الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: رئيس الحكومة نذير المتقاعدين

إدريس الأندلسي: رئيس الحكومة نذير المتقاعدين إدريس الأندلسي
كفى من اللعب بالنار..  
قالها بكثير من الثقة أمام مجلس المستشارين ولي يقين أن قوله يستفز الملايين من المواطنين. التوازن المالي لأنظمة التقاعد يتفاقم منذ سنين  ومداخيل التقاعد أصبحت أقل من مصاريفه بالملايير كل شهر وهو ما يعني أن الخطر كبير. وقد يعرف المغرب أكبر نكسة اجتماعية في تاريخه. لو كنت موظفا أو مستخدما لرفضت في هذا اليوم  أن أنخرط في أي نظام تقاعد اختارته الدولة لي دون استشارتي. فلنفترض أن الإفلاس حصل  وأن من لا زال يعيش حياته المهنية لا زال يساهم ماليا وأن سنوات العمل لا زالت كثيرة وأن مستقبله أسود غامق أمام نظام يعرف رئيس الحكومة أن ماله الإفلاس لا محالة في زمن لا توجد فيه حكومة تغير الواقع ولكنها تكتفي بالتفرج عليه. ماذا سيحدث آنذاك يا سيد أخنوش وأنت رئيس حزب كما قدر لك أن تكون، وكما كان قبلك صلاح الدين ومصطفى. قيل أنكم حزب التقنوقراط وأن كل الخير سيأتي على أيديكم. سجلتم وصول العديد ممن جاء للقيادة السياسة فرحل و عاش في رغد ولم يحاسبه أحد. وعلى العكس، اليوم تقول، يا رئيس الحكومة وصاحب الملايير  والمقاولات في كثير من القطاعات، أن موظفا أو  عاملا سيجد نفسه غدا غارقا في مستنقع الفقر  و اليأس. ماذا سنفعل و ماذا ستفعل؟ المؤكد أننا لن نتعايش معا على أرض المغرب.  
هؤلاء المغاربة الذين يسمعون كلامك هم ضحية كل من أراد دخول تسيير الشأن العام  فدخله  وأغتنى  ورحل أوهرب ولم يحاسب. تقول لمن أدى واجباته المهنية و ضرائبه وأقساط ما يتطلبه الإحتياط الإجتماعي من مساهمات في التغطية الصحية والتقاعد، غدا سيكون يوما يعم فيه اليأس  ولن يجد المتقاعد  والذي كان مهندسا أو معلما أو طبيبا أو مستخدما أو  عالما... دون مورد رزق.  وسيكون الغليان قد بلغ أشده  وسيصبح الانتحار الجماعي نتيجة محتملة بسبب تقاعس الحكومات في أداء ادوارها. المسألة ليست مجرد حسابات ولكن مسألة مسؤوليات. لعقود و الدولة هي التي كانت تسير نظام تقاعد موظفي القطاع العام  ومانت تعتبر الاقتطاعات من الراتب جزءا من مداخيلها  وفي الأخير حدث ما حدث. الدولة هي المسؤول الوحيد عن نتائج سياساتها. 
يا سيد أخنوش ، يا رجل السياسة و صاحب شعار " اغراس اغراس" قل للمغاربة قول الحق لأن " اغراس" شبه قسم على الإلتزام "بالمعقول". كم عدد عشرات ملايير الدراهم التي استفاد منها كبار الفلاحين أصحاب الاستغلاليات وكبار أصحاب مراكب الصيد البحري  وكبار مستغلي الثروات الطبيعية المعدنية و أصحاب المنتجعات والفنادق السياحية الكبرى وكبار المنعشين العقاريين وكم استفاد ذويا لدخل المحدود و الفقراء و الذين في وضعية هشاشة. 
يا سيادة رئيس الحكومة، أمثالي من المتقاعدين يقرأون بكثير من الواقعية خطاباتكم ويعرفون حجم المخاطر التي تسبب فيها المسؤولون من حزبكم ومن أحزاب أخرى. منذ أن تم خلق التجمع الوطني للأحرار قبل أكثر من ثلاثين سنة و أنتم في قيادة العمل الحكومي إلى جانب أحزاب  تحضر وتغيب لفترة قبل أن تعود بنفس أضعف. 
