الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عالي شرامها: تأملات حول قضية تحفيظ أراضي قبيلة أيتوسى

عالي شرامها: تأملات حول قضية تحفيظ أراضي قبيلة أيتوسى عالي شرامها
عرف إقليم أسا الزاك في الآونة الأخيرة، نقاشا مستفيضا حول أراضي قبيلة أيتوسى، ومطالب تحفيظ قدمت من طرف مديرية الأملاك المخزنية أمام المحافظ العقاري سعت من خلالها إلى تحفيظ مساحات شاسعة بإقليم أسا الزاك، تشمل عدة جماعات قروية.
وازدادت حدة هذا النقاش في الشهر الأخير مع اقتراب موعد الموسم الديني  لزاوية أسا، الذي يحمل دلالة رمزية تاريخية ودينية للقبيلة، ويعتبر فرصة لجمع شمل أبناء قبيلة آيتوسى وخلق حوار حول قضاياها ومشاكلها، والتي من بين أهمها حسب المخيال الجمعي لمكونات القبيلة نجد موضوع أراضي القبيلة.
هذا النقاش الذي أسس تارة على الثقافة الجمعية للقبيلة والضمير الجمعي لمكوناتها وشبابها ونظرته للأرض وموقفه بخصوصها بنوايا حسنة، وتارة أخرى لاعتبارات سياسية بين أطراف جمعها مكون إثني واحد وفرقها موقعها السياسي ومدى قربها من السلطة من عدمه وسعي بعضها إلى الحفاظ على علاقته بالسلطة، وتارة أخرى على عصبية غير مفهومة وحماسة زائدة.
وفي سياق هذا النقاش نصب البعض نفسه خصما وحكما، حيث دافع البعض عن طرح التحفيظ والاستثمار دون أن يوضح حيثياته وحجمه ونوعه وأمده وكيفية استفادة شباب المنطقة والقبيلة منه، وكرسوا لغة التخوين والتسفيه والترهيب، وعارض البعض الآخر طرح التحفيظ من طرف الأملاك المخزنية بمبررات متعددة. 
ومساهمة في هذا النقاش، أدلي برأيي المتواضع في هذا الموضوع من خلال مقاربات متعددة عبر طرح مجموعة من التأملات التي أرى أن في التطرق إليها قد نقارب الإشكال الواقع مقاربة موضوعية. 

التأمل 1: القبيلة و الارتباط بالمجال الترابي/ الأرض في المخيال الجمعي لقبيلة أيتوسى
تساؤل: هل من  يمكن  تصور القبيلة بدون مجال ترابي؟

إن معطيات التاريخ والواقع تؤكد بأنه لا يمكن أن نفصل تواجد الإنسان وديناميته ونشاطاته عن الأرض، فالأرض بالنسبة له تعبير جغرافي عن انتمائه وارتباطه بالمجموعة البشرية التي تشاركه العيش المشترك، وذاكرة تختزن أحداثا ووقائع ومخيالا يشتغل عبر الصور الذهنية المتواترة التي يتم تكوينها عنها، كما أنها ثقافة تضم طقوسا وممارسات وعادات ودلالات رامزة.
وقبيلة أيتوسى كتنظيم اجتماعي بعد خروج المستعمر الإسباني والفرنسي من بلدنا الحبيب، تعتبر الأرض إلى جانب الأصل المشترك أحد المحددات الأساسية لهويتها ، ولا يمكن أن نذكر القبيلة دون أن يتبادر إلى ذهننا مجالها الجغرافي الذي يحددها ويمنحها أسباب الوجود، بل لطالما كانت الأرض في محطات متعددة موضوع نقاش وتجاذب واتفاقات وأحيانا صراعات مع قبائل أخرى تجاور أراضي قبيلة آيتوسى كآيت لحسن والركيبات وآيت ابراهيم ويكوت وآيت بوعشرة إلى غير ذلك من قبائل الصحراء، وفي أرشيف  التاريخ من  الوثائق ما يعزز ذلك.

