يتواصل سجال ساخن بمدينة مكناس بشأن الأشغال الجالية لإنشاء ملعب للقرب بساحة للاعودة التاريخية التي تعود الى عهد المرينيين كما تعد من أهم الساحات الموجودة بالقصبة الإسماعيلية، فهي تقع خلف القصور السلطانية العديدة الى جانب كونها تشكل المدخل الرئيسي للقصر السلطاني، الأمر الذي أثار استنكار واستياء المكناسيين الذين اعتبروا أشغال الحفر لإقامة ملعب بالساحة التاريخية لالة عودة قمة العبث بالموروث الثقافي والتاريخي والحضاري للعاصمة الاسماعيلية من طرف مسؤولي جماعة المشور الستينية.
فحسب الباحثين في التاريخ والتراث، فإنه اذا كانت الساحة العمومية هي ذلك الفضاء الشاسع الذي يقع بين الدُّور أو بجانبها ليفصل بين الأحياء السكنية أو ليعلن عن نهايتها، أو هي المكان الواسع الذي يتم استغلاله لأداء وظائف محددة (سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية) أو ليفصل بين أوعية سكنية هي لعموم الناس وأخرى أميرية، أو ليفرض سلوك الاحترام اتجاه عدد من المرافق العمومية وغيرها، فإن ساحة للا عودة التاريخية التي أخذت اسمها من الجامع المجاور لها، هي أكثر من ذلك وزيادة، فهي ساحة فسيحة تقع على أنقاض القصبة المرينية التاريخية التي اختارها بنو مرين لتكون موضعا لقصور أمرائهم وولاتهم على مكناس سنة 1275م، فهي تشرف على واد بوفكران وملتصقة بالمدينة العتيقة عبر حي الحمام الجديد.
وتكمن أهمية ساحة للا عودة في كونها تقع عند المدخل الرئيس للقصر السلطاني، فمباشرة بعد الدخول إلى القصر عبر الباب التاريخي (باب المنصور) تجد ساحة للا عودة الأميرية تستقبل الزائر يسارا لتحضنه وتشعره أنه حقا بالقصر السلطاني أي القصبة الإسماعيلية التي ابتدأ بناؤها سنة 1674م، وهذا إحساس لا يستشعر معانيه إلا من عاش قريبا من أسوراها وفضائها.
كما أنها ساحة لالة عودة تقع خلف القصور السلطانية العديدة (مثل قصر الستينية وقصر للا باني)، وكأنها منتزه أميري تم إعداده ليكون فضاء للتنزه والترويح، ساحة ترتبط بضريح السلطان المولى إسماعيل وقبة الخياطين عبر باب فيلالة المندثر، وهي كلها فضاءات سلطانية.
فكيف تستباح حُرمة ساحة لالة عودة وتُشهوه معالمها أمام أعين المسؤولين وأنظار المكناسيين؟ يتساءل هؤلاء وهي التي بالأمس كانت عرضة للإهمال : من مرأب للسيارات وما زالت، ومأوى للتسكع عند السور الشرقي ومازال رغم إحداث مضاءات تم تجاهلها ومقر للحراسة تم نسيانه، ثم هي اليوم عرضة للتشويه: من فضاء للألعاب التي تنصبت عند الشمال الشرقي منها، إلى ملعب للقرب، معتبرين ما يجري بساحة لالة عودة ب " التجاهل والاستخفاف وعدم تقدير التراث المادي للمدينة ".
بينما يستند المدافعون عن المشروع إلى كون جماعة المشور الستينية تفتقر إلى أوعية عقارية مهيأة لإنشاء مثل هذه المرافق، معتبرين أن الملعب الحالي، بمساحة ضيقة لا تتجاوز 20 متر على 40 متر، لن يشكل تشويها لجمالية الساحة أو للمعالم المجاورة مستندين إلى تجارب مدن أخرى كفاس ومراكش والصويرة، حيث أقيمت ملاعب قرب بمحاذاة الأسوار التاريخية .
وبين شد وجذب، تظل الأنظار تترقب تدخل وزيري الثقافة والداخلية لحسم هذا الجدل، بينما تتواصل احتجاجات الساكنة، ليبقى التساؤل عن ماذا كان هذا الملف سيتم طيه بإيقاف أشغال بناء ملعب القرب بساحة للا عودة أم أنه سيكرس واقع التخبط الذي عانت منه الساحة منذ التسعينيات في غياب رؤية واضحة تعيد توظيف هذا الموروث الثقافي المصنف كتراث عالمي من طرف اليونسكو لتحقيق الإشعاع السياحي واستقطاب مزيد من الزوار لمدينة مكناس .
