الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الطيب دكار: "لماذا لن يجرؤ الجنرال شنقريحة على شن حرب ضد المغرب؟" (5)

الطيب دكار: "لماذا لن يجرؤ الجنرال شنقريحة على شن حرب ضد المغرب؟" (5) الطيب دكار (يمينا) والجنيرال شنقريحة ومشهد لقوات المينورسو
يواصل الطيب دكار، المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بالجزائر، كشف خلفيات العداء الجزائري للمغرب، مؤكدا أن "الرئيس الجديد لأركان الجيش الجزائري ليس مجهولا بالنسبة للمغاربة، ما دام أنه كان قائدا للناحية العسكرية الثالثة لبشار، وسبق له أن كشف عن مشاعره العدائية تجاه المملكة، في إحدى الحلقات الدراسية بين البوليساريو وبين القيادة العسكرية الجزائرية، في مارس 2016 بتندوف.
فحين نوديَ عليه للحديث في هذا الاجتماع الذي انعقد من 14 إلى 16 مارس، في موضوع "استمرار وتحدي"، نعت المغرب بـ"عدو" البوليساريو، و"عدو الحزائر".
لقد كان اسم الجنرال سعيد شنقريحة، إذن، معروفا لدى المغاربة بوصفه الشخص الذي حرض "البوليساريو" مباشرة على خوض حرب ضدهم، وذلك عندما كان قائدا للقوات البرية، إذ ظهر تسجيل له وهو يدعو ميليشيات جبهة البوليساريو في تندوف ويحرضهم على "خوض الكفاح ضد "المحتل المغربي" الذي "يغتصب أراضيهم دون وجه حق"، على حد تعبيره، وهو ما يؤكد نظرة الرجل الحاقدة للمغرب.
وقال مؤلف كتاب  "الجزائر/ اللاستقرار السياسي يطيل أمد القطيعة مع المغرب": " أثناء هذا الملتقى 12، أكد قائد الناحية العسكرية الثالثة (بشار جنوب غرب)، الجنرال ماجور السعيد شنقريحة، أمام جمع من الجنرالات الجزائريين، أن هذا الاجتماع فرصة حقيقية لتبادل التجارب العسكرية، فضلا عن تبادل وجهات النظر حول قضية الصحراء". وبالنسبة إليه، فإن هذا الاجتماع يهدف إلى تحقيق الأهداف المشتركة بين الجيشين، الجزائري والصحراوي"، والتي حددها في "بسط سيادة الشعب الصحراوي الشقيق على أراضيه التي سلبها منه الاحتلال المغربي الغاشم دون وجه حق"، حسب منطوق كلام المسؤول العسكري الجزائري.
ودعا شنقريحة إلى مضاعفة الجهود، خاصة إذا علمنا أن الدولة المغربية تعمل، كما يزعم كاذبا، من أجل زعزعة استقرار بلدان المنطقة وإطالة أمد معاناة الشعب الصحراوي". بل أذهب أبعد من ذلك حين اتهم المغرب بأنه نشيط في مجال "تجارة المخدرات وتمويل الإرهاب والجرائم الكبرى".
وشدد الجنرال شنقريحة، في خطابه العدائي، على التعاون الوثيق بين الجيش الجزائري ومقاتلي البوليساريو لحماية "حدود البلاد"، وأن "الجزائر تضع جميع إمكانياتها لاستتباب الأمن في المنطقة، ودعم الشعب الصحراوي الشقيق، ومساعدته على بناء دولته والعيش بكرامة.. هذه الدولة، وهذه الكرامة التي يقوضها، حسب مزاعمه، العرش المغربي بأساليبه المنحطة، وأساليب أجهزة مخابراته".  متمنيا أن "يتمكن إخواننا الصحراويون من الانتصار على عدوهم الغاشم، وعدونا أيضا".
يتضح إذن، أن تهجمات شنقريحة على المغرب، كلما أتيحت له الفرصة أو أعطيت له الكلمة للحديث باسم الجيش الجزائري، ليس وليدة "العقيدة الديبلوماسية" للنظام الجزائري، بل يتعداه إلى مستوى أكبر من "الحقد الشخصي على المغرب" أو إلى ثأر قديم حين تلقى شنقريحة وزملاءه هزيمة قاسية على يد الجيش المغربي في "أمغالا".
لقد أثبت شنقريحه، بتصريحاته ذات النبرة الهستيرية التي تصف المغرب، إما بـ " العدو" أو "العدو الكلاسيكي"، وأحيانا بـ "المستعمر الغاشم" و"المحتل"، أنه "حاقد محترف"، حتى دون أن يشرح أو يوضح سبب هذا "العداء المتمكن من صاحبه"، واطمئنانه المريب إلى "المسكوكة البومدينية" (المغرب عدو للجزائر)، وذلك في الوقت الذي يؤكد التاريخ أن الأمر يتعلق ببلدين  شقيقين، بل ببلدين توأم كما قال محمد السادس عن حق، علما بأن أولهما مدين للثاني بالدعم المادي والمعنوي، الديبلوماسي والسياسي، وبدماء أبنائه التي أريقت بسخاء في سبيل استقلال الجزائر؛ وهو ما يكشف عن تناقض في الفهم أو دليل على "سوء فهم" أملاه، ربما، الإرغام الإيديولوجي الذي كان سائدا في مرحلة ما من مراحل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي المرحلة التي كانت فيها الجزائر مزارا لزعماء الحركات التحررية في العالم.. لكن هذا الموقف العدائي يبقى دون مبرر موضوعي سوى ثقافة "النيف" (الأنفة) التي يعرف بها الجزائريون، والتي تحيد أميالا عن "الواقعية السياسية" والمصالح العليا للشعوب.
