السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

العياشي الفرفار: حين انهزم جامع المعتصم أمام نفسه

العياشي الفرفار: حين انهزم جامع المعتصم أمام نفسه العياشي الفرفار
الطريق الى السلطة شاق لكن الحفاظ عليها أكثر مشقة، انه الدرس الأساسي من تجربة حزب العدالة والتنمية بالمغرب.
نقاش سياسي  و جدل في المغرب بعد تسريب خبر  تولي جامع المعتصم، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، منصبا لدى ديوان رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
 الحدث ليس عاديا بحكم موقع جامع المعتصم نائب الأمين العام، و موقع الحزب من الحكومة و حجم العداء الظاهر بين حزب العدالة و رئيس الحكومة .
الحدث ليس عاديا و يصعب تبريره كأمر شخصي ، بقدر ما هو سلوك يتيح  مؤشرات التفكير في طبيعة الحزب السياسي ، الذي لم يجد صعوبة في الوصول الى السلطة  ،  لكنه وجد صعوبة في تركها .
الفعل شكل  صدمة داخل الحزب و خارجه، وجده المعارضين للحزب هدية من السماء  ، وهو ما استغله خصوم الحزب و منافسيه في تصفية الحسابات.
واقعة جامع المعتصم تكشف طبيعة البيت الداخلي  للحزب،  و الذي كان يرفع شعار حراس الفضيلة  ، لأن الواجب الأخلاقي و الديني يفرض على نائب الامين العام مكاشفة حزب و عدم اخفاء موضوع بهذه الدرجة من الحساسية .
سلوك نائب الأمين العام للحزب  تحمل تناقضين :
 اولا : الاشتغال مع خصم المفروض التحلي بقيم الوضوح والانسجام ،و ان مهمة مكلف بمهمة لدى من يعتبر خصما أمر غير مقبول ، كيف نقبل بالعمل مع من يعاديه الحزب و يبني مشروعه السياسي و الانتخابي على مهاجمة من يعمل معه.
ثانيا : خطورة الفعل الثانية مرتبطة بالتضليل و الاخفاء، وهي امور لا يمكن قبولها بالنسبة لقيادي بارز في الحزب  ، الواجب يقتضي على الاقل اخبار الدائرة الضيقة في الحزب  ، و ان كنت انحاز الى فرضية انها – القيادة - على علم بذلك   ، و هنا الصدمة اكبر  ، لان الامر يقود الى استنتاج منطقي  ان ما يقع بالحزب شبيهة بمسرحية تلعب أدوارها بإتقان  ،  على منخرطي الحزب و مناضليه ربما مشكلتهم الوحيدة انهم يثقون في قيادة تخفي أكثر مما تكشف .
  مؤسسة كارنيجي للسلام  سبق ان أصدرت لي  تقريرا  حول حزب العدالة والتنمية ، حيث شبهته بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا التي تنطلق برامجها من القيم المسيحية، لكنها تقدم برامج مدنية، حيث يتحقق الفعل  السياسي  ليس باعتباره فعلا مقدسا ، وإنما كفعل بشري يهدف إلى تحقيق أهداف سياسي حتى لوكانت " مدنسة " (الحزب بكافة فصائله يحمل خطابا معاديا لاسرائيل ، و يتماهى مع التيارات الاسلامية العابرة للحدود، وهو ما اكسب الحزب قوة و زخما شعبيا ، تجسد في المسيرات المليونية التي كانت تنظم دفاعا على فلسطين و عن القضية الفلسطينية ) .
  السلطة هي مفتاح فهم إشكالية التحول و الانقلاب  السريع ، وهو ما عبر عنه الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران في تصريحه الاخير، والمذاع مباشرة بعد التوقيع حين اعتبر ان رهانات الحزب كانت دائما تحاول إقناع أصحاب القرار بالمملكة، ان الحزب لا يشكل خطرا على أحد .  وانه حزب مسالم و مهادن و انه يريد الوصول إلى السلطة  من خلال التأكيد على حسن سيرته و نقاء مساره السياسي .
    تاريخ حزب العدالة والتنمية وهو تاريخ تدبير أزماته خارجية ، والتي كانت نتاج خصومة بسبب تنافس في غالب الأحيان كان غير شريف وغير أخلاقي ( دعوات حل الحزب و مسيرة ولد زروال ) .
مجموعة وقائع تؤكد نجاح الحزب في تدبير الأزمات انطلاقا من اللحظة التأسيسية و الاندماج مع حزب الخطيب في الحركة الدستورية الاجتماعية،  وهو ما يعني منح مؤشرات الانضباط السياسي لقواعد النسق السياسي المغربي المراقب باحكام ، مربع الملك بتعبير الانتربولوجي  ريمي لوفو .  