 
التأمل 2: في علاقة القبيلة بالدولة و ظاهرة الأعيان المنتخبين
 هل يمكن مخاطبة مؤسسات الدولة والتعامل معها باسم القبيلة؟
لقد أسس البعض في سياق النقاشات الدائرة حول موضوع الأرض فكرته على أن العمل باسم القبيلة قد انتهى وأن القبيلة كتنظيم قد ولت وقامت على أنقاض حطامها الدولة بمؤسساتها المتعددة معتمدة في ذلك على القوانين ومفاهيم المواطنة والولاء للدولة عوض الولاء للقبيلة.
في حين تمسك فريق أخر بفكرة القبيلة كتنظيم واعتبرها المعني الأول والمباشر بموضوع تحفيظ الأرض من جهة، وبأن الرجوع إلى أعيانها ووجهائها وتنظيماتها المؤسسة على ضوء النقاش (لجان الأرض/ تنسيقية الأطر) هو السبيل للوصول إلى حل لهذا الإشكال.
 وفي واقع الحال أن الدولة كمؤسسة لطالما اعتمدت طيلة مراحل عمرها في سائر أرجاء الوطن التي تقطن فيها قبائل عامة وبالمناطق الجنوبية وواد نون على وجه الخصوص، على مؤسسة القبيلة كتنظيم ساند الدولة، وقدم لها خدمات جليلة في الدفاع عن حوزة الوطن وحماية الوحدة الترابية وكذا في حفظ النظام العام، وتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي وتجاوز الأزمات.
بل إن الدولة في الوقت الحالي وفي كثير من الأحيان، تجد نفسها مجبرة على التعامل مع القبيلة كتنظيم وتتعامل معها الدولة كنظام رمزي محدد وموجه للقيم والتصورات والممارسات، وبنية موجهة ومحددة للتصورات والممارسات والقيم، وتستحضر الأعيان والشيوخ في المناسبات المهمة وتوجه برقيات التعازي في حالات وفاتهم، وخير دليل على التعزية الأخيرة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس نصره الله لعائلة المرحوم بالله محمد لحبيب حيدارا في الشهر الماضي.
عن فكرة وجود أعيان للقبيلة من عدمه، وعن مدى مصداقيتهم، هل للقبيلة حاليا أعيان فعلا؟ وهل من نصبهم كأعيان؟ وهل تتوفر فيهم شروط الشرف والنزاهة والمروة للقول بأنهم فعلا يستحقون صفة أعيان؟ هل هم محط إجماع من طرف القبيلة؟وهل يمكن أن نعطي صفة  الأعيان للمنتخبين الحاليين؟
إن من أهم ما تم استحضاره في سياق النقاش الدائر حول الأرض هو معطى أعيان القبيلة كمدخل أساسي للحل، وفي هذا السياق تطرح تساؤلات جوهرية هل يوجد لقبيلة أيتوسى أعيان فعلا في الوقت الراهن حاليا؟
إن واقع الحال يؤكد بأن صفة أعيان أو شيوخ قبيلة أيتوسى ظل ينتزعها البعض بالارتجال تارة، وتارة أخرى بالاختيار من لدن أفراد كل قبيلة على حدة، وتعاملت معهم الدولة باعتبارهم مؤثرين في أوساطهم الاجتماعية، وتارة أخرى، وفي كثير من الأحيان في الوقت الحاضر أصبحت تطفو على السطح فئة من المنتخبين نصبوا أنفسهم كأعيان للقبيلة خارج قواعد الاختيار الجمعي لمكونهم القبلي مستغلين صفتهم، كمنتخبين قادرين على التواصل مع مؤسسات الدولة من جهة، ومن جهة أخرى أعطوا المشروعية لأنفسهم كأعيان بوسائل خسيسة من قبيل وسائل التواصل الاجتماعي وشراء الصحافة والصفحات المحلية، والترويج لهؤلاء المنتخبين بأنهم من أعيان القبيلة، وبأن فيهم من صفات الشرف والمروة والاستقامة والصدق والاخلاص التي تجعلهم يستحقون صفة أعيان للقبيلة. (لا نعمم ولكن أغلبهم).  
