الخميس 28 مارس 2024
سياسة

محمد الغيث ماء العينين: التّموقع الأمني الإستراتيجي للمغرب اعتراف بمكانة المغرب الأمنية ودوره الإقليمي

محمد الغيث ماء العينين: التّموقع الأمني الإستراتيجي للمغرب اعتراف بمكانة  المغرب الأمنية ودوره الإقليمي محمد الغيث ماء العينين
تحول المغرب في المدة الأخيرة إلى قبلة للقادة الكبار للأجهزة الأمنية والاستخباراتية لمختلف الدول، الذين يحلون تباعا للاجتماع مع عبد اللطيف الحموشي، المدير العام لجهازي "الديستي" و"الأمن الوطني". تناسل هذا الزيارات يشي بأن ترتيبات عالمية على المستوى الجيو استراتيجي تتم. وبفضل مهنية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية، أضحى المغرب رقما مهما في المعادلة الأمنية دوليا.
ولتسليط الضوء على هذا الملف استضافت
"أنفاس بريس" محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية.
 
 
الحديث عن أهمّية الدور المغربي في ما يتعلق الدور الأمني والاستخباراتي وسط تهافت الدّول الكبرى وأجهزتها بالتواصل والتنسيق من الخبرات و الاستفادة من التجارب الأمنية المغربية يجب أن يوضع في سياقاته لكي تكون القراءة قراءة متكاملة وواضحة، وتجعل من هذا الموضوع ظاهرة فعلية يتوقّف عندها.
أولا: السّياقات الخاصة بالأجهزة الأمنية  المغربية، العودة يجب أن تكون إلى بداياتها خلال هذا القرن بعد أحداث 11 شتنبر على الصعيد الدولي، وما تلاها على الصعيد الوطني في أحداث 16 ماي 2003 أتبتث نجاعة الأجهزة الأمنية المغربية في إطار المقاربة الشاملة المغربية في التعامل مع قضايا الجريمة والمخدرات والتّهريب، وقضايا الإرهاب فيما بعد. وكانت المقاربة في كل هاته الجوانب لم تعتمد فقط على مقاربة أمنية تقنية صرفة، بل مقاربة شاملة فكرية تنموية مجتمعية. فالمغرب في الوقت الذي كان هناك من "ليس معي فهو ضدي"، والمقاربة الأمنية في قصدها، نجد المغرب قد اعتمد احتواء وطرح مجال التفكير بإشراك كل الهيئات الفاعلة في المجتمع السّياسي والمدني والنّخب للحديث عن مشروع مجتمعي، والتحديث، من دون إهمال، بل بالعكس التركيز على الخصوصية والهوية المغربية، وفي الآن نفسه المحافظة عيلها.
 هاته المقاربة المتكاملة في شقيها الأمني وغير الأمني، أدّت إلى نجاح إعادة احتواء المراجعات، سواء المحكومين في قضايا الإرهاب أو غيرها، وهي نجاحات أمنية صرفة في الأمن الإستباقي بمعالجة بفكّ الألغاز بشكل سريع. وحتى على مستوى المجال المحيط في الساحل، فقد كان للأجهزة الأمنية والاستخباراتية المغربية الفضل في مساعدة الكثير من الأجهزة الأوربية  (في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية..)، وغير الأوربية في تجنب ،عبر معلومات دقيقة، عمليات إرهابية واعتقال إرهابيين على المستوى الدّولي.
ثانيا: أما على مستوى السّياق الخاص، فالمغرب أيضا اهتم بالأمن الرّوحي الذي أغفل بالنسبة للآخرين، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الروحي للمغاربة، وعمل على تأطير  حماية انحرافات الفكر المتطرّف والأجنبي عن المغرب. حيث تم ذلك على المستوى الإفريقي من خلال محاربة الإرهاب التكفيري وتأهيل الأئمة، وكذا التصدي للمدّ والتّغلغل الإيراني عبر التشيع الدخيل على منطقتنا بأي شكل من الأشكال، خاصة ما وقع  لدى عدد من الجاليات الشمالية في أوروبا (خاصة في بلجيكا) وفي عدد من الدول الإفريقية.
 كما يجب قراءة هذا الموضوع، من تنامي الدور المغربي كقوة أمنية إقليمية مؤثرة جدا في المنطقة وفي القارة الإفريقية برمتها. هذا التواجد المغربي كان معزّزا بكل الأذرع، وبآلية التشارك التنموي الإقتصادي والسّياسي والأمني، وسط تراجع استراتيجي وقع لبعض القوى التي كانت كبرى، وعلى وجه الخصوص فرنسا وبريطانيا. 
ولم يعد للمغرب دوره في إفريقيا كما كان، ولأن الطبيعة لا تحبّ الفراغ بعدما تراجع دور دول في إفريقيا، فالمغرب صار اليوم من بين الدّول المؤهلة لملء الفراغ ، وإقليميا صار يستوجب عليه مسؤوليات أمنية، إلى جانب المشاركة في حفظ السّلم في المنطقة عبر تدخلاته التي عززت نجاحاته ودوره كقوة إقليمية أمنية مسؤولة، لم يكتف دوره فقط داخل التراب المغربي وتحمّل مسؤولياته، بل توّسع دوره وتعزّز أكثر في المنطقة حتى أوروبا وفي إفريقيا، وعبر تعاون مع دول أخرى في العالم.
والمغرب إذن صار قوة مؤثرة في المنطقة، ومقاربته الأمنية غير مسبوقة، وهذا اعتراف  بهذا الدور في حماية الأمن والسّلم العالميين، جسّده تواجده في بعثات إحلال السلام الأممية، إلى جانب تحمله لمؤثرات الأمن الغذائي (300 ألف طن)، وكذا دوريها الأمني في محاربة الإرهاب، والثاني الأمن الرّوحي في محاربة التّطرف وتأطير الأئمة في أوروبا وإفريقيا.
كما أن التواجد الأمني للمغرب في المنطقة هو أيضا ترسيخ لواقع متطور، فالمغرب  صارت لديه مسؤوليات كقوة إقليمية في محيطه الجهوي، بينما الجزائر غارقة في مشاكلها الدّاخلية  منذ مرض رئيسها السابق بوتفليقة إلى اليوم. ودول الساحل تعيش مشاكل أمنية وسياسية، وحتى فرنسا غادرت مالي وتراجع دورها في إفريقيا. وهذا التّموقع الأمني الإستراتيجي هو اعتراف بمكانة المغرب الأمنية ودوره الإقليمي. وما يجسد في جميع ظواهره وتجلّياته، في الاستخبارات وفي الجيش كذلك، ليتعزز أكثر في مساعدة قطر  لتأمين  الظروف الأمنية في تحضيرات كأس العالم لقطر 2022.
 
محمد الغيث ماء العينين/ نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية