السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك: إدارات بـ " النيابة "

وحيد مبارك: إدارات بـ " النيابة " وحيد مبارك
تصرّ عدد من القطاعات على أن تعتمد نهجا إداريا يبعث على الغرابة لأنه يساهم في زرع التشكيك عوض تعزيز وترسيخ الثقة، ويفتح الأبواب لكل التأويلات والقراءات والاحتمالات، ويوحي بانعدام الطاقات وافتقاد الكفاءات القادرة على تحمل المسؤوليات. نهج يقوم على تعيين مسؤولين بالنيابة، في مراكز ومصالح مختلفة، محلية، إقليمية، جهوية ووطنية، وهي العدوى التي باتت تستشري في جسم الإدارة وتتسع رقعتها يوما عن يوم، في غياب أي تبرير منطقى يخصّ السبب المركزي الذي يدعو لاعتماد هذا الأسلوب الإداري الذي يتم من خلاله تعيين مسؤولين مع "وقف التنفيذ"، مهما بلغ حجم صلاحياتهم اللحظية المهددة بالشلّ في كل لحظة وحين؟
إن المهتمين بالشأن الإداري، حين التأمل في طبيعة الهرم التنظيمي لمجموعة من الإدارات، في مختلف القطاعات، سيقفون عند ظاهرة تعيين مسؤولين بالنيابة، التي لم تعد مقتصرة على مسؤوليات بعينها وفي حدود إدارية خاصة، لأنها أصبحت بقدرة قادر "فلسفة إدارية" يتم تبنيها لتدبير قطاعات حيوية، من المفروض أنها تحتاج إلى مسؤولين يتوفرون على خارطة طريق واضحة المعالم وبرنامج عمل دقيق لكي يباشروا مهامهم لتنزيل التوجهات الحكومية، عموما، والوزارية، خصوصا، على رأس الإدارات التي يشتغلون بها، ولأجل قيامهم بهذه الخطوات بكل جدية ومسؤولية وبكل حماس وعزيمة، سعيا وراء تحقيق الأهداف المسطرة والوصول إلى الغايات المرجوة، وبالتالي فهم في حاجة لأن يكونوا واثقين ومطمئنين ولديهم ثقة كبيرة في أنفسهم وفي قدراتهم وفي نتائج عملهم، بما يسمح لهم بتحقيق المكتسبات في الشقين العام والخاص، بالنظر لأن كل مجتهد يكون في حاجة إلى التحفيز وإلى المكافأة.
شعور بات مفقودا اليوم في مجموعة من الإدارات بفعل هذه التعيينات التي منها ما قد يمتد لسنوات، وعلى رأسها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي اعتمدت هذا الأسلوب لمدة ليست بالهيّنة، وقد يرافق التعيين بالنيابة المسؤول إلى حين حصوله على التقاعد، في حين أن البعض قد لا يقضي إلا بضعة أيام أو أسابيع على رأس المصلحة التي ترأسها، فلا يعلم لماذا تم وضعه على رأس مسؤولية ما بكيفية مقيّدة، ويجهل إن كان سيتمم برنامج عمله أم سيتم تغييره في أية لحظة، ليتحول بذلك إلى مجرد مسؤول يقوم بتصريف مهام لفترة غير معروفة وغير محددة زمنيا. 
مسؤولون مؤقتون، لا يعلم زملائهم في العمل ولا من يهتمون بالشأن الإداري، الهدف من "تأقيتهم"، إن كان مردّه جزم ويقين بنقص في كفاءتهم أو محدودية قدرتهم على التدبير وعلى تحمل المسؤولية بشكل عام، وبالتالي يُطرح سؤال حول مسطرة الانتقاء وجدوى مباريات الترشح، ولما لا يتم البحث عمن تتوفر فيهم كل المواصفات القانونية والإدارية المطلوبة. وإذا لم يكن هناك عيب في سيرتهم الذاتية والمهنية، وكانوا يتحلون بالكفاءة العالية الضرورية، فإن سؤالا آخر يعلن عن نفسه والمتمثل في الغاية من فرض هذه الوضعية عليهم، إن كان مردّها خوف من تفوق وتميز واستقلالية يميزونهم فلا يكونون طيّعين، أو بغاية استمرار تحكم جهات ما في قرارات إدارية يجب تصريفها بالشكل الذي يُملى لا بالطريقة التي يجب أن تكون عليه، وما على المسؤول إلا تنفيذها طمعا في الحفاظ على الكرسي، وهذا وضع أخطر لا يجب السكوت عنه؟
إن التدبير الإداري، في زمن التخليق ومحاربة الفساد والارتقاء بالإدارة وتطويرها وإكسابها المزيد من الشفافية، يتطلب تبني حكامة فعلية باعتبارها المفتاح الحقيقي لكل إصلاح والعلاج لكل عطب، فكل العلل الإدارية كانت بسبب تقزيم الحكامة وتحجيم آثارها وتقويض جهودها، مما أثر على صورة المرفق الإداري، داخليا في علاقة بالموظفين الذين اقتنع العديد منهم بأنه لا مكان للتحفيز وللمكافأة جراء العمل بكل جدية ومسؤولية والمردودية وإنما الفيصل في تحمل المسؤوليات هو الولاءات وغيرها من الممارسات، وخارجيا في علاقة بالمرتفقين الذين يقفون على بون شاسع بين القوانين المعتمدة والشعارات المرفوعة والواقع الفعلي الذي يقوم على التسويف والمماطلة وعلى عدد من السلوكات الشائنة. فمتى يكون التدبير الإداري شفافا بشكل مستمر ودائم، ومتى يصبح ربط المسؤولية بالمحاسبة نهجا إداريا طبيعيا بعيدا عن كل الاجتهادات الظرفية التي تسيء للإدارة المغربية؟