والحقيقة أن المتحدث عنهم أخيرا وهم المنتخبين الذين نصبوا نفسهم كأعيان للقبيلة وسوقوا لذلك بوسائل متعددة، هم لا يمثلون إلا أنفسهم وهم أكثر من أساء الى صورة القبيلة كمكون، باعتبارهم أعيان لها وينتمون إليها ولصورة مؤسسات الدولة باعتبارهم منتخبين، واعتبرت حالتهم أكبر نموذج مشوه للمشهد السياسي بالمنطقة، وكانوا سببا مباشرا في استفحال الغضب لدى شريحة واسعة من شباب الإقليم وهجرة كثير منهم من الإقليم (لا نعمم ولكن أغلبهم). 

 
التأمل 3: التجارب السابقة لاستثمارات الأجانب بالإقليم ومدى مساهمتها في  التنمية، (تجربة الشركة الصينية بجماعة لبيرات و تجربة المحمية القطرية بجماعة المحبس)
إذا ما أردنا أن نتحدث عن التنمية كرهان من وراء تحفيظ الأرض وتمكين الشركات الكبرى من الاستثمار فيها، لا بأس أن نقدم تقييما عن واقع الاستثمارات الأجنبية السابقة، كالشركة الصينية بجماعة لبيرات والمحمية القطرية بجماعة المحبس، والتي أرى حسب رأيي المتواضع بأن وقعها في تنمية الإقليم كان منعدما.
فالمحمية القطرية المنجزة على مساحة شاسعة بجماعة لمحبس لم تؤد إلى حد الآن واجبات الكراء للجماعة منذ إحداثها، بل إن بعض هذه الواجبات طاله التقادم باعتباره دينا عموميا، وهو ما فوت على ميزانية هذه الجماعة مداخيل مهمة كانت ستساهم بشكل كبير في تنمية هذه الجماعة إذا ما تم استخلاصها من طرف المجلس.
أضف إلى ذلك، فعدد العاملين الحالين بهذه المحمية من أبناء المنطقة لا يتجاوز تقريبا 30 عاملا، وهو عدد لا يتلاءم مع  حجم الاستثمار المتحدث عنه بهذه المحمية.
و في نفس السياق، فقد سبق للمشرفين على هذه المحمية أن تعهدوا بتشييد مستشفى بجماعة الزاك، وبالتزامهم  بتوفير الاعتماد المالي الكافي لذلك، هو تعهد بقي حبيس التصاميم والإعلام، دون أن ينزل على أرض الواقع.
أضف إلى ذلك أن ثقافة الإكراميات للمنتخبين والمساعدات الغذائية للسكان، نظير الاستفادة من الأرض بدون مقابل ينطوي على نوع من الإهانة لهؤلاء المنتخبين ولسكان الإقليم.
وغير بعيد عن جماعة الزاك وبجماعة لبيرات سبق لشركة صينية أن احتلت مؤقتا ملكا تابعا للجماعة من أجل إنجاز مشروع لها ورخصت لها الجماعة بذلك، وتم تحديد مستحقات كرائية قدرها 10 دراهم للمتر المربع عن كل ربع سنة تؤدى في أول كل ربع سنة أو خلاله.
وبعد أن أنجزت الشركة الصينية المشروع لم تعمد إلى أداء أي من مستحقاتها منذ تاريخ احتلالها للملك الجماعي المذكور، وظل بذمتها ما قدره  مليون و ستمائة ألف درهم، ولم يستخلص هذا المبلغ وفوت على ميزانية الجماعة دخلا مهما يتجاوز ميزانيتها السنوية.
كل هذه الوقائع جعلت فكرة استثمار الأجانب بأراضي الإقليم لدى الرأي العام المحلي بإقليم أسا الزاك مجرد استثمار، ذي هواجس ربحية حصرية دون أن يرجى منه تحقيق تنمية حقيقية للمنطقة.

 
التأمل 4: غياب التواصل أدى إلى عدم القبول الجمعي بفكرة الاستثمار المتحدث عنه 
  أ ـ  المواطن والمنتخبين والسلطة بإقليم أسا الزاك: (طبيعة التمثلات وغياب الثقة/ هشاشة المؤسسات والإساءة لرموز الدولة)
يتمظهر جزء كبير من الإشكال  الحالي الواقع حول الأرض في غياب الدور الأساسي لمؤسسة رجل السلطة وللمنتخبين بإقليم أسا الزاك ، ومدى قدرتهم على خلق وسائل فعالة للتواصل مع المواطنين وتوجيه الرأي العام، هذا الدور الذي يعتبر مفقودا بل ومنعدما.
ذلك أنه إذا ما حاولنا البحث في طبيعة التمثلات السياسية في الوقت الحالي للمواطن بإقليم أسا الزاك ونظرته  للمنتخبين ولرجال السلطة، نجد أنها تتسم أساسا بانعدام الثقة خصوصا في السنوات الأخيرة، حيث اعتبر المواطن بعضهم أشخاصا عديمي المصداقية وغير جديرين بالثقة، وبأنهم في كثير من الأحيان يبحثون عن مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة وفي كثير  من حالات  يتواطئون ضد المصلحة العامة وضد توجهات الدولة.
ويزداد هذا الشعور لدى المواطن، لما يعاين ولمدة طويلة من الزمن  مشاريع ملكية سميت باسم عاهل البلاد الملك محمد السادس،  توقفت الأشغال فيها بقدرة قادر وخير مثال على ذلك ساحة محمد السادس المتواجدة بقلب مدينة أسا.
فكيف لمنتخبين ولرجال سلطة لم يراعوا رمزية تسمية هذا المشروع باسم عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن يكسبوا ثقة رعاياه.
 ب- غياب التواصل من طرف مؤسسات الدولة في موضوع الاستثمار المتحدث عنه:
لطالما أسس مؤيدو طرح تحفيظ الأرض باسم الأملاك المخزنية رأيهم بكون المنطقة ستعرف استثمارات مهمة وضخمة ستنجزها شركات أجنبية وستغطي وعاءا عقاريا كبيرا من مساحة إقليم أسا الزاك.
نعم الاستثمار شيء إيجابي للمنطقة ولشبابها ولقبيلة آيتوسى، إلا أن الغريب في الأمر وهو أن مؤسسات الدولة لم تكلف نفسها بذل أي جهد في فتح حوار جاد، لا مع الأعيان ولا مع المجتمع المدني قصد تقديم هذه المعطيات المتعلقة بهذه الاستثمارات، وقصد توفير قبول جمعي  لسكان إقليم أسا الزاك ولمكونات قبيلة أيتوسى بفكرة تحفيظ الأرض لفائدة الاستثمار دون أن تقع تعرضات على مطالب التحفيظ ربحا للزمن التنموي وتحقيقا للاستقرار وحفاظا للنظام العام. 

 
التأمل 5: الرهان القانوني والقضائي في قضية تحفيظ أراضي قبيلة أيتوسى
في سياق هذا الاشكال نحن  أمام مطالب تحفيظ مقدمة من طرف مديرية الأملاك المخزنية وتعرضات متعددة  مقدمة من أبناء المكونات الإثني لقبيلة آيتوسى، والمساحة المراد تحفيظها هي مساحة شاسعة.
أهم ما يجب مناقشته هو مدى حجية الوثائق المتوفر عليها من طرف المتعرضين للقول بأن ملكية العقارات المراد تحفيظها هي ثابتة لهم، أو على الأقل وبعد تقديمها أمام المحافظ لتعزيز التعرضات أن يتم قبول التعرض بشأنها وبعد إحالة الملف على القضاء قصد البت في التعرضات أن يحكم بصحة التعرضات.
هذا  المسار فيه ما فيه من القول، ويبقى مآله مرهون بمسار هذه التعرضات أمام المحافظ وبمدى صحة وجدية الوثائق والأدلة المدلى بها من طرف المتعرضين، وبما سيقرره القضاء في هذه التعرضات، وبما سيقرره كذلك في الخروقات التي شابت سير وسلامة إجراءات التحفيظ.
