الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

الطيب دكار: "الرئيس تبون مجرد "واجهة" مدنية مكشوفة لحكم العسكر" (3)

الطيب دكار: "الرئيس تبون مجرد "واجهة" مدنية مكشوفة لحكم العسكر" (3) عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة (يمينا) والطيب دكار (يسارا)
يستمر الطيب دكار، المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء في الجزائر، في الكشف عن خلفيات عقيدة العداء التي تحرك نظام العسكر الجزائري تجاه المغرب، ويقول: "كثيرون هم المغاربة الذين تساءلوا حول ما إذا كان انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر سيفضي إلى تغييرات، بمعنى أو بآخر، في السياسة الخارجية لهذا البلد تجاه المملكة. غير أن خرجاته، أثناء حملاته الانتخابية، من قبيل مطالبة المغرب بتقديم "اعتذار" عن سوء المعاملة التي تعرض لها الجزائريون المقيمون في المغرب، بعد العملية الإرهابية التي وقعت بمراكش في غشت 1994، وإعادة تأكيده للموقف التقليدي لبلاده من نزاع الصحراء، لم يترك أي مجال للشك حول نوايا المقيم الجديد في قصر المرادية".
وأكد الطيب دكار أن "الرئيس الجديد جاء إلى الرئاسة بإرادة من الجيش الجزائري عبر انتخابات منظمة من بدايتها إلى نهايتها من طرف جهاز وزارة الداخلية، وقد حاولت السلطات الجزائرية إضفاء المصداقية على هذه الانتخابات بزعمها أن نسبة المشاركة وصلت إلى 41 بالمئة".
ومع ذلك، ظل عبد المجيد تبون، حسب صاحب الكتاب، دون شرعية ليس فقط بسبب الرفض الشعبي، وصناديق الاقتراع التي لم تحتو سوى على خمسة ملايين ورقة تصويت فقط، من بين أزيد من 24 مليون ناخب جزائري، بل أيضا على مستوى الشرعية التاريخية، لأنه الرئيس الوحيد الذي لا ينتمي إلى جيل المجاهدين، بخلاف هواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي ويمين زروال.
لقد اكتفى رجال جهاز الدولة الجزائرية، وهذا مبعث إحباط للجزائريين، بـ"بوتفليقة مكرر" أو بـ"ولاية خامسة بدون بوتفليقة" كما يقول جزائريون على نحو ساخر، لأن الرئيس الجديد عاجز عن تنزيل التزاماته الانتخابية، وتحديدا التزامه بفصل السلط (التعديلات الدستورية)، وعدالة منصفة، وصحافة حرة، والإعفاء الضريبي لفئة من الأجراء، وإنعاش الفلاحة لتأمين الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتنمية الصادرات، وإعادة تأهيل قطاع الصحة، وتحفيز موظفي الصحة، والعلاج المجاني لبعض الأمراض المزمنة، واللائحة طويلة، مثل تكفل الدولة بإعادة جثامين الجزائريين الذين توفوا في الخارج، وهو الأمر المعمول به منذ عدة عقود في المغرب، يقول الطيب دكار في كتابه حول اللاستقرار في الجزائر؛ كما يتساءل عن أسباب عجز الرئيس تبون عن الوفاء بالتزاماته.
يرجع المؤلف أسباب ذلك إلى الفوضى الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، ذلك "أن مئات المقاولات الجزائرية أعلنت إفلاسها، مما أدى إلى فقدان 600 ألف أجير للشغل. إضافة إلى إرادة الجيش الذي كان همه الشاغل، بعد شغور منصب الرئيس وسقوط بوتفليقة بسبب قوة الحراك الشعبي، هو العثور على مرشح مطواع، وعلى القياس، لاستعماله كـ "واجهة" لإدارة شؤون البلد من خلال تحريكه نحو الوجهات التي صممها قادة الجيش، ولذلك فإن تراجع الجيش، الذي ارتفع حضوره خلال شهور من الاحتجاجات، ما هو إلا تراجع تاكتيكي لمواجهة التغيير الذي دعا إليه الحراك الشعبي الداعي إلى "انتقال سياسي" قصير المدى لإقامة نظام سياسي حقيقي ديموقراطي وشفاف، يزيح كل رموز النظام القديم، بمن فيهم قائد الجيش، الذي ظل لمدة 15 عاما حليفا للرئيس بوتفليقة.