يطرح الطيب دكار هذا السؤال: "هل الجزائر بحاجة إلى ترتيبات دستورية لإعلان الحرب على المغرب؟"
"هل احتاجت إلى هذه الترتيبات حين أعلنت الحرب على المغرب في الصحراء منذ الثمانينيات، على نحو مباشر، أو عبر البوليساريو؟".
جوابا على هذين السؤالين البالغي الأهمية يقول الطيب دكار: "لقد أعلن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أثناء حملته الانتخابية لولاية ثانية بتيزي وزو، بأن "بلاده لن ترسل، بعد الآن، أي جندي جزائري ليموت في الصحراء". ونحن نعلم الآن جميعا أن الجزائر انخرطت بنشاط مكشوف في بعض المعارك بالصحراء المغربية، وأن المغرب أسر المئات منهم، وأطلق سراحهم غداة قمة مغربية جزائرية أقيمت على الحدود بوساطة سعودية.
فهل معنى ذلك أن الجزائر تحتاج لزوما إلى ترتيبات دستورية لشن الحرب على المغرب؟
أفترض، يقول المؤلف، أن هناك اتفاقا لوقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو منذ 1991، وأنه في انتظار تسوية نهائية لقضية الصحراء، وضعت الأمم المتحدة آلية دولية (المينورسو) للحفاظ على السلم الذي ساد منذ 29 سنة، دون أي حوادث خطيرة.  فأي اعتداء ضد المغرب من طرف البوليساريو سيعتبر انتهاكا لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين الطرفين، وهو ما لن تسمح به القوى العظمى.
وعلى العكس من ذلك، إذا غامرت الجزائر، التي ظلت لوقت طويل، وما زالت إلى اليوم، حليفة لروسيا، أكبر مموليها بالسلاح، وقررت شن الحرب على المغرب، فإنها، وهذا ما تعرفه جيدا، ستتعرض لمخاطر جسيمة. فالدول العربية التي شكلت "جبهة الحزم" المعادية لإسرائيل، خلال العقدين الأخيرة، تحولت إلى رماد، ويتعلق الأمر بـ (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق). ولم يتبق من هذه الدول إلا الجزائر التي ما زالت مستمرة في الوقوف، رغم المآسي الإنسانية التي تعيشها، ورغم أزماتها الدورية، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
بشكل مسبق، يُساور الجزائر، حاليا، قلق كبير من وضعية عدم الاستقرار التي تسود جانبها الشرقي، وبعبارة أخرى، هي متزعجة مما يحدث في ليبيا التي يمكن للأطراف الفاعلة (القوى المتناحرة) فيها أن تنسحب منها إلى الأراضي الجزائرية، بل يمكنها أن تجعل من هذه الأراضي قاعدة خلفية لعملياتها، بل موطنا جديدا للتوتر، علما بأن الجزائر تعيش صعوبات حقيقية، منذ أكثر من ثلاثة عقود، على مستوى حدودها. فالجانب الشرقي يشكل الآن الشاغل الثاني الرئيسي للجزائر.  ذلك أن المجموعات الإرهابية المسلحة تتنقل بسهولة كبرى في منطقة الساحل، وأيضا في الحدود الجنوبية للجزائر، مما يعني أن بإمكان هذه المجموعات الإرهابية أن تتجه نحو الشمال في كل وقت. أما الحدود الجنوبية الغربية، فقوات المينورسو الأممية (القبعات الزرق) مكلفة باحترام اتفاقية وقف إطلاق النار، في انتظار التسوية النهائية لقضية الصحراء.
ويلاحظ الطيب دكار أنه  "ليس للجزائر أي سبب قوي لشن حرب على المملكة، باستثناء أنها ستخاطر بإدخال البلاد في حرب داخلية بدون نهاية، كما هو الأمر الآن في ليبيا، واليمن، أو في سوريا التي بتحالفها الوثيق مع روسيا، سلمت نفسها للمصير الذي نعرفه جميعا. ولذلك فإن التعليمات الدستورية المتعلقة بالجيش الجزائري ينبغي أن تستهدف، أولا، التدخلات المحتملة للجيش في ليبيا، وفي الجنوب الجزائري".
ويخلص صاحب الكتاب إلى أن "احتمال نشوب حرب عدوانية ضد المغرب يظل احتمالا صغيرا، حتى في حالة أخطر الأزمات الداخلية، ذلك لأن هذا الاحتمال سيحمل في رأيي، مخاطر كبيرة لعدم استقرار  الجزائر".