وغالبا ما سيعمر هذا النزاع أمدا طويلا من الزمن نظرا لتعدد الأطراف المتعرضة في كل مطلب تحفيظ، ونظرا لكون مراحل التقاضي تتدرج بين ابتدائي واستئنافي ونقض ونظرا لوجود صعوبات متعددة في إجراءات التبليغ في مثل هذه القضايا، أضف إلى ذلك أن الطعن بالنقض في مثل هذه القضايا يوقف التنفيذ بقوة القانون.

 
التأمل 6: منع استفادة شباب إقليم أسا الزاك من الأرض بمبرر الشهادة الإدارية في مقابل استفادة المنتخبين من هكتارات منها
في موضوع الأرض والاستثمار، جدير بالذكر أنه سبق لمجموعة من الشباب العاطلين أن تقدموا بمشاريع  إنشاء ضيعات فلاحية وتقدموا بطلباتهم للاستفادة من البرنامج الحكومي، مخطط المغرب الأخضر قصد تمويل هذه المشاريع وإنجاحها، إلا أنه تم فرملة استفادتهم  بذريعة ضرورة الحصول على الشهادة الإدارية.
وفي مقابل ذلك استفاد من هذا المشروع مجموعة من المنتخبين الحالين والسابقين وأقربائهم.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف استفادوا؟ ما مساحة العقارات التي استفاد منها هؤلاء؟ هل تم استفادتهم دون الحصول على الشهادة الإدارية الخاصة بالعقارات غير المحفظة؟ أم أنهم استصدروها من السلطات المختصة؟ في حالة حصولهم عليها، لماذا حرم شباب المنطقة من استصدارها؟ أليس مبدأ المساواة بين المواطنين هو مبدأ دستوري؟ أليس في ذلك ضرب صارخ للمبدأ الدستوري القائل بضرورة المساواة أمام المواطنين؟ 

 
التأمل 7 تحفيظ الأرض والمصلحة الفضلى لقبيلة آيتوسى وغياب التصورات 
مصلحة القبيلة: هل في بقاء الأرض دون تحفيظ أم في تحفيظها تحفيظا جماعيا؟
هل في تحفيظها باسم الدولة قصد بسط مساطر الاستثمار   للشركات الكبرى الوطنية والأجنبية تماشيا مع السياسات التي تتبنها الدولة بعد إحداث المراكز الجهوية للاسثمار؟
نعم، مكونات  قبيلة أيتوسى تتمسك بالأرض وقدمت تعرضات على مطالب التحفيظ المقدمة بشأنها وتباشر مختلف المساطر الادارية والقضائية لحمايتها وتتحمس لذلك عبر عقد اجتماعات ولقاءات هنا وهناك وأسست لجان لمتابعة الموضوع وتأطيره وحضرت في ميدان التحديد الإداري قصد تأكيد تعرضها وتوقيف إجراءات التحفيظ، لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو أين تكمن مصلحة قبيلة أيتوسى في موضوع الأرض والتحفيظ؟ هل في بقاء الأرض دون تحفيظها؟ أظن أن هذا الطرح لا يستقيم ومنطق العقل السليم، هل في تحفيظ الأرض تحفيظا جماعيا؟ وفي حالة وقوعه، هل التحفيظ الجماعي في الوقت الرهن سيحقق فعلا عدالة اجتماعية وتنمية حقيقية في المنطقة ويغير من وضعها بشكل إيجابي؟ هل من بين أعيان القبيلة وشبابها ورجال أعمالها من له  الاعتمادات والقدرات الكافية لمباشرة الاستثمار الحقيقي في هذه الأراضي بعد تحفيظها تحفيظا جماعيا بشكل يحقق التنمية؟ هل لمؤسسات الدولة القدرة على تقديم الدعم الكافي لمباشرة الاستثمار في هذه الأراضي بعد تحفيظها تحفيظا جماعيا؟
ألا يتعارض هذا الطرح مع توجه الدولة الحالي الرامي إلى  تعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا دوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطوير مناخ الأعمال، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمار؟