واليوم يا من رفعوا شعار "الدولة الإجتماعية " اعلموا أن هذا المفهوم لا يستقيم مع غياب الفعل لتحصين أنظمة الإحتياط الإجتماعي. كل هذا في  الوقت الذي  يسهر فيه ملك البلاد على برنامج التغطية الإجتماعية الذي بلغ فيه الإلتزام المالي51  مليار درهم. ومن الغرابة واللامسوؤلية أن يتم التعامل فيه بهذا النوع من الخطاب ما يمكن اعتباره خطرا داهما قد تظهر آثاره المدمرة في نهاية 2023. والأكيد أن المحاسبة ستطالكم حيثما وجدتم  لأنكم على علم بكافة التقارير والمعطيات. ولقد أعذر من أنذر. 
ستظل قضية التقاعد ضحية ما سمي بالحوار الإجتماعي والذي لم ينتج عنه شيء يذكر إلا صرف أموال على عشرات الاجتماعات وسفر إلى الخارج للجان فرعية ووطنية دون أية نتيجة تذكر.  اتخذت الحكومة تدابير ذات أثر مؤقت سميت بالإصلاح المقياسي وانتظرت أن يفعل القدر فعله في شأن يتطلب فعل المسؤولخلال فترة العدالة و التنمية  و شركاءها.  لايمكن استصغار ضرورة تغيير مقاييس السن  والمساهمة  وطريقة احتساب مبلغ التقاعد ولكن الأمر ليس بيد النقابات أوبيد جمعيات الموظفين أوالمتقاعدين. الأمر قضية سياسة عمومية تتطلب الفعل و ليسا خطابا لرئيس الحكومة ينذر الناس بيوم لن يجد فيه متقاعد ما ينفقه من أجل سكنه  وأكله و دوائه وتنقله  ودفع فاتورة الماء والكهرباء و الإهتمام بأسرته . ذلك اليوم سيكون يوما آخر في واقع آخر تختلط فيه الأوراق و الأولويات والعلاقات والتوازنات. قضية حل توازن أنظمة التقاعد تحتاج إلى رجال دولة  وليس إلى اشباههم. وبما أن ملهم بعض المسؤولين في لدينا هو النظام الفرنسي، فيعلموا أن نظام الضمان الاجتماعي في هذا  البلد جزء من المالية العامة للدولة بتوازناتها  ولا توازناتها. فلتنظر يا رئيس الحكومة إلى كل ما استفاد منه أغنياء الوطن والمنتفعين من الريع  والهدايا الضريبية والعقارية وغيرها.  لكل هذا وفي إطار ما يتم تنزيله في مجال التغطية الإجتماعية، أصبح من اللازم فتح ملف أنظمة التقاعد بمسؤولية سياسية. ولعلم من لا يعلم فإن كثيرا من الدول تعتمد نظام الثلثين كمساهمة حكومية أو  للمشغل  في القطاع الخاص وثلثا كمساهمة للمستخدم أو الموظف. وهذا لا يمنع من التشجيع على الانخراط في أنظمة التقاعد التكميلي خلافا لما جاء في مشروع قانون المالية لسنة  2023 و الذي يكبح الادخار المرتبط بالتقاعد بإجراءات ضريبية ضد كل من أراد الإستفادة ، لظرف من الظروف، من ادخاره قبل وصوله للسن القانوني للتقاعد. وإذا حدث ما لا نأمله فسوق المال ستخسر أكثر من 80 مليار درهم والطلب على السلع والخدمات سينخفض كثيرا و سيزيد عدد المرضى الذين لا قدرة لهم على أداء تكاليف العلاج  وسيصبح جزء من مجتمعينا  يقدر بالملايين محتلين للشارع العام  وفاعلين في رفض أية وساطة نقابية أو سياسية أو مؤسساتية. فكفى من اللعب بالنار. هل تريدون أن تقتلعوا كل جذور العرى الوثقى وتعيشون لوحدكم في برجكم إلى أن ترحلوا عن هذه الفانية...ذلك شأنكم. أما الشعب فله ميثاق مع ولي أمره لا معكم  لأنكم مجرد عابرين و غير مهتمين بقضاياه وانتظاراته وأماني الأجيال القادمة من أبناء هذا الوطن العريق والمتجدد بالوفاء للقيم لا بالتنكر لها.