغربي هو فرح استحقاق و فرح حب و فرح تسامح و نبذ للعنف، لذا كان فرحا بمثابة جواز سفر مفتوح إلى كل  قلوب البشر، فكان فرخا بكل اللغات، فرح انساني متمدد يتجاوز الحدود و ينتصر لمن يحب ومن يعمل.