وأكد مؤلف الكتاب أن "العلاقات بين البلدين عرفت عدة أزمات كادت تهدد، أكثر من مرة،  كل أمل في تطبيع العلاقات، الذي بدأ بالفعل عام 1988 ، وذلك بعد قطيعة استمرت 14 عاما، والذي انتهى مع الولاية الأخيرة للرئيس الشاذلي بن جديد. فلم يعكس هذا التطبيع بالضرورة أي بناء محتمل للاتحاد المغاربي على أسس صلبة ومتماسكة، لأن تحقيق هذا الهدف يظل رهينا بالتزام البلدان المغاربية باحترام حقوق الإنسان، وحرية التعبير والرأي، في أفق  بناء ديمقراطية حقيقية".
فعندما تلتزم دول المغرب الكبير بهذا الاتجاه، سيكون من السهل إعادة بناء  المغربي العربي على قاعدة متينة تضمن له الاستمرارية والاستدامة والبقاء. ولذلك، فمن الواضح أن النهج الذي اعتمده اتحاد المغرب العربي، في شكله الحالي، ونسخته وهياكله الحالية، سيودي حتما، وفي كل الحالات، إلى الفشل. ذلك أن الجزائر ما زالت، حتى الآن، تستمر  في  التشبث بمواقفها في السبعينيات، فيما يتعلق الصحراء، مأخوذة ب"الأنفة" مادام "الكبرياء" في الجزائر يتغلب على الواقعية السياسية. ولذلك ما زال الجزائريون يرافعون ويدافعون عن الحق المزعوم للشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وهو المطلب الذي من الواضح أنه لم يعد يقنع حتى المسؤولين الجزائريين أنفسهم. "فأنا أعتقد أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب يعطي الفرصة للجزائر للتخلص من الإرث الثقيل للنظام القديم الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في النزاع المستمر بين البلدية، وهي المسؤولية التي تستحق إدانة شعبية بسبب تحريض هذا النظام على التقسيم والعداء والكراهية بين بلدينا، وذلك في ضوء التغييرات السياسات  والإيديولوجية الإقليمية والدولية"، يقول الطيب دكار.
ويتوقع المدير السابق لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء في الجزائر أن يظل الوضع في الصحراء متوترا، وأن يعرف تصعيدا خطيرا يمكنه أن يشكل سابقة منذ عام 1975، وذلك إذا عمدت الجزائر إلى الاستمرار في نقل اللاجئين المحتجزين من محيط تندوف إلى المنطقة العازلة، للتخلص من هذا الإرث الثقيل للنظام الجزائري الذي لم يكن، في البداية، يتوفر على أي رؤية واضحة للبدائل المحتملة، إذا استدام الوضع لعقود. كما أنه من الصعب على المغرب الاستمرار في القبول بالأمر الواقع  دون المراهنة على مستقبل أراضيه الصحراوية، وأيضا على تضحياته، وأمنه ووحدته. فليس مستبعدا أن تنشط الجزائر هذه الفرضية لإخفاء نكساتها الدبلوماسية في ملف الصحراء بعد 50 عاما من الحرب ضد المغرب على جميع المستويات،  وذلك لإرغام  المجتمع الدولي على تبني هذا الملف مباشرة.
'لقد كانت القطيعة هي القاعدةـ والتطبيع هو الاستثناء في تاريخ العلاقات بين البلدين، منذ الاستقلال إلى الآن؛ ذلك أن استعادة العلاقات الديبلوماسية سنة 1988، باستثناء السنوات الأربع الأولى،  لم تغير شيئا من هذا الأمر. فالقطيعة هي الثابت، خاصة أنه من الصعب بالنسبة للجزائريين، باستثناء بعض أحزاب المعارضة، أن يراجعوا قضية الصحراء، دون أن يجر عليهم ذلك غضب السلطة، بل ردود أفعال غير متوقعة من قادة الجيش"، يؤكد مؤلف الكتاب.