هل في تحفيظها باسم الدولة وفسح المجال لمؤسساتها المتدخلة في ميدان الإستثمار (المراكز الجهوية للاستثمار..)، قصد تبسيط المساطر للشركات الكبرى الوطنية والأجنبية التي تتوفر على الكفاءة المالية والتقنية واللوجيستية والقادرة على بلورة وإنجاز مشاريع مهيكلة ذات وقع اقتصادي واجتماعي حقيقي على الساكنة، وستوفر فرص حقيقية وقارة للشغل؟ 
وفي حالة وقوعه، ما هي الصيغة القانونية التي ستتعامل بها مؤسسات الدولة مع الشركات الكبرى في موضوع الأرض، هل في إطار عقود احتلال مؤقت؟ أم كراء طويل الأمد؟ أم تفويت؟
هل ستضع الدولة دفتر تحملات يفرض على الشركات المذكورة ضرورة توفير مناصب شغل قارة لأبناء المنطقة؟ أم أن استثمارها المتحدث عنه بالمنطقة له هواجس ربحية حصرية لها وللمتدخلين معها فقط، دون استهداف تحقيق تنمية حقيقية للإقليم ولشبابه؟
كيف ستنجح هذه الاستثمارات المتحدث عنها  مع وجود عوائق كثيرة في البنية الإدارية والسياسية في الإقليم  شعارها وضع العراقيل ولها تجربة في خلق الأزمات والاحتقانات، وسبق لها أن أفشلت مشاريع مهمة بالإقليم منها مشاريع ملكية؟
ما مصير الكسابة الرحل في حالة تعبئة هذه العقارات من طرف الشركات ؟ هل من حلول مقترحة في هذا الإطار لهذه الشريحة الواسعة في المجتمع الذين يعتبرون الرعي في المجال مصدر من مصادر عيشهم؟ 
كل هذه التساؤلات هي بمثابة تصورات يجب استحضارها بتبصر في هذا النقاش الدائر حول تحفيظ أراضي قبيلة  أيتوسى.
كذلك المؤسسات المنتخبة، على اعتبار أن من وظائفها الأساسية أن تلعب دور الوسيط بين المواطنين ومؤسسات الدولة، لم تساهم في توضيح ماهية هذه الاستثمارات وحجمها.
 وعلى سبيل الختم، نقول أن الحراك والنقاش الذي أثير  حول موضوع مطالب التحفيظ التي تقدمت بها مديرية أملاك المخزنية قصد تحفيظ أراضي قبيلة ايتوسى، وما صاحبه من رفض واستهجان من لدن مكونات قبيلة أيتوسى بشيبها وشيوخها وشبابها وأطرها، هو نقاش إيجابي ومشروع، وأن غياب التواصل وحجب المعلومة المتعلقة بالاستثمار المتحدث عنه هو السبب الأول الذي عمق من حجم هذا الإشكال، وأن حله يستوجب تدخل عقلاني من طرف مؤسسات الدولة المركزية. 
وفي سياق هذا التدخل يستحسن استبعاد فرضية التخوين والحسابات الضيقة والهاجس الأمني المبالغ فيه وغير المبرر، وأن يؤخذ بعين الاعتبار في إطار هذا التدخل بالواقع الحقيقي للبنية الإدارية والسياسية الحالية في إقليم أسا الزاك والتي اتسم تدبيرها للشأن العام بالعشوائية والفساد والتواطؤ الواضح والمكشوف بين المسؤولين والمنتخبين من أجل مصالحهم الخاصة ضد المصلحة العامة ومصالح الدولة.
تدخل نأمل فيه أن يقوم على مراعاة مدى ارتباط المجتمع الأهلي بالأرض، ويحقق من  نوع من الرضا للمجتمع الأهلي. وعلى خلق مرحلة جديدة تعتمد على جلب رجال سلطة وموظفين ذي كفاءة ومصداقية قادرين على معالجة مختلف الاختلالات التي يعرفها إقليم أسا الزاك، واستحضار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في التعامل مع المسؤولين والمنتخبين، مع تفعيل آليات الرقابة وتحريك المساطر أمام المحاكم المالية والقضاء كلما استوجب الأمر ذلك. 
عالي شرامها، محامي بهيئة المحامين بأكادير