الثلاثاء 19 مارس 2024
فن وثقافة

لمودن: الثقافة في المغرب بدون حاضنة اجتماعية ولا يمكن الحديث عن موسم ثقافي

لمودن: الثقافة في المغرب بدون حاضنة اجتماعية ولا يمكن الحديث عن موسم ثقافي الكاتب مصطفى لمودن

في سياق النقاش الدائر بشأن حالة الجمود التي تطبع الموسم الثقافي في المغرب مقارنة مع دول أخرى، قال الكاتب مصطفى لمودن في تصريح لجريدة "أنفاس بريس" أنه لا يمكن الحديث عن موسم ثقافي في المغرب، مشيرا بأن مشكلة الثقافة في المغرب معقدة، حيث ينظر إليها كمجال "عاق" يُخرّج المحتجين والرافضين وغير الخانعين، فضلا عن كونها بدون حاضنة اجتماعية، ويعود ذلك لبؤس مقررات التعليم في المغرب، حيث تكاد تنعدم به الأنشطة الثقافية..
وفيما يلي نص التصريح الذي أدلى به مصطفى لمودن، كما توصلت به جريدة "
أنفاس بريس" جوابا عن استفساراتها وتساؤلاتها بهذا الخصوص :
 
الموسم هو تعبير عن حدث يقع بالتناوب مع دوران الزمن خلال موعد يتكرر..قد يكون خلال زمن قصير ك"الموسم" الذي كان يطلق على مهرجان سنوي من الفلكلور وعروض الخيل والتجارة..يحضره بالخصوص القرويون بعد الانتهاء من جني المحاصيل وبيعها أو ادخارها..
وهناك "موسم " الضرورة الذي يفرض نفسه، كالدخول المدرسي وما يتطلبه من استعداد، ينطلق ابتداء من شهر شتنبر..وهناك "موسم" الحرث المتعلق بالزراعة، ويبدأ في الثلث الأخير من شهر أكتوبر الفلاحي..وغير هذا، لا شيء يستحق اسم "الموسم"..فهل للثقافة موسم؟
نعم للثقافة موسم، ولكن ليس في المغرب، بل في دول أخرى..فتجد دور النشر مثلا، قد أعلنت عن الكتب الجديدة التي طبعتها ووزعتها على المكتبات..وقد أعلن قبل أسبوع أن موسم فرنسا الثقافي الجديد استبشر بطبع 440 رواية ما بين شهري شتنبر وغشت..لظروفنا الخاصة، ومع صعوبة تداول الكِتاب، لا تقوم دور النشر بنفس التصرف، ربما يفضل بعضها الاستعداد لمعرض النشر والكتاب أكثر من دخول الموسم الثقافي !
لقد أعلنت لجنة دعم طبع الكتب التابعة لوزارة الثقافة عن اللائحة المقبولة قبل أسابيع قليلة..ولكن، تلك الكتب لن تظهر خلال شتنبر أو أكتوبر..وكان حريا بهذه اللجنة أن تُعلن عن نتائج تداولها في شهر ماي أو نونبر المنصرمين..علما أن هناك مَن يحتج على عدم دعم كتب تقدم بها..وللتذكير فهذا الدعم المفترى عليه، يخص في الغالب دعم طبع خمسمائة نسخة من كل كتاب في المجال الإبداعي كالشعر والرواية والقصة..!
في الغرب تعلن دور السينما والمسرح والموسيقى عن برنامجها السنوي أو على الأقل الفصلي، ويكون الجمهور على علم بالمواعيد، ويتسعد كلّ للعروض التي تناسبه، وتُقتنى بطائق الدخول قبل موعد العرض..
وتعلن فرق المسرح والسيرك (حتى) وموزعو الأفلام وفرق الأوبيرا عن مواعيد عروضها، وعن جولاتا التي تستغرق وقتا، وبذلك يكون هؤلاء منسجمين فعلا مع الدخول الثقافي وما يقتضيه من تنظيم وإشعاع وتواصل.
وإذا ظهرت الصورة في المرآة، فلا حاجة للالتفات لرؤية الأصل.. لا مجال للمقارنة..
فلماذا إذاً لا تعرف الثقافة موسمها؟ لماذا لا يتوفر زخم من المنتوج الثقافي؟ لماذا لا تتوفر قاعات العروض؟ لماذا ضاع الكثير من دور السينما؟ لماذا لا يوَزّع الكتاب بشكل لائق؟ ولماذا انخفض الطلب على الكتب إلى مستوى جِدّ حرج؟
إن الثقافة لا تنزل من الأعلى كالمطر، بل إنها منتوج يحتاج الرعاية والتربة المناسبة..وهنا لابد من التذكير بمعطى مهم، فبقدر ما تحتاج الثقافة بكل أنواعها إلى الدعم، بقدر ما تُصبح قطاعا منتجا ومربحا، ويساهم بقوة في المنتوج الداخلي الخام..الثقافة ليست متسولة كما يظن البعض أو ما يوحون به..إن الآثار والإنتاج السينمائي وملابس الموضة وطبع الكتب والمهراجانات والعروض الفنية ورواقات الفنون التشكيلية الخ..قطاعات منتجة في الدول التي تعرف كيف "تروّض" الثقافة، فتوفر فرصا للشغل وضرائب للدولة، وتجلب السياح...باختصار، تدخل ضِمن الصناعة..
مشكلة الثقافة في المغرب معقدة، أولا على نطاق الرؤية السياسية، ينظر إليها كمجال "عاق" يُخرّج المحتجين والرافضين وغير الخانعين، وقد يكون التوصيف صحيحا، لكن، من يخشى هؤلاء على افتراض أنهم موجودون؟
مشكلة الثقافة أنها بدون حاضنة اجتماعية، ويعود ذلك لبؤس مقررات التعليم في المغرب، حيث تكاد تنعدم به الأنشطة الثقافية، والتي يجب أن تكون ضمن المقرر والأنشطة الصفية، وتدخل ضمن "المراقبة" التي يقع التنقيط عليها..وفي هذا الشأن يمكن وضع الكثير من الاقتراحات.
كما نفتقد في المغرب لفئات اجتماعية تُدخل الانجازات الثقافية انتاجا واحتضانا ضمن المنجزات الخاصة التي تثير الفخر..