قوة الحزب تجسدت في القدرة على الاستثمار الجيد في مشاكله الخارجية - مسيرة ولد زروال نموذجا – وهو مؤشر يقود الى استنتاج ان انسجام الحزب،  و قوته مشروطة بوجود خطر خارجي او عدو خارجي يحاول القضاء على الحزب و تدميره ، وهو ما يصنع قاعدة إسمنتية تجعل الولاء للحزب مقدسا ، و غير قابل للنقاش ، حيث كلما ازداد الضغط على الحزب كانت تزداد شعبيته و هي مفارقة سياسية غريبة لدرجة ان شعبية الحزب ارتفعت رغم قرارات حكومة بنكيران التي كانت عقابية للمواطن .
الحفاظ على الانسجام والوحدة الداخلية رهين بوجود خطر خارجي يتقاطع من تصورات المحافظين الجدد،  التي تحدث عنها ليو ستراوس Léo strauss  و التي تجسدت في عهد الرئيس الأمريكي الاسبق جورج دبليو بوش  على اعتبار ان كارل بولز و كونداليزا رايس أحد تلاميذه ستروس.
ان يكون نائب الامين العام للحزب و القيادي البارز والذي سبق ان كان عمدة مدينة سلا باسم الحزب و النقابي البارز في صفوف نقابة الحزب  هو ازمة جديدة تهز البيت الداخلي  و تكشف ان مواجهة العدالة و التنمية و الذي عرف كيف يستثمر نتائج الحراك الشعبي إبان الربيع العربي و ان يصل السلطة ، لا يمكن مواجهته من الخارج  . لان أي مواجهة و وضعه تحت الضغط ترفع من منسوب شعبيته.
 اقوى ضربة وجهت للحزب هو كشف التعقيدات و الاختلالات الداخلية و تركها تنمو وتظهر  ، حزب العدالة والتنمية هو حزب الأزمات يعيش منها و ينتعش فيها , و يضعف في لحظات الهدوء و زمن اللا- مواجهة .
الأزمة الحالية مرتبطة بالسوق الداخلي للحزب ،  فالخطر الآن هو خطر داخلي ، لاعلاقة له باليسار او اليسار المتطرف او الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية , أوفي مواجهة  التماسيح و العفاريت .
 الأزمة داخلية ،  و ان الشيطان يسكن في تفاصيل الحياة الداخلية للحزب ، لأنه كان يقدم نفسه كحزب بمرجعية اسلامية تنتصر للقيم و القدس و العروبة و الإسلام ، وبالتالي تجعل من اسرائيل عدوا يجب الخلاص منه من أجل بناء سلام شامل ودائم على اعتبار ان جوهر الصراع مع اسرائيل،  هو صراع وجود وليس صراع حدود ، فالحدود في المنظور السياسي للحزب ذات طبيعة دينية ووجودية و ليس حدودا جغرافية و مادية حسب الخطابات المرفوعة  ، لكن الوقائع تكشف ان الحدود الحقيقية لدى قيادة الحزب هي المصالح الخاصة منها ان تكون مكلفا بمهمة  لدى الخصم السياسي للحزب و ان تحافظ على مصالحك و امتيازاتك .
ان كان تاريخ الحزب هو تاريخ أزمات ، وأن نجاحاته كانت مرتبطة بفعاليته في تدبير ازماته الخارجية ، فان الأزمة الحالية  تضاف الى باقي الازمات تشكل الازمة الحقيقة الاكثر تعقيدا لأنها مرتبطة بجوهر الحزب و قناعاته ، من خلال سقوط الخطاب الأخلاقي و الديني الذي كان يحمله .
الحزب الان اصبح عاريا و مرئيا من طرف الجميع ، و مكشوفا للجميع ، ربما هذا جزء من لعبة السياسة المعقدة ، ان كل طرف يريد تعرية الطرف الاخر،  والعمل على  ازاحة مفاعيل الايديولوجية حتى تنكشف الحقيقة و تظهر عورات الخصوم في هذه الواقعة انتصر اخنوش بالقليل من الدهاء  ، لان جامع المعتصم هزم نفسه بنفسه حين تمسك بالامتيازات, و تخلى عن شعارات الحزب ومبادئه .  
يبدو ان ابن كيران مطالب بمواجهة تماسيح الداخل, قبل مصادرة مشاكل حزبه الداخلية الى الخارج .