الجمعة 26 إبريل 2024
خارج الحدود

محمد الطيار: مخاطر تنامي دور القبيلة في الخواصر الأمنية الرخوة

محمد الطيار: مخاطر تنامي دور القبيلة في الخواصر الأمنية الرخوة الباحث محمد الطيار ومشاهد من بؤر ساخنة بالعراق واليمن والسودان
عادت القبيلة والعشيرة في السنوات الأخيرة إلى الواجهة من جديد في البؤر الساخنة في العديد من مناطق العالم، وأثبتت الحالة في العراق واليمن وليبيا والصومال والسودان ومالي وموريتانيا وافغانستان وفي العديد من البلدان الأخرى، قابلية القبيلة للاستنفار في الأزمات والصراعات، خاصة عندما تعتقد أنها مُستهدَفة ويجري التمييز ضدها أو إهانة رموزها وأفرادها، أو حين تتم تعبئتها من أجل معتقد ما، أو من أجل الغنيمة وتوزيع المنافع المادية. وتستمد القبائل والعشائر هذه الأهمية الخاصة في بؤر الأزمات وفي الخواصر الأمنية الرخوة كالمناطق الحدودية، لما يتوافر لها من مجال جغرافي وتاريخي، واجتماعي وعاطفي مرتبط بشكل خاص بحاجة الفرد الدائمة إلى الانتماء إلى مجموعة بشرية، خاصة حين نشوب الأزمات واندلاع الصراعات والمواجهات، في ظل هشاشة الدولة أو فشلها، أو عند انهيار مؤسساتها، أو في حالة تراخي قبضتها وسلطتها.
وقد اكتفت أغلب دول الشرق الأوسط وافريقيا، وفي الدول المغاربية خاصة في ليبيا وموريتانيا، بإعادة إنتاج الأسلوب القبلي في الحياة العامة والسياسية بوسائل جديدة، مما انعكس سلبا على مسارها وجعلها لا تراوح مكانها، وتظهر في بعض الأزمات كطرف في المواجهات الإثنية وفي النزاعات العرقية الداخلية، وهي بذلك تعيش سيولة أمنية خطيرة ومفتوحة .
وتصبح المؤسسات التعليمية والعسكرية، والأحزاب والنقابات، والتعيين في المناصب، قائمة كلها على أساس الانتماء إلى العصبية المهيمنة على السلطة أو المقربة منها ، سواء كانت قبلية أو طائفية أو عرقية، وبذلك فمؤسسات الدولة تكون في عمقها مجرد أدوات لخدمة العصبية الواحدة ودوام هيمنتها.
وقد استغلت الدعوات المتطرفة تصاعد دور القبيلة في الشرق الأوسط وافريقيا ومنطقة خرسان، حيث اعتمد تنظيم القاعدة في قيامه على الروابط القبلية خاصة المتواجدة في المناطق الحدودية اليمنية مع السعودية ، ونفس الأمر مع تنظيم "داعش" في العراق والشام ، وفي منطقة الساحل الافريقي وشمال افريقيا، حيث أن التنظيمات الارهابية والمليشيات العسكرية الانفصاليىة تأسست على قواعد قبلية .
كما برز في العراق دور القبيلة أو العشيرة مع تجربة «الصحوات» (2007 – 2009) التي كان لها دورا كبيرا في إسقاط «دولة القاعدة في العراق» ، التي كانت عاصمتها في الأنبار عام 2007، وقد عاد توظيف القبائل والعشائر إلى الواجهة في إطار الصراع مع "داعش"، و نفس الأمر يمكن رصده في ليبيا وفي اليمن من خلال الحرب الدائرة هنالك بين مختلف الفرقاء، وفي مالي ونيجيريا حيث يتم الاعتماد على مجموعات قبلية لمحاربة تنظيم "بوكو حرام" الذي يستند بدوره على قاعدة قبلية ، ولازالت هذه الدول تدور في دوامة الإنفلات الأمني الشديد ، كما أن النزاع القائم في دارفور يعطي كذلك صورة عن حجم ومخاطر توظيف القبيلة في الصراع في السودان، وفي المواجهات في جنوب السودان، وفي تشاد وغيرها.
ومع أحداث ما عرف ب"الربيع العربي" والتطورات في سوريا، ظهر ما سمي ب"جمعة العشائر"، وعقدت كذلك "مؤتمرات القبائل" في ليبيا، كما تفجرت في مالي و تونس واليمن صراعات قبلية، مما وضح بشكل كبير أن البنيات التقليدية والمؤسسات الأهلية لازالت تؤثر في الأحداث السياسية والاجتماعية، وأن الاحتجاجات المندلعة لا ترتبط فقط بالعوامل الاقتصادية والسياسية، ولكن أيضا ترتبط بالعوامل الاجتماعية والثقافية والهوية القبلية أو الطائفية أو العرقية في بعض البلدان .
كما بدأ توظيف القبيلة في الحرب على الإرهاب في عدد من الدول، ففي مصر جرى تأسيس مجلس للقبائل المصرية برعاية حكومية ورسمية في سبتمبر 2014، كما أعلن عن تأسيس هيئة تمثيلية للقبائل الليبية في 21 أكتوبر من العام نفسه، وقد نتج عن استعمال القبيلة وتسليحها ارتدادات أمنية خطيرة .
وهذا الأمر يحيلنا كذلك إلي جنوب وشرق الجزائر، وإلى منطقة الساحل الإفريقي التي تعرف الحضور القوي والفعال للقبيلة والعرق في النزاعات، وفي تأجيج المعضلة الأمنية القائمة، فدور القبيلة يبرز ليس فقط على المستوى الاجتماعي والسياسي ولكن أيضا على المستوى الأمني مع تنامي دورها في التهريب والهجرة غير النظامية والإتجار في البشر عبر المناطق الحدودية، مما يؤكد أهمية معطى القبيلة في كل إستراتيجية أمنية تستوجب رصد المخاطر والتهديدات المرتبطة بتوسع دورها في الصراعات السياسية وفي النزاعات، وتنامي توظيفها كذلك في الجريمة المنظمة والإرهاب.
وبالنسبة للمغرب يمكن رصد توسع ظاهرة تنامي دور القبيلة، بشكل واضح في الجنوب والجنوب الشرقي، حيث كثفت القبائل في السنوات الأخيرة من دورها في المنافسات الانتخابية، وعند استشعار الخطر، وفي تصفية الحسابات وتأجيج الصراعات بين الفرقاء المتنافسين داخل نفس القبيلة، فضلا عن توظيفها في الصراعات والمواجهات التي تندلع حول ملكية الأرض بين القبائل بين الحين والأخر، ولقد عززت الثورة المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي من هذا الحضور، مع تراجع احترام دور شيوخها ومحدودية تأثير أعيانها، مما جعل خطر تأرجح الولاء بين القبيلة والدولة يبدو سافرا وبقوة في عدة مظاهر ومناسبات، خاصة في المناطق المتضررة من الفقر والهشاشة الاجتماعية، وفشل البرامج التنموية وضعف الادارة المحلية ومحدودية وسائلها.
 
محمد الطيار/ باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية